شؤون العرب والخليج
احتمالات مفتوحة للمواجهة الأعنف بين حركة حماس وإسرائيل
هجوم واسع يتجنب اجتياحا بريا يعقد المواجهة أكثر
تبدو السيناريوهات معقدة ومفتوحة على كافة الاحتمالات لأعنف جولة قتال على الإطلاق بين حركة حماس وإسرائيل، فيما تربك المخاوف على حياة الأسرى الإسرائيليين خيارات الردّ.
ولأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، تسلل المئات من المقاتلين من حماس وفصائل أخرى مسلحة إلى بلدات ومستوطنات إسرائيلية محاذية لقطاع غزة.
وأعلنت وسائل إعلام إسرائيلية الاثنين ارتفاع حصيلة القتلى الإسرائيليين إلى 800 وإصابة أكثر من 2200 آخرين منذ إطلاق حركة حماس السبت لهجومها غير المسبوق ضد إسرائيل.
وأوردت مصادر إسرائيلية أنه تم توثيق أكثر من 300 إسرائيلي مفقود منذ بدء جولة التوتر الحالية.
وعلى الجانب الآخر، قتل أكثر من 493 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء وإصابة 2751 منذ بدء التوتر، وسط تهديدات متبادلة بالمزيد من التصعيد مع مخاوف من اتساعه. وجاء ذلك في إطار عملية أطلقت عليها حماس اسم “طوفان الأقصى” تضمنت كذلك إطلاق الآلاف من الصواريخ وطائرات مسيّرة انتحارية على جنوب ووسط إسرائيل.
وفي المقابل، رد الجيش الإسرائيلي بإطلاق عملية عسكرية “السيوف الحديدية” تضمنت شن المئات من الغارات المكثفة على مواقع عسكرية لحماس وأبراج ومنازل سكنية بينها لقادة الحركة ومؤسسات حكومية وأراض زراعية. وأعلن الجيش الإسرائيلي حالة الحرب لأول مرة منذ عقود، بعد نحو ساعتين على بدء حركة حماس هجومها غير المسبوق.
ويقول المحلل السياسي ساري عرابي لوكالة أنباء شينخوا إن إعلان إسرائيل حالة الحرب يعني اتخاذ أقصى ما يمكن اتخاذه من القوانين الناظمة لإنجاح عملياتها العسكرية وتسخير كافة المقدرات لجيشها.
ويعتبر عرابي أن التحرك الإسرائيلي جاء على خلفية مدى التأثير الذي أحدثته عملية حماس والشعور الإسرائيلي غير المسبوق بفقدان قوة الردع على الساحتين الفلسطينية والإقليمية.
ويضيف أن حماس نجحت إلى حد كبير بإحداث مفاجآت في المواجهة مع إسرائيل مثل عمليات التسلل واستخدام طائرات مسيرة وقذائف صاروخية بماديات جديدة مع ترجيح احتفاظها بالمزيد من المفاجآت.
وانتقدت وسائل إعلام عبرية ما وصفته بأحد أسوأ الإخفاقات الاستخباراتية في تاريخ إسرائيل في مواجهة حماس بعد أن افتخرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية دائما باختراقها المكثف ومراقبتها للفصائل الفلسطينية.
ويعتقد أن تأثير الصور ومقاطع الفيديو التي أحدثها هجوم حماس، بما في ذلك فيديوهات لمقاتلين يتجولون في البلدات الإسرائيلية ويأسرون الجنود والمدنيين سيكون له تأثير عميق على الجمهور الإسرائيلي.
خارج الحسابات
يرى المحلل السياسي هاني المصري أن ما يجري من جولة قتال خارج التوقعات والحسابات، في إشارة إلى الطبيعة الدامية غير المسبوقة لجولات القتال السابقة.
ويقول المصري إن هذه الجولة من القتال تؤسس لقواعد صراع مختلفة وتحمل عدة سيناريوهات منها احتمال إقدام إسرائيل على إعادة احتلال قطاع غزة لتغيير قواعد اللعبة كليا.
وانسحبت إسرائيل بشكل أحادي الجانب من قطاع غزة في العام 2005 لكنها فرضت حصارا مشددا عليه بعد عامين على ذلك.
وشنت إسرائيل أربع هجمات على قطاع غزة منذ العام 2008 حتى العام 2021 إلى جانب العشرات من جولات القتال الدامية مع الفصائل الفلسطينية.
ويقول المصري إن السيناريو الثاني لجولة القتال الحالية يتمثل باحتمال نجاح الجهود العربية والدولية بالحد من معدلات التصعيد بما يسمح برد إسرائيلي قوي لكنه محسوب من دون انقلاب كامل على قواعد الصراع.
ويرى أن السيناريو الثالث يتمثل بأقل من تغيير كامل لقواعد الصراع وأكثر من مجرد رد قوي، بحيث تحاول إسرائيل استعادة قوة الردع المنهارة من دون أن تدفع الأمور إلى نقطة اللاعودة.
