شؤون العرب والخليج
قسوة العقوبات تخنق عمليات الشحن البحري في سوريا
أعلن عملاق الشحن الدنماركي ميرسك الثلاثاء أنه لن يقدم خدمات شحن بعد الآن من أي وجهة في سوريا أو إليها اعتبارا من الأول من ديسمبر المقبل، في دليل على قسوة العقوبات الأميركية المسلطة على دمشق.
وذكرت الشركة في بيان نشرته على منصتها الإلكترونية أن عملياتها في سوريا محدودة بالفعل بسبب العقوبات الدولية المفروضة على البلاد.
وقالت "نظرا لكون سوريا دولة تخضع لعقوبات شديدة، فقد كان النشاط التجاري مقيدا للغاية بالفعل، ولذلك أجرت شركة ميرسك عمليات محدودة في سوريا مع الالتزام الكامل بالعقوبات الدولية".
وأضافت "أصبح هذا الأمر أكثر صعوبة حتى من الناحية اللوجستية في الآونة الأخيرة، وبالتالي اتخذنا قرارا بوقف عملياتنا تماما".
ومنذ اندلاع الحرب في سوريا خلال 2011، تراجعت أعداد السفن التي تتردد على موانئ البضائع السورية مع إحجام شركات النقل البحري بسبب مخاطر الحرب والعقوبات المفروضة على البلاد.
وفرض تباطؤ وصول شحنات المواد الغذائية وغيرها من السلع الضرورية ضغوطا على حكومة الرئيس بشار الأسد، التي واجهت صعوبات في إبقاء خطوط الإمدادات التجارية مفتوحة.
ورغم الضائقة المالية وتضاؤل هوامش تحرك الحكومة السورية خاصة بعد قانون “قيصر” الأميركي، الذي زاد من تكبيل الاقتصاد فضلا عن أزمة كورونا، إلا أنها كافحت خلال السنوات الأربع الأخيرة لتقديم الكثير من التسهيلات في حدود إمكانياتها.
ومع ذلك، أخفقت دمشق في الحصول على احتياجاتها من السلع الإستراتيجية مثل القمح والسكر والأرز من خلال المناقصات الدولية بسبب تداعيات الحرب الأهلية وما اقترن بها من أزمة مالية فيما بعد.
وتفاقم الوضع خلال الأزمة الصحية حينما أجبر الوباء الحكومات على إغلاق اقتصادات دولها، لتأتي تداعيات الحرب في شرق أوروبا لتعقيد عمليات الشحن أكثر بسبب التكاليف ما تسبب في إرهاق سوريا بأعباء إضافية لم تتحملها.
واضطر تجار سوريون إلى شحن بضائعهم عبر ميناء العقبة الأردني، بدلا من ميناء اللاذقية بسبب انخفاض وقت الانتظار والكلفة ولتجنب التدقيق الصارم والتأخير اللذين يتعرضون لهما عند قيامهم بالاستيراد عبر خطوط الشحن المباشرة بسبب عقوبات “قيصر”.
وتقول مصادر مطلعة في صناعة الشحن إن حجم عمليات النقل البحري تأثر سلبا على الرغم من أن الموانئ السورية المطلة على المتوسط كانت مفتوحة وجاهزة للعمل، ولم تتأثر كثيرا بالحرب الأهلية.
وسبق أن نقلت وكالة رويترز عن آلان فريزر، الخبير في شركة أي.كي.آي للخدمات الأمنية، قوله إن “الأسد يحظى بدعم من حلفائه مثل روسيا ومازال النظام صامدا. وفي الوقت نفسه فإن للصراع آثاره على خطوط الإمداد التي تشمل كل شيء من السلع والبضائع”.
وأضاف “هم يواجهون صعوبات على صعيد النقل البحري ولهذا السبب حاولوا إبقاء الطرق البرية مفتوحة”.
وتوضح بيانات متابعة السفن من شركة ويندوارد لتحليلات المعلومات البحرية أن عدد سفن البضائع الصب والحاويات البضائع العامة التي تتردد على ميناءي طرطوس واللاذقية انخفض بشكل كبير.
وتشير البيانات إلى أن الكثير من السفن التي تتردد على موانئ سوريا من أقدم سفن الأسطول العالمي، حيث يبلغ متوسط أعمارها 28 عاما، وتقول مصادر إن هذا يعكس حذر شركات النقل البحري الكبرى من إرسال سفن حديثة.
ويؤكد أصحاب السفن وخاصة في أوروبا أن سوريا مازالت لا تستحق هذا العناء في نظر الكثير من شركات الشحن، حيث عليهم أن يأخذوا المخاطر الكبيرة المحتملة في الحسبان.
وقلصت شركات كثيرة أنشطتها منذ 2013 بما في ذلك ميرسك، التي تتيح خدمة أسبوعية لنقل الحاويات من سفن أكبر في مراكز أخرى مثل مصر ولبنان، وذلك عن طريق وحدة تابعة لها بعد أن أوقفت الزيارات المباشرة من جانب سفنها لأنها لم تعد مربحة.
وتوقفت شركة إنترناشونال كونتينر ترمينال سيرفيسز الفلبينية في عام 2013 عن تشغيل ميناء طرطوس للحاويات بسبب الحرب.
ولكن سفن شحن سي.أم.أي – سي.جي.أم الفرنسية، ثالث أكبر شركة للحاويات في العالم، وهي جزء من اتحاد شركات يدير مرفأ اللاذقية مازالت تتردد على اللاذقية وطرطوس.
وفي أبريل الماضي، قال مدير عام شركة التوكيلات الملاحية عادل غزال إن "عدد السفن الحالي يشير إلى تراجع حركة النقل بنسبة 70 إلى 80 في المئة منذ بداية الحرب السورية".
وذكر في تصريحات أوردتها وسائل إعلام محلية في ذلك الوقت أن قطاع النقل البحري تأثر بشكل كبير والتوكيلات الملاحية جزء من القطاع.
وأوضح غزال أن عدد السفن كان يتجاوز 200 سفينة خلال شهر، في حين لم يتجاوز 159 سفينة في القطاع الخاص خلال ثلاثة أشهر، ما يشير إلى تأثر الحركة بالحصار بشكل واضح.
وتعطل سلاسل الإنتاج والتجارة بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والقيود الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلا عن هروب رؤوس الأموال إلى الخارج وهجرة السكان.
وتظهر بعض التقديرات أن الصادرات السورية انخفضت جراء الحرب من نحو 8.7 مليار دولار في عام 2010 إلى نحو 700 مليون دولار في 2018.
وكانت الصادرات السورية تتضمن بحسب الأمم المتحدة، السلع الغذائية والوقود والسلع الكيميائية والمعدات والنقل والسلع المصنعّة.
أما الواردات فتتضمن المواد المعدنية والآلات والأجهزة الكيمياوية واللدائن الصناعية والوقود ووسائل النقل والأغذية.