شؤون العرب والخليج
المعارضة المصرية تتهرب من مأزق الانتخابات
تفضل الحركة المدنية الديمقراطية التي تمثل المعارضة في مصر الهروب إلى الأمام من مأزقها الراهن بشأن عدم قدرتها على تحديد موقفها من الانتخابات الرئاسية المقبلة، بمجاراة الحالة السياسية تجاه التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، ووجدت الحركة في حالة الحشد الشعبوي فرصة للتغطية على الخلافات التي نشبت بين أحزابها جرّاء التعامل مع الملف الرئاسي برمته.
وفشل اجتماع للحركة المدنية عقد مساء الثلاثاء في الخروج بقرار موحد بشأن دعم المرشح الرئاسي فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وأحد مؤسسي الحركة.
ونظم أعضاء الحركة وقفة احتجاجية أمام مقر السفارة البريطانية بعد توارد الأنباء أثناء اجتماعها عن القصف الإسرائيلي على المستشفى المعمداني بغزة.
وطالبت بطرد السفيرة الإسرائيلية من القاهرة واستدعاء السفير المصري في تل أبيب، ووعدت بتنظيم تجمعات سلمية الأيام المقبلة لرفض ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.
وكشف محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية (معارض) أن الاتجاه العام داخل الحركة يذهب نحو تفضيل الحياد وعدم دعم مرشح بعينه، مع ترك الحرية لكل حزب لاتخاذ ما يراه مناسبا بشأن الانتخابات بالمشاركة أو المقاطعة، وأن الأحزاب تطرقت إلى ردة الفعل الشعبية حال اتخاذ هذا الموقف وصورة الحركة أمام الرأي العام.
وأشار السادات في تصريح لـ”العرب” إلى أن موقف حزبه المعلن خلال الاجتماع هو المشاركة في الانتخابات، وإنهاء حالة السلبية السياسية المسيطرة على الأحزاب طيلة السنوات الماضية وأن يتم منح الفرصة للمرشح فريد زهران للتعبير عن نفسه.
وشدد على أن الأحزاب طرحت مسألة عدم تقديم ضمانات للعملية الانتخابية ودللت على ذلك بالصعوبات التي واجهها المرشحان أحمد طنطاوي وجميلة إسماعيل، وكان محل توافق نسبي، لكن الاختلاف انصب على اتخاذ موقف نهائي من الانتخابات.
ويرى مراقبون أن المعارضة المصرية كان يمكنها أن تحقق مكاسب أكبر بعد إتاحة مساحة سياسية لها لم تكن موجودة في السنوات الماضية، وتأخرها الدائم في اتخاذ مواقف سياسية جعلها في موقف حرج أمام قطاعات من المصريين عولوا عليها كبديل مدني، وتعاملها مع ملفي الحوار الوطني وانتخابات الرئاسة برهن على أنها بحاجة إلى إعادة هيكلة وصياغة أهدافها بطريقة صحيحة.
وكانت الحركة لديها مبررات بشأن عدم اتخاذ موقف حاسم من الانتخابات، وقالت إن وجود ثلاثة مرشحين محتملين وهم الرئيس السابق لحزب تيار الكرامة أحمد الطنطاوي، ورئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، بجانب زهران، يدفع إلى انتظار ما سوف تسفر عنه مسألة القدرة على استيفاء شروط الترشح.
وبعد أن وجدت الحركة نفسها أمام مرشح وحيد يمثلها (زهران) عادت الخلافات لتدب فيها ما يشي بصعوبة استمرارها على شكلها الحالي، لأن ذلك يعد عدم قناعة بتوجهاتها في العمل السياسي ما يحمل إشارة سلبية إلى لعدم قناعة المصريين بجدوى المعارضة.
وطالبت حملة المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية زهران قوى المعارضة بمساندة مرشحها، مؤكدة في بيان لها أن “هناك الكثير يمكن أن نقوم به معًا في هذه المعركة الرئاسية التي نراها خطوة مهمة وفارقة في معركة التحول الديمقراطي”.
وقال المتحدث باسم الحركة المدنية خالد داوود إن موقف الحركة بشأن انتخابات الرئاسة كان محل نقاش في اجتماع الثلاثاء، من زاوية عدم توفر الضمانات المطلوبة للمشاركة والتطرق إلى الصعوبات التي واجهت مرشحي المعارضة أثناء تحرير التوكيلات الخاصة بهم، لكن كان القرار النهائي هو مواصلة الاتصالات داخلها الأيام المقبلة للاستقرار على ما إذا كان هناك مرشح للحركة أو اتخاذ مواقف أخرى.
واعتبر داوود في تصريح لـ”العرب” أن تطورات الأوضاع في غزة أحد الأسباب التي قادت إلى عدم الاستغراق في النقاشات بشأن الموقف من الانتخابات، وأن الاجتماع ناقش التحركات التي يمكن القيام بها لمجاراة التصعيد الحاصل، والأولوية بالنسبة إلى الحركة المدنية تتعلق بما سوف تسفر عنه الحرب التي قد تهدد الأمن
القومي المصري.
ولدى المعارضة قدر من الواقعية تجاه ما ذهبت إليه مع تراجع الحديث عن الانتخابات بوجه عام في مصر، وتعليق الحملات الانتخابية للرئيس عبدالفتاح السيسي وزهران لمدة ثلاثة أيام، ما يبرهن على جمود الحراك على مستوى ملف الانتخابات.
وأكد رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي النائب إيهاب منصور أن ملف دعم زهران أو إسماعيل كان مطروحا بقوة داخل الحركة قبل انسحاب الأخيرة، والاتجاه كان يسير نحو الذهاب باتجاه دعم من يستطيع تحقيق شروط الترشح، على أن تنحي الحركة المدنية مواقفها المتباينة، وهو ما جرى التطرق إليه في الاجتماع الأخير دون اتفاق حوله، في وقت أجمع المشاركون على أن يكون الاهتمام الرئيسي بما يجري في غزة.
وأوضح منصور في تصريح لـ”العرب” أن إعادة المشاورات بشأن موقف الحركة المدنية من دعم زهران من المقرر أن تبدأ مرة أخرى الأسبوع المقبل، مع استئناف أعمال الحملة الرئاسية، والأمر قابل للتأجيل مرة أخرى، ويتوقف ذلك على طبيعة ما يدور في غزة، وأن تأخر الحركة في حسم موقفها يعود إلى حالة الارتباك التي تعانيها، إذ أصبحت أمام مرشح واحد محسوب عليها بعد أن كان هناك ثلاثة.
ويسهم صعود أو خفوت الحديث عن الانتخابات الرئاسية بمصر في تشكيل رؤية سياسية جامعة لدى قوى المعارضة، وهناك قناعة بأن البلاد في طريقها نحو انتخابات في ديسمبر المقبل، وبالتالي فإن تزايد الاهتمام بالسباق سوف يكون متزايداً عاجلاً أم آجلاً، ما يجعلها أمام حتمية الإعلان عن موقفها بوضوح وإقناع الرأي العام به.
ومهما كان الفرار من الانتخابات إلى الحرب الدائرة على قطاع غزة مثيرا سياسيا، فإن الأولى تمثل استحقاقا مهما أيضا من الضروري عدم تجاهله، حتى لو كان الرئيس السيسي قد عادت إليه شعبيته في الشارع، وضمن كسب المعركة الانتخابية.