شؤون العرب والخليج
سيطرة قوات الدعم السريع على نيالا تضعف موقف الجيش في مفاوضات جدة
قبل ساعات قليلة من بدء المحادثات السودانية في جدة أصدرت قوات الدعم السريع بيانا أعلنت فيه سيطرتها على مقر قيادة الجيش بمدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور، وكبدت جنود الفرقة 16 خسائر فادحة في الأرواح بلغت نحو ألفي قتيل، وتدمير آليات عسكرية ضخمة، والاستيلاء على كل العتاد العسكري، وهو ما اعتبرته “كسرا لشوكة ميليشيا (قائد الجيش السوداني عبدالفتاح) البرهان وفلول المؤتمر الوطني الإرهابي”.
وتضعف سيطرة الدعم السريع على هذه المدينة في جنوب دارفور، وهي الولاية الثانية في الترتيب بعد الخرطوم، موقف الجيش في مفاوضات جدة وعلى أرض الواقع، نظرا إلى أهمية نيالا إستراتيجيًّا، خاصة عقب تمدد قوات الدعم السريع في أماكن واسعة ضمن ولايات كردفان والجزيرة والنيل الأبيض ونهر النيل.
ويرى مراقبون أن تداعيات الحرب على غزة ستمثل ضغطا على موقف الجيش السوداني؛ إذ سيكون انشغال أهم دولتين يعول عليهما الجيش في دعمه عسكريا، هما تركيا وإيران، بهذه الحرب على حساب مساندة الجيش.
وستلقي التطورات الميدانية بظلالها على محادثات جدة، لأن قوات الدعم السريع دخلتها ومعها مكاسب عسكرية غنمتها أخيرا، ما يمكّنها من إسماع الطرف الآخر كلمتها السياسية خلال المفاوضات، أو على الأقل عدم الرضوخ لمطالب الجيش، وإظهار ممانعة شديدة تجاه الضغوط التي قد تمارس عليها. وحثت السعودية كلا من الجيش والدعم السريع على وقف القتال واستئناف ما تم الاتفاق عليه في إعلان جدة و”الالتزام بحماية المدنيين في السودان”.
وقالت وزارة الخارجية السعودية الخميس إن المملكة “تؤكد حرصها على وحدة الصف وأهمية تغليب الحكمة ووقف الصراع لحقن الدماء ورفع المعاناة عن الشعب السوداني”، وتأمل “التوصل إلى اتفاق سياسي يتحقق بموجبه الأمن والاستقرار والازدهار للسودان وشعبه الشقيق”.
ولم تنجح حتى الآن كل محاولات الوساطة، بما فيها الأميركية – السعودية، في إحراز أي تقدم على طريق وقف الحرب، وأقصى ما توصلت إليه هو فترات قصيرة من وقف إطلاق النار.
وأوضح عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير اللواء كمال إسماعيل أن “المفاوضات من الطبيعي أن تستمر في ظل الحرب، لأنها لم تتوصل بعد إلى وقف إطلاق النار، لكنها تسعى من أجله كخطوة أساسية لها أولوية، وسيطرة الدعم السريع علي الفرقة 16 في نيالا سيتم إدراجها ضمن الموقف العام لقوات الطرفين”.
وأضاف لـ”العرب” أن “تفوق أحد الطرفين المتصارعين أمر تحدده النتائج النهائية، وهذا النوع من المعارك يطول بسبب التعقيدات على الأرض والتدخلات الخفية والمعلنة”.
وانهارت جولة المفاوضات السابقة في يونيو الماضي بعد انسحاب وفد الجيش من المحادثات، احتجاجا على ما وصفه بـ”رفض الدعم السريع إخراج قواتها من المنازل السكنية والمؤسسات الحكومية العامة”، في حين اتهمت قوات الدعم السريع الجيش بالسعي إلى محاولة إفشال منبر جدة وتغليب الحل العسكري.
وذكر المحلل السياسي السوداني محمد تورشين أن التصعيد الميداني يرتبط ببدء محادثات جدة، وأن كل طرف سيكون حريصًا على تحسين موقفه الميداني كي يستطيع جني مكاسب كبيرة مع وجود تباين في الأجندة التفاوضية لدى كل طرف.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “الجيش يسعى للتطرق إلى الملفات الإنسانية والأمنية والعسكرية، وتقرّ قوات الدعم السريع بضرورة مناقشة الملف السياسي والعودة إلى إعلان المبادئ ومناقشة مدى الالتزام به باعتبار أن الخلاف حوله تسبب في إيقاف المباحثات، وكل طرف يحمّل الطرف الآخر مسؤولية الإخفاقات التي قادت إلى الحرب”.
ولفت تورشين إلى أن قوات الدعم السريع، رغم أنها حققت انتشارا أوسع في الخرطوم، لم تحقق أهدافها العسكرية كاملة، مثل السيطرة على سلاح المدرعات والقيادة العامة، ومن المتوقع أن تذهب إلى إقليم دارفور وتحديدا غرب دارفور بما لها من حضور وسيطرة واسعة هناك بعد سيطرتها على المنطقة العسكرية، ثم الاتجاه إلى شمال دارفور عبر الفاشر، وأخيرا الاتجاه جنوبا إلى نيالا.
وقبل تعليق المباحثات السابقة في جدة ازدادت خيبة أمل الوسطاء بسبب إحجام الجانبين عن محاولة التوصل إلى هدنة مستدامة.
ورأى خبراء أن البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) اختارا بدلا من ذلك حرب الاستنزاف، على أمل انتزاع تنازلات أكبر على طاولة التفاوض فيما بعد.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي ساعد في الوساطة في بداية الأزمة، قد وضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل المفاوضات خلال زيارته إلى السعودية مؤخرا لبحث قضية الحرب بين إسرائيل وحماس.
وقال مسؤولون أميركيون معنيون بأزمة السودان إن المفاوضات، وهي الأولى منذ انهيار الجهود الدبلوماسية لإنهاء القتال في يونيو، هدفها التوصل إلى وقف إطلاق النار، لكن من السابق لأوانه مناقشة حل سياسي دائم.
وأشار مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، طلب عدم كشف هويته، الأربعاء إلى أن “الجولة الجديدة ستركز على ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق وتحقيق وقف لإطلاق النار وإجراءات أخرى لبناء الثقة”.
وترى خلود خير، مؤسّسة مركز “كونفلوانس أدفايزوري” البحثي في الخرطوم، أن طرفي النزاع لم يكتفيا من الحرب بعد.
وكتبت الخميس على منصة إكس أن قرار إحياء المحادثات يستند إلى افتراض أن الجيش وقوات الدعم السريع “اكتفيا من القتال بسبب الانهيار الوشيك للدولة والمعاناة والبؤس”.
من جهتها قالت أميرة عبدالحليم، خبيرة الشؤون الأفريقية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة، إنّ طرفي النزاع “أصابهما الإنهاك”.
وأضافت “لذلك شرعا في البحث عن أفق للخروج من مأزق الصراع ووافقا على الانخراط في المفاوضات مرة أخرى”.
لكنّها قالت أيضا إنّ “الوصول إلى حل يرتبط بقدرة الأطراف الإقليمية والولايات المتحدة على ممارسة ضغوط حقيقية لوقف إطلاق النار”، مشيرة إلى أنّ ذلك مرتبط بما إذا كانت لدى الأطراف الخارجية “رغبة في تسوية الصراع والحد من الخسائر البشرية”.