شؤون العرب والخليج
مساع دولية لإنقاذ الانتخابات الليبية
لا تزال معضلة تشكيل حكومة ليبية جديدة تشرف على الانتخابات عقبة رئيسية أمام الاستحقاق الذي طال انتظاره، فيما عاد إلى الواجهة مقترح اندماج حكومتي عبدالحميد الدبيبة في طرابلس وأسامة حماد في الشرق وسط زخم المساعي الأممية لتذليل العقبات.
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا عبدالله باتيلي الاثنين إن المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا أبلغت الأمم المتحدة بأنها لا تستطيع بدء العد التنازلي للانتخابات الوطنية إلا بعد حل مسألة تشكيل حكومة جديدة.
واشتدت المواجهة بين الفصائل السياسية والمسلحة المتنافسة في ليبيا بشأن الحكومة المؤقتة منذ أوائل العام الماضي، مما أدى إلى اندلاع موجات قصيرة من القتال. وكان باتيلي يلقي كلمة أمام مجلس الأمن الدولي بعد أن أصدر رئيس البرلمان الليبي المتمركز في شرق البلاد قوانين جديدة في إطار الجهود الدبلوماسية الدولية الرامية إلى حل الصراع الناشب منذ سنوات عبر صناديق الاقتراع.
ولم تتمتع ليبيا بقدر يذكر من السلام أو الأمن منذ الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي عام 2011، وانقسمت في عام 2014 بين فصائل شرقية وغربية متحاربة، لكن المعارك الكبرى توقفت إلى حد بعيد منذ وقف إطلاق النار عام 2020. وتشكلت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة من خلال عملية أيدتها الأمم المتحدة في عام 2021، لكن البرلمان لم يعد يعترف بشرعيتها.
وقال باتيلي في أول تعليق له على القوانين الانتخابية الجديدة "من وجهة نظر فنية تعتبر القوانين المعدلة أفضل من المسودات السابقة". وأضاف "من وجهة نظر سياسية، لا تزال المشاكل الأكثر إثارة للجدل.. دون حل"، مشيرا إلى رفض هيئة تشريعية أخرى، وهي المجلس الأعلى للدولة للتعديلات الرئيسية.
وتشمل هذه القضايا إجراء جولة إعادة إلزامية في الانتخابات الرئاسية حتى لو فاز أحد المرشحين بأغلب الأصوات، وهي قاعدة قال باتيلي إنها يمكن إساءة استغلالها لاستبعاد مرشحين من الجولة الثانية أو التشكيك في نتيجة الأغلبية.
وقال باتيلي إن ربط صلاحية الانتخابات البرلمانية بالانتخابات الرئاسية "يعرّض العملية لخطر التعطيل". لكن القضية الأصعب هي تشكيل حكومة جديدة للإشراف على الانتخابات. ورفض الدبيبة التنحي إلا بعد إجراء الانتخابات، ورفض أيضا شرعية البرلمان الذي انتخب عام 2014 لمدة عامين.
ويعتزم المبعوث الأممي إلى ليبيا عقد لقاءات مع القادة الليبيين أو ممثليهم، لحسم الخلاف حول القوانين الانتخابية، ومناقشة التحضير كذلك لتشكيل حكومة تكنوقراط تقود البلاد نحو الانتخابات. وقال باتيلي إن الانتخابات تتطلب حكومة موحدة تتفق عليها الأطراف الرئيسية في شرق ليبيا وغربها، والتي لم تظهر حتى الآن أي ميل نحو الاتفاق.
ويستبعد محللون إمكانية قبول الأطراف السياسية الجلوس إلى طاولة المفاوضات تحت رعاية باتيلي، مشيرين إلى أنّ الأخير أصبح طرفا في الصراع الليبي بعد دخوله في صدام مع البرلمان واتهامه من البعض بعدم الحياد وبتجاوز صلاحياته ولدور الوساطة من خلال التدخل في القوانين الانتخابية، وسعيه لإرضاء جهات على حساب أخرى.