لكن المصري يشدد على أن أي تصعيد كبير قد يدفع إلى فتح جبهات جديدة، لاسيما من لبنان، فيما تزايد احتمالات التطبيع الإسرائيلي مع دول أخرى في المنطقة قد يدفع نحو التقليل من حدة التصعيد الحالي.
الخشية من مأزق غزة
قرر المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابنيت) في إسرائيل شن هجوم واسع على قطاع غزة بهدف تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي بشكل سيحرمهما لسنوات طويلة من المقدرة والرغبة في تهديد مواطني إسرائيل.
وتعالت الدعوات في إسرائيل إلى إطلاق حملة عسكرية من شأنها القضاء على حكم حماس في قطاع غزة وقدراتها العسكرية.
لكن المحلل السياسي عصمت منصور يقول إن إسرائيل من المستبعد أن تخاطر باجتياح بري واسع في قطاع غزة لتحقيق هدف القضاء على حكم حماس وقدراتها لما يحمله ذلك من مخاطر.
ويقول منصور إن اجتياح واحتلال غزة لإسقاط حكم حماس بات أمرا خارج إرادة إسرائيل بالنظر إلى أنه سيورطها في عملية معقدة أمنيا وسياسيا وسيكلفها الكثير.
ويضيف أن حماس كتبت صفحة جديدة في الصراع تختلف عن كل المعادلات السابقة بعد أن فرضت واقعا أمنيا وعسكريا مختلفا كليا، لاسيما بما أسرته من جنود ومدنيين إسرائيليين.
وأعلنت كتائب القسام أنها أسرت العشرات من جنود وضباط الجيش الإسرائيلي وتم تأمينهم داخل مواقع وأنفاق تابعة للحركة، مهددة بأن ما يجري على سكان غزة سيجري عليهم.
وحددت قادة حماس أسبابا رئيسة لإطلاق هجوم الحركة على رأسها الاعتداء على المقدسات والسعي إلى تحرير أكثر من أربعة آلاف معتقل فلسطيني من سجون إسرائيل، فضلا عن ملف حصار غزة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس أحمد رفيق عوض إن حماس تريد تحقيق أهداف كثيرة، أولها كسر الحصار عن قطاع غزة وتغيير شروطه.
ويشير عوض إلى أن حماس تريد إبرام صفقة تبادل للأسرى مع إسرائيل، وهو ما ركزت عليه بعمليات الأسر للجنود والمدنيين الإسرائيليين، ما يعد إنجازا لهم.
ويضيف أن حماس تأمل بتحقيق أهداف بعيدة عبر فرض معادلات جديدة سياسية وأمنية ليس فقط فلسطينيا بل في الإقليم، وتكرس نفسها طرفا رئيسا في المعادلة الفلسطينية.
ويؤكد عوض أنه بينما تبدو السيناريوهات مفتوحة لحدة موجة القتال الحاصلة وسقفها الزمني، فإنها تعيد التأكيد مجددا أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي سيبقى مرتبطا بحل سياسي شامل.
الأسرى
تقيد مخاوف على حياة الكثير من الأسرى الإسرائيليين من خيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضرب حماس، إذ تواجه الدولة التي تجرعت مرارة أزمات رهائن سابقة ما قد يكون أسوأ أزمة محتجزين في تاريخها حتى الآن.
وتوعد نتنياهو بـ”انتقام ساحق”، لكن مصير الجنود الإسرائيليين وكبار السن والنساء والأطفال الذين اقتيدوا إلى غزة ولا تزال أعدادهم غير واضحة يعقد كيفية وفاء إسرائيل بتوعدها بالرد بأسلوب قوي وناجز مع الالتزام في الوقت نفسه بالمبدأ القديم بعدم ترك أي أحد.
ويشعر الإسرائيليون بصدمة بسبب الهجوم وصور مواطنيهم الذين اقتيدوا إلى غزة.
ونشر السفير ديفيد سارانجا، المسؤول الكبير بوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية، مقطع فيديو على منصة إكس للتواصل الاجتماعي لما قال إنه رهائن إسرائيليون احتجزتهم حماس أثناء الهجوم.
وظهرت فتاة باكية في الفيديو وهي تسأل من تبدو أنها أمها عن أختها “لا أمل في أن تعود؟”. وزعم سارانجا أن أختها قُتلت أمام شقيقيها وأبويها الذين ظهروا في الفيديو.
وفي 2011، بادلت إسرائيل المئات من الأسرى الفلسطينيين لتأمين الإفراج عن جندي إسرائيلي واحد هو جلعاد شليط الذي أسر لخمس سنوات.
ويبدو ذلك النوع من عمليات التبادل مستحيلا عندما يتعلق الأمر باحتجاز العشرات من الرهائن هذه المرة. ولاقت صفقة شليط انتقاد بعض الإسرائيليين بوصفها غير متكافئة.
وقال آرون دافيد ميلر، وهو زميل رئيسي بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، “الحقيقة القاسية أن حماس احتجزت رهائن كسياسة تأمين من التحرك الإسرائيلي للرد، وبالتحديد هجوم بري ضخم، ولمبادلتهم بأسرى فلسطينيين”.
