شؤون العرب والخليج
هاجس غذاء التونسيين يفرض تحديث أساليب مقاومة الجفاف
تطرح التغيرات المناخية تساؤلات حول طرق مواجهتها في تونس ومدى قدرة الحكومة على توفير الآليات والخطط اللازمة لذلك، في ظل تفاقم أزمة الجفاف والارتفاع الكبير في درجات الحرارة والتغيرات القائمة في طبيعة الفصول.
وبدأت تداعيات تغير المناخ في التأثير بشكل مباشر على الزراعة وتوفر الغذاء والمياه ما يهدد الأمن الغذائي في البلد.
وأثر تراجع الأمطار وعدم انتظامها خلال الفترة الماضية سلبا على المحاصيل الزراعية، إذ أشارت التقديرات إلى انخفاض مستويات محاصيل الحبوب بنسبة 60 في المئة عن مستوياتها المعتادة، وفق بيانات وزارة الفلاحة.
وبحسب الوزارة، فقد تم جمع 2.7 مليون قنطار من الحبوب فقط في موسم 2022، مقابل 7.5 مليون قنطار في الموسم السابق، و15 مليونا في 2020.
ويرجح الخبراء أن تظهر الآثار السلبية للظاهرة بشكل أوسع وأسرع في السنوات القادمة، من خلال أزمة في الغذاء والزراعة.
وقال بيرم حمادة عضو مجلس نقابة المزارعين في تونس لرويترز إن “أزمة الجفاف وارتفاع الحرارة ونشوب الحرائق وندرة المياه تسببت في خفض المساحات المزروعة وتراجع المحاصيل، مما كبد المزارعين خسائر مالية كبيرة”.
وأوضح أن هناك تراجعا كبيرا تجاوز 50 في المئة في العديد من الزراعات بسبب شح المياه والتغيرات المناخية.
وأكد أن إنتاج القوارص (البرتقال بأنواعه) تراجع إلى 300 ألف طن هذا الموسم بعد أن كان يتجاوز في مواسم سابقة 500 ألف طن.
وأشار حمادة إلى أن بقية الزراعات مثل الزيتون، والذي يمثل أهم صادرات تونس، تواجه بدورها خطر التراجع الكبير وبالتالي زيادة عجز الميزان التجاري الغذائي للبلد الذي يعيش وضعا اقتصاديا حرجا.
ويتوقع المزارعون واتحاد الفلاحة حصادا هزيلا للحبوب هذا العام بسبب الشح الكبير في الأمطار.
ويواجه ما يقرب من 2.7 مليون أسرة نقصا في الخبز الذي يعتمد في الأساس على القمح الصلد واللين، وأمام نقص الإنتاج المحلي ليس من خيار أمام الدولة سوى زيادة واردات الحبوب من الخارج.
وبسبب الجفاف أيضا وندرة الأعشاب وغلاء الأعلاف، اضطر الكثير من المزارعين إلى التخلي عن الآلاف من الأبقار، مما خلف تراجعا كبيرا في إنتاج الحليب الذي اختفى من أغلب المتاجر.
وغذى ذلك مخاوف السكان الذين يعانون صعوبات في الحصول على سلع أخرى مثل السكر والزيت والزبدة والأرز.
ومع نقص مواردها المائية، تتعاظم الخشية في تونس من العطش هذا العام، ولجأت الحكومة الشهر الماضي إلى رفع أسعار الماء الصالح للشراب للبيوت والفنادق سعيا لترشيده.
وذكر حمادة أن الارتفاع في أسعار الفواكه والخضر في الأسواق أدى إلى نقص كبير في المعروض وارتفاع كلفة الإنتاج في ظل هذه الأزمة.
وقال “فوق كل ذلك معضلة السماسرة والوسطاء الذين يشترون إنتاج الفلاحين الصغار بأقل الأسعار، ليعيدوا بيعه في الأسواق بأسعار باهظة في وقت يُشعل فيه الغلاء جيوب التونسيين”.
وتظهر التوقعات المناخية بالبلاد انخفاضا في هطول الأمطار إلى 22 مليمترا بحلول عام 2050 وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة تسعة في المئة مقارنة بالمستويات الحالية، وسيبلغ 45 مليمترا في عام 2100 أي سينخفض 18 في المئة.
ويقول خبراء إن تونس رغم التزامها دوليا في مسألة تغير المناخ بما يتسق مع اتفاق باريس وبروتوكول كيوتو، لكن لم يتم الاهتمام بالقضية بالشكل المطلوب، ولم يتم إدراجها في السياسات الحكومية، أو عبر وضع إستراتيجية واضحة الأهداف للحد من تأثيراتها.
وبينما دعا خبراء إلى إعلان حالة الطوارئ المائية في البلاد بسبب الجفاف المستمر والتراجع المخيف لمنسوب السدود، شجعت الحكومة في ميزانية 2023 السكان على حفر مخرات السيول (الأودية الجافة) لتجميع مياه الأمطار.
وأوضح حكيم القبطني، المدير العام لمركز بحوث وتكنولوجيات المياه ببرج السدرية، أن شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين شهدا انخفاض هطول الأمطار بنسبة 95 في المئة مقارنة بالمعدلات العادية وفق دراسات محلية.
وقال إن “سبتمبر كان الشهر الأكثر جفافا منذ 53 عاما في تونس مما سبب جفافا شديدا وتأثيرات كبيرة على الزراعة”.
ولفت القبطني إلى أن الجفاف أثر أيضا على الجانب البيئي حيث تعيش بحيرة إشكل أكبر المحميات وتقع شمال البلاد كارثة بيئية تسببت في مغادرة الطيور المهاجرة.
ودعا إلى ضرورة دعم المزارعين ووقف الاعتداءات على الموارد المائية “بطرق عشوائية وغير قانونية حيث تفيد الأرقام الرسمية بأن 60 في المئة من الآبار غير قانونية”.
وشدد على ضرورة تغيير الخارطة الزراعية “والتكثيف من محطات معالجة المياه على كامل البلاد بالإضافة إلى تحلية مياه البحر التي تعتبر الحل الأفضل والوحيد في الوقت الراهن”.
وتؤكد وزارة الفلاحة أن تونس بصدد إعداد دراسات لبناء سدود ومحطات لتحلية مياه البحر في العديد من الولايات (المحافظات) ضمن المخطط التنموي الممتد من عام 2023 إلى 2025.
وقال عبدالرؤوف العجيمي رئيس ديوان وزير الفلاحة لرويترز إن “الوزارة تتبع إستراتيجية خاصة تحمي الموارد المائية وتطلق حملات توعية لمجابهة الشح المائي مع التوجه إلى موارد غير تقليدية كتحلية مياه البحر وزيادة الاستثمارات فيها”.