شؤون العرب والخليج
ضغوط غربية على مصر تعكس هواجس حيال نزاهة الانتخابات الرئاسية
أنصار الطنطاوي يجمعون التوكيلات لبلوغ العتبة الانتخابية
لم تعد انتخابات الرئاسة المصرية المقرر إجراؤها في ديسمبر المقبل قاصرة على ما يجري من تراشقات في الداخل، حيث ظهرت مواقف خارجية قد تؤثر على مساراتها السياسية المقبلة وآخرها مطالبة البرلمان الأوروبي بإجرائها وفقا لضوابط من النزاهة والشفافية واحترام حقوق الإنسان، وهو ما رد عليه مجلس النواب المصري بقوة، معتبرا أنه تدخل مرفوض وغير مبرر في الشؤون الداخلية لدولة أخرى.
وتجاوز البرلمان الأوروبي حدود العملية الانتخابية وعدم مضايقة المرشحين المحتملين، وذكر بالاسم مرشح المعارضة أحمد الطنطاوي، فضلا عن إطلاق سراح من أسماهم بـ”السجناء السياسيين”، والإفراج عن القيادي في التيار الليبرالي الحر هشام قاسم بعد الحكم عليه بالسجن ستة أشهر في قضية سب وقذف.
وشن إعلاميون قريبون من الحكومة المصرية حملة تقليدية على البرلمان الأوروبي، تارة تشكك في توجهاته وتصفها بالمؤامرة على القاهرة، وتارة أخرى تقلل من أهميته بحكم أن البرلمان لا يتجاوز دوره الحدود الرمزية وتحيط به “شبهات فساد”.
وأوحى تعدد الردود على موقف البرلمان الأوروبي بالقلق داخل الحكومة المصرية خوفا من اتساع كرة الثلج السياسية، ما يفتح الباب لتدخل على خطوطه جهات غربية أكثر تأثيرا تضاف إلى تصاعد حدة الانتقادات الموجهة من قبل منظمات حقوقية دولية تطالب بضرورة إجراء انتخابات رئاسية في مصر ذات مصداقية عالية.
وبدأت الانتخابات المصرية تحظى باهتمام في دوائر سياسية غربية ووسائل إعلام عالمية، وزادت التعليقات في افتتاحياتها، وحملت في معظمها رؤى سلبية وتفسيرات لمواقف تبناها الرئيس عبدالفتاح السيسي حيال بعض القضايا التي أثارت الجدل خلال المؤتمر الذي حضره قبل أيام بعنوان “حكاية وطن” وأعلن بعده ترشحه رسميا.
واستثمر الطنطاوي المرشح المعارض المحتمل دعم قطاعات من المصريين العاملين والمقيمين في الخارج لحملته الانتخابية، وطالبهم بالعمل على توثيق توكيلات لهم من جانب سفارات وقنصليات مصر في دول مختلفة لمساندته في جمع التوكيلات اللازمة التي تخول له دخول السباق الانتخابي بعد تعرض مؤيديه لمضايقات في محافظات مصرية عدة لتحرير التوكيلات المطلوبة وعددها 25 ألفا.
وبدأت شخصيات مصرية تعلن صراحة قيامها بمساعدة الطنطاوي على جمع التوكيلات وتطالب من المؤيدين له بالتوجه إلى سفارات وقنصليات مصر في دول مختلفة.
وظهرت أسماء تنتمي إلى جماعة الإخوان من المقيمين في الخارج تتولى حشد المصريين لدعم الخطوة التي بدت كمحاولة تصفية الحسابات مع الرئيس السيسي الذي أيد ثورة يونيو 2013 ضد الجماعة وأسقطت الرئيس الإخواني محمد مرسي من السلطة.
ومن هنا تعرض الطنطاوي للمزيد من الهجوم عليه، والاستفادة من خطاب سابق له بشأن عدم ممانعته مشاركة الإخوان في المشهد السياسي بمصر والربط بينهما لتصوير من يقومون على حملته في الخارج وجمع التوكيلات على أنهم ينتمون إلى الجماعة.
