شؤون العرب والخليج
الحياد المغربي يعيد القوى الليبية المتناحرة إلى الصخيرات
أثار تزامن زيارة المبعوث الأممي في ليبيا عبدالله باتيلي إلى المغرب مع إعلان البعثة الأممية عن إرسال دعوات إلى قادة المؤسسات الرئيسية الليبية لتسمية ممثليها لاجتماع تحضيري يمهد لاجتماع القادة، تكهنات بشأن ترتيبات أممية لجمع القوى الليبية المتناحرة مرة أخرى في مدينة الصخيرات المغربية التي جرى فيها توقيع اتفاق سنة 2015 المعروف باتفاق الصخيرات.
ويريد المبعوث الأممي جمع الأطراف الليبية معًا حول طاولة واحدة بعيدا عن التدخلات السلبية للتأثير على المتحاورين وتعقيد فرص التوصل إلى تسوية، وهو ما يضمنه المغرب الذي حافظ على الحياد ولم ينخرط مثل غالبية القوى الإقليمية في دعم طرف على حساب آخر مثل الجزائر ومصر وبشكل أقل تونس.
ووجه باتيلي دعوة لاجتماع مباشر يضم “الخمسة الكبار” وهم: رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس البرلمان عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة وقائد الجيش المشير خليفة حفتر. وعكست تصريحات باتيلي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في الرباط رهانا أمميا على الصخيرات لإنجاح مبادرته الجديدة.
وأشاد المبعوث الأممي بالدور الذي يضطلع به المغرب لإنجاح الحوار الليبي، لاسيما التزام المملكة لفائدة إنجاح المسلسل الانتخابي في هذا البلد. وقال باتيلي “نحن ممتنون إزاء النتائج المتحصل عليها بفضل دعم المغرب، ونلتمس مواصلة المملكة مواكبة هذا المسار السياسي، ذلك أننا بصدد تفعيل القوانين المنظمة للانتخابات والاتفاقات ذات الصلة”.
ويبدو واضحا أن باتيلي انتبه إلى محدودية تأثير الوساطات والمشاورات المعلنة والسرية التي شهدتها عدة عواصم خلال الفترة الماضية، لذلك اختار العودة إلى المغرب. وقال خالد شيات الباحث المغربي في العلاقات الدولية إن “هناك إصرارا أمميا على لعب المغرب دور الوسيط في الأزمة الليبية، نابعا من مجموعة من الضمانات التي يقدمها في إنجاح الوساطة بين الأطراف”.
وأشار شيات في تصريح لـ”العرب” إلى أن “ثقة الأمم المتحدة والأطراف الليبية المتنازعة بالمغرب متأتية من نجاعة وساطته، حيث كانت هنالك نتائج واضحة لكل المسارات التي احتضنتها الرباط، سواء في الصخيرات سنة 2015 أو في بوزنيقة هذه السنة”. وفي يونيو الماضي نجح الفرقاء الليبيون في الاتفاق على القوانين الانتخابية خلال محادثات جمعتهم في مدينة بوزنيقة، قبل أن ينقلب عليها البرلمان ويقوم بطرح قوانين أخرى يعارضها مجلس الدولة.
ونوه شيات إلى أهمية الحياد المغربي في الملف الليبي حيث تقف الرباط على مسافة واحدة من جميع الأطراف وتقوم بفعل الوساطة باستحضار هذا المبدأ. وأضاف شيات أن “المغرب لا يسعى لتحصيل منافع ذاتية أو مصالح مباشرة فيما يتعلق بوساطته، بالطبع المنافع التي يمكن أن يجنيها هي أن تكون ليبيا مستقرة وقوية وبلد المؤسسات القوية الراسخة، وهو أمر مناسب للمملكة على مستوى التعاون الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي”.
وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إن “وثيقة بوزنيقة” حتى لو لم تكن مثالية فإنها “أحسن ما يمكن التوصل إليه لإجراء الاستحقاقات الانتخابية في ليبيا”. وكان بوريطة يشير خلال لقائه مع باتيلي إلى مخرجات لجنة 6+6 المشتركة بين مجلسَيْ النواب والدولة حول القوانين الانتخابية التي توصلت إليها اللجنة أثناء اجتماعات احتضنتها مدينة بوزنيقة المغربية في يونيو الماضي.
وأكد كذلك أن المغرب، الذي احتضن عدة اجتماعات للفرقاء الليبيين، يحرص على تقريب وجهات النظر بينهم دون التدخل في شؤونهم، مشددا على أن بلاده مستعدة لمواكبة الديناميكية التي يريد إطلاقها باتيلي لاستكمال الأرضية القانونية الموجودة بتوافقات سياسية مؤسساتية، والتي “ستجعلنا ندخل في مرحلة تنفيذ التوافقات والوصول إلى إجراء الانتخابات”.
وبحسب بوريطة تؤكد المملكة أن تسوية الأزمة الليبية لن تتأتى من الخارج، بل ينبغي أن تنبع من الليبيين أنفسهم، وهذا ما جعله يكسب مصداقية لدى الفرقاء الليبيين. وانتهى ناصر بوريطة إلى الإقرار بأن المملكة المغربية على استعداد لدعم ومواكبة باتيلي من أجل التقدم في المسار السياسي في ليبيا، معربًا عن أمله في أن تترجم كل الأفكار ذات الصلة إلى مبادرات، ثم توافقات وحلول تقود إلى إجراء انتخابات.