وأردف “هل سيقيد ذلك كيفية رد إسرائيل؟ إن كانت الأعداد ضخمة، فكيف لا يقيد؟”.
وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن إسرائيل ستتحرك لتحرير المحتجزين وستلحق أضرارا جسيمة “بالبنية التحتية الإرهابية” لحماس وستضمن عدم تمكن أي “جماعة إرهابية” في غزة من إلحاق الأذى بالمواطنين الإسرائيليين مجددا.
لكن لا توجد اختيارات سهلة، فمحاولة إنقاذ جميع من قالت حماس إنهم محتجزون في مواقع مختلفة من شأنها تعريض حياتهم للخطر. لكن إجراء مفاوضات مطولة مع حماس حول تبادل للأسرى ربما يمثل فوزا كبيرا لحماس العدو اللدود لإسرائيل.
ودعا نتنياهو، الذي يرأس واحدة من أكثر الحكومات التي يطغى عليها اليمين في تاريخ إسرائيل، زعماء المعارضة إلى الانضمام إلى حكومة وحدة ساعيا إلى حشد دعم أكبر لأي قرار بالرد.
ولنتنياهو ذكريات مؤلمة مع عمليات تحرير الأسرى والرهائن، ففي 1976 قُتل أخوه الأكبر أثناء إنقاذ رهائن من مطار عنتيبي في أوغندا، وهو حدث قال عنه نتنياهو إنه رسم شكل حياته المستقبلية.
وقاد شقيقه الراحل اللفتنانت كولونيل يوناتان “يوني” نتنياهو فريقا هجوميا يتألف من 29 فردا من القوات الخاصة الذين اجتاحوا صالة المطار لإنقاذ إسرائيليين وآخرين من ركاب طائرة تابعة لخطوط إير فرانس الجوية بعدما غير مختطفون فلسطينيون وألمان وجهتها إلى أوغندا.
وفي حادث سابق في 1972، احتجز مسلحون فلسطينيون من منظمة أيلول الأسود أعضاء الفريق الأولمبي الإسرائيلي رهائن في القرية الرياضية بميونخ. وفي غضون 24 ساعة، لقي 11 إسرائيليا وخمسة فلسطينيين وشرطي ألماني حتفهم بعدما تحولت جهود الإنقاذ إلى تبادل لإطلاق النار.
وردت إسرائيل بإرسال عملاء لقتل المسلحين الفلسطينيين الذين اعتبرتهم العقل المدبر للهجوم، فيما يقال إنها عملية سرية استمرت لسنوات. واغتيل عدة فلسطينيين في مواقع مختلفة في أوروبا والشرق الأوسط.
وتمثل غزة نطاقا مختلفا للتحدي. ففي مسيرته الطويلة، أظهر نتنياهو أن الحملات البرية قليلا ما تستهويه وأن غزة ستكون موقعا فوضويا لشن حرب. ويتكدس أكثر من مليوني شخص في شريط ضيق من الأرض تديره حماس التي تسيطر عليه منذ نشوب حرب قصيرة في 2007 مع قوات الأمن الموالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس المتمركز في الضفة الغربية.
ووصف رئيس الوزراء الراحل أرييل شارون انسحاب إسرائيل من غزة في 2005 أثناء قيادته للحكومة بأنه كان مؤلما، لكنه قال إن السيطرة على هذه المنطقة كثيفة السكان أمر عسير للغاية. وكان شارون قائدا عسكريا في حرب 1973.
وقد يتبع نتنياهو إستراتيجية معروفة بشكل أكبر تتمثل في اغتيال قادة حماس بضربات جوية وبتفجيرات. وكانت إحدى أهم العمليات هي اغتيال الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحماس بضربة صاروخية من طائرة هليكوبتر في 2004. لكن هذه الضربات لم تردع حماس.
وقال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لقناة الجزيرة إن الحركة بحوزتها الآن عدد ضخم من الأسرى الإسرائيليين، ولم تعلن حماس أي أرقام حتى الآن قائلة إن لديها ما يكفي من الأسرى لتأمين الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل.
وتقدر جمعية نادي الأسير الفلسطيني عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بنحو 5250 سجينا.
وإن وافقت إسرائيل على إطلاق سراحهم جميعا، فسيكون ذلك انتصارا ثمينا لحماس وفصائل مسلحة أخرى، ولهذا السبب ستكون صفقة سياسية يصعب على نتنياهو أو أي زعيم إسرائيلي عقدها.
لكن مهند الحاج علي، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، قال إن المفاوضات تبدو هي السبيل الوحيد الواضح للمضي قدما.
وأضاف “بغض النظر عن نوع الألم الذي سيوقعه نتنياهو بالفلسطينيين، في ما يتعلق بقصف المباني أو اغتيال قادتها في غزة، فإن هذا لن يقلل مما أوقعته حماس بإسرائيل”.