شؤون العرب والخليج
وكالات..
مسيحيّو العراق بخطر..أرقام تعكس واقعاً مقلقاً
"أرشيفية"
منذ الغزو عام 2003، عانى المجتمع المسيحي في العراق من انهيار كارثي، لتشهد معه المسيحية في البلاد تراجعا دراماتيكيا. فقبل الحرب، كان عدد المسيحيين في البلاد 1.3 مليون، واليوم كشف بطريرك الكلدان في العراق والعالم الكاردينال لويس روفائيل ساكو، عن أن نسبة المسحيين في بلاد الرافدين تراجعت من 4% إلى نحو 1%، مشيراً إلى مقتل 1200 مسيحي خلال 15 سنة إثر أعمال العنف، وقال في رسالة منشورة على الموقع الرسمي للكنيسة الكلدانية: "العراقيون المسيحيون تُنتهك حقوقهم الإنسانية والوطنية المشروعة". فهل تختفي المسيحية من العراق؟
هناك أسباب متنوعة لهذا التراجع منها زعزعة استقرار المنطقة، إذ تشير محنة المسيحيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط في العقدين الماضيين، سواء في سوريا أو العراق أو في أي مكان آخر، إلى وجود بيئة قلقة وغير مستقرة للمسيحيين. وفي هذا الصدد يكشف تقرير أصدره معهد الدانوب ومقره بودابست عن أن القادة المسيحيين في العراق يصفون حقبة ما قبل عام 2003 بأنها "مستقرة" و "آمنة"، وهي فترة "خالية من الطائفية والعنف"، والكنيسة كانت تتمتع بالاستقرار والسلام في ظل نظام الراحل صدام حسين، وهو أمر لا تتمتع به الآن.
عاصفة داعش
ثم جاءت عاصفة داعش بنتائج كارثية على الأقلية المسيحية في البلاد حيث اقتلع آلاف المسيحيين من مناطقهم بعد أن فقدوا منازلهم وأراضيهم. وبالطبع غالبيتهم العظمى لم يعودوا وسط معاناة قادة الكنيسة بمختلف طوائفها من عدم اعتراف الحكومة ودعمها وأسفهم على الافتقار إلى البنية التحتية المالية والأمنية للكنائس، حيث تعتبر الإجراءات الأمنية الخاصة ضرورة يومية للعديد من المؤسسات المسيحية في البلاد.
وفي هذا الإطار، رأى رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري، أنّ "المسيحيين كمكوّن من مكونات الشعب العراقي تمّ النظر إليهم على أنهم أقليّة دينيّة، وبما أن النظام الذي جاء ما بعد عام 2003 قادته قوى إسلامية متطرفة جزء منها تعمل على إقصاء الآخر، ليس فقط سياسيًا وإنما دينيا، أصبحت المسيحية بالتالي من أكثر المكوّنات المتضرّرة في العراق، وقد تكون سنوات الإحتكاك الطائفي والحرب على تنظيمي القاعدة وداعش خير مثال على مستوى الإستهداف لهذا المكوّن بالتحديد."
ويشرح الشمري في اتصال مع "جسور"، أنّ "عملية إستهداف المسيحيين جرت لأسباب سياسية عدة منها محاولة تطويع هذا المكوّن الأصيل في العراق إلى جهات سياسية دون أخرى، والأمر الآخر تمثّل بمحاولات الإستيلاء على أملاكهم والتي تعدّ واحدة من أهم الأهداف التي دفعت إلى إستهدافهم وتهجيرهم إما قسريًا أو طوعيًا نتيجة المضايقات. "
مرحلة خطرة
ويضيف رئيس مركز التفكير السياسي، أنّ "المكوّن المسيحي وبعد الحرب على تنظيم داعش، دخل مرحلة إنقسام على أُسس دينية وحتى سياسية من ناحية التمثيل الديني وحتى من ناحية التمثيل السياسي، وهي مرحلة خطرة جدًا أضعفت بشكل كبير هذا المكوّن،" ومن جانب آخر لا بدّ من الإشارة وفق الشمري، إلى"محاولة الإستيلاء على الجغرافية التي ينتشرون فيها وتحديدًا سهل نينوى ومحاولة تغيير الديمغرافية هناك، وهذا بحد ذاته كان يستوجب على السلطات العراقية أن تضع حدًا لمثل هكذا ممارسات تجاه المكوّن المسيحي
لكن في ما يبدو هناك إرادة سياسية مَنعت على أقل تقدير إيجاد حصانة معينة أو الحفاظ على المكوّن المسيحي، وقد تكون عملية نقل مقرّ الأب ساكو من بغداد إلى كردستان واحدة من الحلقات التي تُبيّن مستوى التأثير السياسي والصراع تجاه هذا المكوّن ومحاولة الإستحواذ على أملاكهم،" بحسب الشمري.