وعادت فزاعة الإخوان إلى الأضواء هذه المرة من نافذة الطنطاوي، غير أن الربط لا ينفي وجود الكثير من مؤيديه من قوى سياسية بعيدة عن الإخوان، بل وتتبنى مواقف مناهضة للجماعة، وهناك شريحة شبابية عريضة تدعمه كممثل لها أو معبر عن حلم التغيير الذي يريدون رؤيته في المستقبل.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي باشتباكات لفظية بين مؤيدي الطنطاوي بطوائفهم المتباينة، وبين مناصري السيسي الذين بدأوا الترويج لنظرية “المؤامرة” للنيل من مرشح معارض باعتباره رأس حربة للإخوان، وزاد البعض في غلوهم بوصفه “عميلا” لأجهزة استخبارات عالمية تستهدف الدولة المصرية.
ووفرت الانتقادات والاتهامات المبالغ فيها تعاطفا كبيرا مع الطنطاوي الذي ظهر في جولاته الانتخابية وقد التف حوله مواطنون، وزاد عدد الراغبين في توثيق توكيلات لتفويضه بالترشح للانتخابات المقبلة، وكسر جزء معتبر من حواجز الصمت السياسي في الشارع المصري التي سادت الفترة الماضية.
وأخذت أصداء ما يجري في مصر بشأن مظاهر الانتخابات وروافدها ودلالاتها السياسية تحظى باهتمام في الخارج، وتجلب المزيد من المتابعين والمراقبين لها، ما يضع عقبات جديدة أمام الجهاز التنفيذي المسؤول عن العملية الانتخابية للقيام بأي تلاعب فيها، خاصة مع تنامي الدور الذي تلعبه كاميرات الهواتف المحمولة في نقل صور وفيديوهات تحمل مفارقات تنال أحيانا من مؤيدي الرئيس السيسي.
وبادر الطنطاوي بالتركيز على المسألة، وقرأ مبكرا إمكانية وضع المطبات في طريقه للحصول على التوكيلات، فتعمد تسجيل مشاهد حية من الشوارع والميادين تضم العشرات من الشباب حوله يهتفون باسمه كي يدحض حجة من يشككون في تجاوزه العتبة الانتخابية وتقديم أوراقه كاملة للهيئة الوطنية المشرفة على الانتخابات في موعد غايته الرابع من أكتوبر الجاري.
ووفر مرشح المعارضة، بخلاف المرشحين المحتملين الآخرين لانتخابات الرئاسة، زخما جذب انتباه جهات خارجية عدة جعلها تبدي اهتماما غير معتاد بها، على الرغم من إدراك الكثيرين أن الرئيس السيسي سوف يفوز بارتياح فيها، لكن المعاني التي تنطوي عليها المرحلة الحالية تدفع إلى الشغف السياسي.
ويقول متابعون إن انتقادات البرلمان الأوروبي للقاهرة وجمع توكيلات من المصريين المقيمين والعاملين في الخارج يضفيان حيوية على عملية الانتخابات، ويشيان بأنها يمكن أن تحمل تداعيات غير محسوبة قد تغير من المسار الذي يستهدف الطنطاوي.
واستند هؤلاء المتابعون إلى حدوث تغير بوجود انفراجة نسبية في التوكيلات الممنوحة للطنطاوي من مكاتب التوثيق المعروفة في مصر بـ”الشهر العقاري” وتزايد مؤيديه في الأيام الماضية، لكنها لم تصل إلى المدى الذي يمكنه من تجاوز العتبة الانتخابية.
ومن المتوقع أن تتنوع أشكال الاهتمام الخارجي بالانتخابات المصرية، ما يشكل ضغطا على الحكومة والجهات الفاعلة، ويدفعها إلى التمسك بالصرامة في التعامل من مرشحي المعارضة الجادين، أو تليين القبضة الحديدية المفروضة عليهم، لاسيما أن التقديرات العامة لا تشكك في إمكانية فوز الرئيس السيسي.
ويظل رهان المعارضة على ما بعد الانتخابات والرغبة في إحداث خلخلة سياسية تمنح الفرصة لزيادة هوامش الحرية في الفضاء العام استعدادا للانتخابات بعد القادمة.