شؤون العرب والخليج
الداخلية العراقية تقاوم ظاهرة انتشار تعاطي المخدرات بين منتسبيها
يؤشر فحص مخبري تجريه وزارة الداخلية العراقية لعدد كبير من منتسبيها على وجود خطر حقيقي من إمكانية انتشار تعاطي المخدّرات على نطاق واسع بين الضباط والجنود، خصوصا وأنّ تعاطي المؤثّرات العقلية والمواد المخدّرة يعرف ارتفاعا ملحوظا في البلد رغم الجهود الكبيرة المبذولة لمواجهة الظاهرة والحدّ منها. وأعلنت الوزارة مؤخّرا عن شمول الفحص لنحو ثلاثين ألف منتسب بينهم عدد من الضباط، وذلك في مواصلة لحملة كانت قد انطلقت منذ أبريل الماضي.
ويحمل انتشار تعاطي المخدّرات في صفوف القوات المسلّحة العراقية خطرا استثنائيا للبلد الذي تتربّص به تهديدات أمنية استثنائية رغم حالة الاستقرار التي يمرّ بها وتراجع وتيرة العنف فيه بشكل ملحوظ منذ حسمه الحرب ضدّ تنظيم داعش قبل نحو ستّ سنوات.
ولدى العراقيين تجربة مريرة مع فساد بعض القيادات الأمنية والعسكرية، حيث يعتبر كثير منهم أنّ حالة التراجع في قدرات القوات المسلّحة والتي وصلت حدّ انهيارها سنة 2014 أمام زحف بضع مئات من مسلّحي تنظيم داعش، إنّما تعود إلى ظاهرة الرشوة التي تغلغلت في صفوفها على نطاق واسع وجعلت الانتماء إليها غير خاضع للمعايير المهنية بقدر خضوعه لاعتبارات المجاملة والمحسوبية.
ويذكّر هؤلاء بظاهرة “الفضائيين” وهو تعبير شعبي يحيل على ما يصل إلى خمسين ألف فرد كانوا ينتمون إلى القوات المسلّحة العراقية بشكل صوري ولمجرّد الحصول على الرواتب دون أدنى مشاركة فعلية في الخدمة ضمن تلك القوات.
وتقول السلطات العراقية إنّ نتائج الفحوصات المفاجئة التي تجريها للجنود والضباط تكشف عن أعداد قليلة من مستهلكي المواد المخدّرة ضمن منتسبي وزارة الداخلية، غير أنّ شهادات الكثير من العراقيين بمن في ذلك عوائل بعض المنتسبين تؤكّد انتشار الظاهرة على نطاق أوسع مما هو معلن بشكل رسمي.
ويحيل هؤلاء على ما يتم رصده بشكل شبه يومي من سلوكات غير اعتيادية يؤتيها بعض منتسبي القوات الأمنية أثناء قيامهم بمهامهم الرسمية والتي تدلّ على أنهم من مدمني المخدّرات فعلا. ويعزو البعض ذلك إلى حرص السلطات على الحفاظ على سمعة الأجهزة الأمنية ومعنويات أفرادها. ويذهب البعض الآخر إلى اعتبار أن ما يجري من فحوصات يظل محدودا وغير قادر على اكتشاف جميع متعاطي المخدّرات من منتسبي تلك الأجهزة.
وقالت وزارة الداخلية العراقية إنّ عدد متعاطي المواد المخدّرة ضمن الثلاثين ألف فرد الذين أخضعوا للفحص مؤخرا ضئيل ولا يرقى إلى ما يتم الإعلان عنه في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وكانت بعض التقديرات الرائجة في وسائل الإعلام قد وصلت حدّ القول إنّ واحدا من كل ثلاثة أفراد من القوات العراقية يتعاطى نوعا من أنواع المواد المخدّرة.
ويعزو أصحاب تلك التقديرات الأمر إلى صعوبة المهام التي تقوم بها الأجهزة الأمنية العراقية وإلى طول ساعات العمل، خصوصا في الظروف الاستثنائية التي كثيرا ما يمر بها العراق، فضلا عن تعرّض أفراد الجيش والشرطة لمخاطر حقيقية بشكل يومي.
ويقول أخصائيون اجتماعيون إنّ أفراد القوات العراقية معرّضون بالفعل لضغوط نفسية حادّة بسبب تعقيدات الوضع الأمني في البلاد والتي تجعلهم في حالة استنفار وشد عصبي دائم، ما يفسّر إقبال أعداد منهم على تعاطي الخمور وتناول الأدوية المهدئة، وصولا إلى لجوء بعضهم إلى المواد المخدّرة.
وفي تحقيق ميداني أجرته في وقت سابق صحيفة نيويورك تايمز أقّر ضباط وجنود عراقيون، تحفظت الصحيفة على ذكر أسمائهم، بتعاطي المخدرات والخمر أثناء الخدمة مرجعين ذلك إلى ساعات العمل الطويلة عند نقاط التفتيش والخوف المستمر ومعاينة الوفيات المروعة لزملائهم.
ونقلت عن ضابط في الشرطة قوله إن “الحبوب المخدرة تجعلك أكثر راحة واسترخاء وتساعدك على نسيان الجوع وتجعل التعامل مع الناس أيسر، كما أنها تزيد جرأة متعاطيها في لحظات مواجهة الموت". إلى ذلك يتأثّر عناصر الجيش والشرطة في العراق بمحيطهم الاجتماعي الذي يشهد انتشارا غير مسبوق لآفة المخدّرات التي تعرف تجارتها ازدهارا غير مسبوق.
واستدعت خطورة الموقف المتعلّق بتسرّب استهلاك المواد المخدّرة إلى صفوف القوات العراقية إنشاء لجنة متخصصة بفحص المخدرات في وزارة الداخلية يرأسها العميد محمد عدنان عبدالله "مهمتها فحص ضباط ومنتسبي الوزارة فحصا شاملا للجميع، ابتداء من آمر القاطع أو مدير الدائرة إلى أصغر منتسب".
وقال رئيس اللجنة إنّ "آلية الفحص تكون شاملة ومفاجئة من دون سابق إنذار سواء في المرور أو النجدة أو الشرطة الاتحادية". وبشأن حملة الفحوصات الأخيرة شرح العميد محمد عدنان في تصريحات لموقع رووداو الإخباري أنّ أغلب حالات التعاطي التي تمّ كشفها تتعلّق بـ"تعاطي أدوية بشكل خاطئ مثل حبوب الفاليوم".
وفي إجراء لتشجيع منتسبي الداخلية العراقية على الإقلاع عن تعاطي المخدرات والتعافي من إدمانها ذكر أنّ “هناك عفوا من وزير الداخلية على من يسلّم نفسه حيث لا تتم محاسبته”، مضيفا قوله “فتحنا مركزا للعلاج النفسي في شارع القناة (ببغداد) للتأهيل الاجتماعي الذي يضم كادرا طبيا متخصصا لمعالجة المنتسبين المتعاطين للمخدرات والذين يسلمون أنفسهم ويخضعون للعلاج".
ويقع العراق بين ساحتين يعرف أنّهما من أكبر مصادر المواد المخدّرة في الشرق الأوسط، وهما سوريا التي تعرف حالة استثنائية من عدم الاستقرار جعلتها موطنا لنشاط شبكات واسعة لتهريب المخدرات والمتاجرة بها، وإيران المعروفة بكونها من أكبر ممرات المخدّرات المنتجة في أفغانستان فضلا عن ازدهار صناعة الأقراص المخدّرة على أراضيها، والتي تنتهي كميات كبيرة منها بين أيدي المستهلين في العراق.