وتابع: "هناك علاقة جيدة وتعايش مع هذا المكوّن الأصيل، لكن البيئة السياسية هي بيئة معادية للمسيحيين، لهذا نرى أنه تمّ إقصائهم في الكثير من المساحات، وهذا الإقصاء لم يستهدف المسيحيين، فقط إنما طال أيضا بقية القوى والشخصيات والأطراف التي ترفض التماهي مع سياسات الأحزاب التقليدية."
مآسي مسيحيي العراق
وكان ذكر ساكو في وقت سابق، أن المسيحيين في العراق يجري "إقصاؤهم من وظائفهم، والاستحواذ على مقدراتهم وأملاكهم، فضلاً عن التغيير الديموغرافي الممنهَج لبلداتهم في سهل نينوى أمام أنظار الدولة العراقية".
وأكد مغادرة "مليون مسيحي للعراق بعد سقوط النظام، وبعد تهجير عناصر داعش لمسيحيي الموصل وبلدات سهل نينوى عام 2014، لأسباب أمنية (السلاح المنفلت) وسياسية (منطق الطائفية والمحاصصة الذي صب على العراق نار جهنّم) واقتصادية (الفساد) واجتماعية (التطرف الديني وداعش)".
قتل 1200 مسيحي
بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، استعرض إحصائيات بشأن المسيحيين وفقاً لتقرير منظمة حمورابي والحركة الديمقراطية الأشورية، مشيراً إلى أن نحو 1200 مسيحي قتل في حوادث عنف متعددة في عموم العراق في الفترة بين عامي 2003 و2018، بينهم 700 شخص تم قتلهم على الهوية".
وذكر أنه "اُختطف عدد من رجال الدين في الموصل وفي بغداد واُستُشهِدَ عدد منهم، وأبرزهم المطران بولس فرج رحو، رئيس أساقفة الموصل للكلدان". وتابع: "فُجِّرت 85 كنيسة ودير في بغداد والموصل والبصرة من قِبَل المتطرفين ثم داعش، كما استولَت المافيات على 23 ألف بيت وعقار.
وتطرّق إلى أن المرسوم الجمهوري رقم 147 الذي "سُحِبَ من الرئيس الأعلى للكنيسة الكلدانية في العراق والعالم من دون مسوّغ قانوني أو أخلاقي ولا علاقة له بالمصلحة الوطنية من قريب أو بعيد".
واتهم ساكو بـ"إبعاد موظفين بارزين عن وظائفهم، وخُطِفَت الكوتا المسيحية في الانتخابات البرلمانية"، إضافة إلى "منع المشروبات الكحولية في حين أنها مسموحة في عدة بلدان عربية مسلمة".
لويس ساكو، الذي نوه إلى أنه رجل دين لا يحمل أي طموح سياسي، أشار إلى أن "بيانات التعاطف والوعود لا تنفع شيئاً، منها، إذا لم يتم إنصافهم على أرض الواقع". ورأى بأن حل هذه المسألة يكمن في "التعامل مع المكونات العرقية والدينية المهمَّشة على مبدأ المساواة أمام القانون".