ويتوقع المحللون أن تزداد الأزمة السياسية حدّة خلال الفترة القادمة، في ظلّ تمسك كل طرف بشروطه ووجود قوى نافذة مناهضة لإجراء الانتخابات. وفي المقابل عاد مقترح اندماج حكومتي الدبيبة وحماد لتشكيل حكومة موحدة إلى الواجهة بقوة في ظل الانسداد السياسي، خاصة وأن المقترح سبق أن حاز على دعم من قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.
وفي يوليو الماضي، وافق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على خطة منبثقة عن لجنة 6+6، التي تمثل الجانبين. وكان الهدف من ذلك تشكيل حكومة مؤقتة من شأنها إعادة توحيد الإدارتين وتأخذ البلاد إلى انتخابات لاختيار حكومة واحدة. لكن الأمم المتحدة ومعظم الجهات الخارجية الأخرى عارضت الاتفاق وقتها، وأصرت على إجراء انتخابات قبل تشكيل حكومة جديدة.
وقالت كبيرة محللي شؤون ليبيا في مجموعة الأزمات الدولية كلوديا غازيني معلقة على المقترح "إذا حصلت على الدعم الكافي، فقد تكون الخطة خطوة مهمة نحو رأب الصدع الذي وضع ليبيا تحت إدارة منقسمة بين سلطتين منفصلتين". وأضافت غازيني أن "الخطة تبدو الطريقة الواعدة لإعادة توحيد البلاد، بالنظر إلى التحديات التي لا يمكن التغلب عليها المتمثلة في إجراء الانتخابات، بينما تظل البلاد منقسمة بين حكومتين متنافستين".
لكن يجب قبل ذلك، حسب محللين، التغلب على خلافات بشأن من ينبغي أن يقود جهود إعادة التوحيد: المجالس المتنافسة، أو الجهات السياسية الفاعلة الرئيسية على الأرض، أو الأمم المتحدة. ويقول مراقبون إن العقبة الأكبر أمام هذه الخطة هي أن الدبيبة، الذي يتشبث حتى الآن برئاسة الحكومة المنتهية ولايتها في طرابلس، يقاوم أي جهود لإطاحته دون إجراء انتخابات.
ورأت الخبيرة في شؤون ليبيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في كلية دفاع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في روما سيلفيا كولومبو أن هناك تقاربا متزايدا، داخليا وخارجيا، بشأن تشكيل حكومة مؤقتة قبل إجراء الانتخابات. لكن هذا في حد ذاته ليس ضمانا بأن هذه الحكومة سوف ترى النور. وأضافت كولومبو "إذا حدث ذلك، فقد يكون خطوة إلى الأمام مقارنة بالجمود السياسي الذي تعاني منه ليبيا منذ عامين تقريبا".
وتحتاج الخطة إلى دعم دولي. وفي كلمته أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الثاني والعشرين من أغسطس، قال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا عبدالله باتيلي إن "تشكيل حكومة موحدة، يتفق عليها اللاعبون الرئيسيون، أمر ضروري لقيادة البلاد إلى الانتخابات". لكن في بيان آخر له اعتبر مسألة إنشاء حكومة موحدة لقيادة البلاد إلى الانتخابات وإغلاق صفحة الحكومات المؤقتة لا تزال مثيرة للجدل.
وقال مدير شمال أفريقيا لمجموعة الأزمات الدولية ريكاردو فابياني إن بيان باتيلي كان "تلميحا للفكرة" (لتشكيل حكومة مؤقتة أولا) "ولكن ليس تأييدا كاملا". وأضاف أن اشتباكات أغسطس في طرابلس، والفيضانات التي أودت بحياة الآلاف في درنة الشهر الماضي، كلها عوامل تقوّض احتمالات تشكيل حكومة مؤقتة قبل الانتخابات.
وكانت البعثة الأممية إلى ليبيا قد أعلنت الأسبوع الماضي عن وجود 4 قضايا خلافية بين القادة السياسيين حول قانون الانتخابات، داعية إلى ضرورة الدخول في حوار لحلّها ومعالجتها من أجل وضع حدّ للمراحل الانتقالية والسير بالبلاد نحو الانتخابات.