تقارير وتحليلات
هلاك إبراهيم رئيسي ضربة إستراتيجية كبيرة وغير قابلة للتعويض
يمثل هلاك رئيسي ” ضربة إستراتيجية كبيرة وغير قابلة للتعويض” لولاية خامنئي المتهرئة. وتظاهر خامنئي بكل دجل بأنه لم يحدث شيء وأن الوضع تحت السيطرة، لكنه اضطر بعد ذلك إلى وصف الأمر بأنه “خبر وحادث حزين”. والآن نعلم جميعًا أن كل تلك الأكاذيب والتأخير عن إعلان خبر هلاكه وتزييف الحقيقة كانت بغرض رفع المعنويات في صفوف قواته من جهة، ونشر القوات القمعية في الأماكن الحساسة من أجل السيطرة على البلاد واحتواء شرارات الانتفاضة من جهة أخرى.
واستخدم الولي الفقيه في النظام الرجعي لغة معكوسة ليقول لهيكل حكمه الخائف والقلق “لا یقلقن الشعب الإيراني ولا يشعرن بالاضطراب، إذ لن يبرز أي خلل في شؤون البلاد”، لكنه كان يعرف أفضل من غيره أنه ما هي الضربة القاتلة التي تلقاها!
بالنسبة لخامنئي، فإن إبراهيم رئيسي، بهذا السجل المخزي من الجرائم والمجازر، لم يكن شخصًا، بل كان ممثلًا لخط ما يسمى بـ “تطهير الصفوف” في الأدب الحكومي لنظامه. تطهير الصفوف هو سياسة التقليص والجراحة في نظام ولاية الفقيه، النظام الذي توصل تحت قيادة خامنئي إلى استنتاج مفاده أنه ومن أجل الوقوف في وجه الانتفاضات المتعاقبة للشعب الإيراني، يجب عليه وضع أشرس العناصر والسفاحين على رأس الأمور. وبهذه السياسة نصب خامنئي أشهر جلادي نظامه في منصب الرئاسة، وقد دفع ثمنًا باهظًا لهذا الغرض حيث اضطر إلى أن يزيل العديد من عناصره القديمة في شطرنج السلطة.
وكان رئيسي جزارًا يحمل ختم موافقة خميني على جبهته. وكان عضوًا في لجنة الموت لمجزرة 1988. وقد أظهر اختياره من بين عناصر أخرى أن خامنئي يريد الاستمرار في سياسة “إله الثمانينات” [اقرؤوا إله التعذيب والإعدام] ضد البديل الديمقراطي وقوته الملهمة (منظمة مجاهدي خلق الإيرانية).
ولولا وجود رئيسي، لما تمكن خامنئي من تنفيذ مشروع تحكيم أركان النظام على هذا النطاق. كان الولي الفقيه المتخلف في حاجة ماسة إلى رئيسي لتعزيز خط خلافته، وبالاعتماد عليه، أراد إجراء عملية نقل السلطة بعد موته دون مواجهة خطر الانتفاضة بل المطالبين بالأسهم.
والآن بعد أن سقط سفاح مجزرة1988 سيئ السمعة في أعماق نار الجحيم في موت مخز ومؤلم، باتت ظروف يعيشها خامنئي ملحوظة. وفي مقابلاتهم وتعليقاتهم، يقارن أتباع الولي الفقيه المتخلف حادث هلاك رئيسي بهلاك بهشتي ورجائي وباهنر. إن استخدام مثل هذه التفسيرات هو إشارة واضحة إلى الموقع الإستراتيجي الذي كان يحظى به رئيسي في النظام الذي يعيش حافة الموت ولا يملك القدرة والتحمل لإجراء عملية جراحية كبرى أخرى.
رئيسي، كان أفضل عنصر في جهاز السلطة لخامنئي وأقرب واحد له، حيث كان ورقته الرابحة وأداة الحفاظ على حكمه الجائر، فضلًا عن كونه همزة الوصل بروح خميني الشريرة وجرثومة الوحشية المنفلتة لنظام المجازر في مأساة صيف عام 1988، ولا يستطيع خامنئي أن ينتج شخصًا مثله بهذه السهولة ويجعله يطيع.
وكان خامنئي ورئيسي مرتبطين ارتباطًا وثيقًا ببعضهما البعض. كان خامنئي بحاجة إلى رئيسي من أجل الحفاظ على حكمه الآيل للسقوط، كما كان رئيسي يحتاج إلى خامنئي بسبب سجله الأسود. والموت المؤلم لرئيسي هو علامة على السقوط الحتمي لخامنئي. ورغم أن خامنئي وأجهزته الأمنية حاولوا استغلال تجربة موت خميني للسيطرة على الوضع، إلا أنه [وكما ورد في رسالة قائد المقاومة مسعود رجوي في 20مايو] هناك تم إنشاء “توازن وفصل جديد في نظام ولاية الفقيه”.
“إن آثار الضربة على مخ الولي الفقيه العاجز وقواته المفقودة معنوياتها، ثقيلة جدًا، وتهز أسس النظام وتستحضر المرحلة الأخيرة للشاه. وفي خضم أحداث غزة، يتعين على خامنئي أن يعيد بناء المنظومة التي رتبها منذ رئاسة سفاح مجزرة 1988 واستبدالها بعناصر آخرى و تسويتها. وبات الآن جهازه ممزقا من الداخل. ويمكن القول على وجه اليقين أن خامنئي هو الخاسر الإستراتيجي.”
إن “إعادة بناء واستبدال وتسوية” النظام في الوضع المتأزم الذي يعيشه وفي خضم هزيمة سياسة إثارة الحروب فضلًا عن الوضع المتفجر للمجتمع، هي مهمة محفوفة بالمخاطر وخطيرة. وإنه بمثابة تغيير الدفة وركاب السفينة في وسط بحر عاصف بأمواج هائلة!
ويعيش خامنئي من دون رئيسي حالة أكثر هشاشة مما كانت عليه في الأيام والأشهر السابقة. بل إنه يواجه مشكلة استبدال العناصر مثل حسين أميرعبداللهيان [وزير خارجية من طراز سليماني]، ناهيك عن استبدال جلاد كرئيسي من لا بديل له في الإجرام والخزي. وتمت مقارنة هذا الوضع بـ”المرحلة الأخيرة للشاه” في رسالة قائد المقاومة. في تلك المرحلة، لم يكن الشاه قادرًا على منع الثورة المناهضة للملكية من خلال تغيير رئيس الوزراء تباعًا، وبعبارة أخرى، لقد انتهى الأمر.
ويؤثر صراع الذئاب على الأسهم حدة التوتر والصراع على رأس الحكومة. نتيجة هذا الصراع على أرضية الشارع تخلق مجالًا أكبر وفرصة للاحتجاج والانتفاضة. وخامنئي ومن أجل مواجهة هزات الإسقاط، “إما عليه أن یتجرع السم ويتراجع، أو عليه كما هو الحال دائمًا أن يزيد من الانكماش والخنق وتطهير الصفوف والإرهاب وإثارة الحروب واللجوء إلى السلاح النووي، ويبدو أن رأس الأفعى سوف يفعل ذلك من أجل بقائه وهيمنته.”