تقارير وتحليلات
إيران .. ارتباك خامنئي بين التهديدات والتراجعات
في 30 يوليو 2024، تم تنصيب مسعود بزشکيان في مقر إقامة خامنئي (الولي الفقيه). في الساعة الثانية من صباح يوم 31 يوليو، اغتيل إسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحماس، في شمال طهران بقاعدة آمنة يحرسها فيلق القدس. وعزت مصادر حكومية عملية الاغتيال إلى متسللين. واعتبر هذا القتل هجوماً على حكومة لم تتشكل بعد. وعقب اغتيال هنية، بدأ المتشددون من الفصيل الفاشي داخل نظام خامنئي برفع أصواتهم غاضبين.
وقد تعهد خامنئي بالانتقام لمقتل هنية. ذكرت صحيفة “ستاره صبح” أن بعض الأشخاص يحرضون النظام على مهاجمة إسرائيل، مما أثار الذعر بين الجمهور. ومع ذلك، يبدو أن قادة النظام هم الذين يشعرون بالخوف.
وقالت صحيفة ستاره صبح إن البلاد لا تستطيع خوض الحرب لأن جيش خامنئي لم يكن مستعداً. وعادة ما تعرض وسائل الإعلام الحكومية وجهات نظر مجموعات معينة. وذكرت الصحيفة أن نظام خامنئي له تاريخ من الاغتيالات في أوروبا. بعد كل عملية اغتيال في فرنسا وألمانيا والنمسا، لم ترد الحكومات بعمل عسكري، ولكنها اختارت الدبلوماسية بدلاً من ذلك. وتعني الورقة الدبلوماسية أن القوى الأجنبية تجاهلت جرائم إيران من أجل تحقيق منافع اقتصادية.
لكن أكثر ما يخشاه خامنئي هو انتفاضة الشعب الإيراني ونشاطات شباب الانتفاضة في إيران الذي يتوسع، خاصة وأن حكومة خامنئي الجديدة، أي حكومة بزشكيان، لم تزد إلا على تعميق الخلافات داخل البلاد. وهذا ما قاله كل خبراء النظام، وهم يعتقدون أن هذه الحكومة غير قادرة على حل أزمات إيران. وكتب أحد خبراء النظام أنه إذا فشلت هذه الحكومة في حل مشاكل الشعب خلال أربعة أشهر، فسوف يخرج الناس إلى الشوارع في الأشهر الأربعة المقبلة.
تراجع تكتيكي ـ اهتزاز خامنئي بعد مقتل هنية
نصحت الصحيفة خامنئي بالتعلم من الآخرين واستخدام الدبلوماسية، قائلة: “هذا ليس وقت الحرب. ارحموا الناس ولا تجعلوا حياتهم أسوأ”. يبدو أن الخوف انتشر في جميع أنحاء النظام، ولم يعودوا يتحدثون عن انتقام قاس أو انتقام دموي.
وأدركوا أنهم إذا قاموا بخطوة خاطئة، فقد يفقدون أطرافهم ورؤوسهم، ويفتقر الولي الفقيه إلى الشجاعة لتنفيذ هذه التهديدات. وبعد اغتيال هنية، ولما رأى خامنئي أن سلطته السياسية وهالته قد تضاءلت، لجأ إلى عمليات الإعدام وقتل السجناء في محاولة لبث الخوف ومنع الاحتجاجات. وفي الواقع، انتقم خامنئي من الشعب الإيراني. و أعدم النظام الإيراني أكثر من 60 عملية إعدام خلال 9 أيام الاخيرة.
واقترحت ستاره صبح أن تتخلى إيران عن قواتها بالوكالة. وقال: “في عام 2016، ذكر حسن نصر الله، زعيم حزب الله، أن إيران تدعمنا. والآن، ينبغي على إيران أن تسمح لحزب الله، الذي مولته، بالانتقام لاغتيال الزعيم السياسي لحماس والتراجع عن الحرب. وبما أن حزب الله تم إنشاؤه بأموال وموارد إيرانية، فقد حان الوقت لهم للقتال ضد إسرائيل بدلا من إيران”.
وذكرت الصحيفة خامنئي بأن “الوضع رهيب. فكروا في أحداث الأسابيع والأشهر الماضية”. وأدرك خامنئي في نهاية المطاف مدى سوء الأمور، ولهذا السبب تدخل وتحدث عما يسمى ب “التراجع غير التكتيكي”، وهو تراجع سيكون له تداعيات.
وفي يوم الأربعاء 14 آب/أغسطس 2024، خاطب خامنئي مجموعة من الموالين له، متحدثا عن هذا “التراجع التكتيكي”، الذي يعني في الأساس أن الوضع خطير. وأقر بأن الحالة قد تدهورت بشدة واضطر إلى التراجع عن تصريحاته السابقة. وأقر بأنه اضطر إلى التنازل عن هيمنته لتجنب الانجرار إلى الحرب، لأن العواقب ستكون خطيرة للغاية.
مخاوف استراتيجية تظهر مع تعثر نظام خامنئي
بعد أسبوعين من الصمت، تحدث خامنئي أخيرا إلى مسؤوليه، يوم الأربعاء 14 أغسطس، وفي مواجهة موجة من الإحباط واليأس بين قواته بعد مقتل هنية، حاول خامنئي طمأنتهم. وحثهم على تجنب “التراجع غير التكتيكي”، خوفا واضحا من أن قواته آصابها الإحباط واليأس بعد تعرضها لضربات استراتيجية. من خلال اختيار كلماته بعناية، كان يهدف إلى رفع معنوياتهم.
وذكر الموقع الرسمي لخامنئي أنه تحدث عن استخدام الأعداء للحرب النفسية وتكتيكات الخوف في محاولة لجعل إيران تتراجع. وشدد على أهمية فهم نقاط القوة الإيرانية وعدم المبالغة في تقدير قوة العدو. وذكر أن الشهداء، من خلال تضحياتهم ونضالهم، قاوموا هذه الحرب النفسية وتغلبوا عليها. وشدد على أنه ينبغي تكريم هذه الحقيقة وتذكرها.
وأشار خامنئي إلى أن تضخیم قوة العدو جزء أساسي من الحرب النفسية ضد النظام. وحذرا من التراجع غير التكتيكي. ذكر الولي الفقيه أن هدف العدو في الحرب النفسية في الساحة العسكرية هو خلق الخوف وفرض التراجع. واستشهد بالقرآن، مشيرا إلى أن التراجع غير التكتيكي في أي مجال سواء كان عسكرياً، أو سياسياً، أو دعائياً، أو اقتصادياً من شأنه أن يثير الغضب الإلهي.
وأشار خامنئي إلى أن الشعور بالضعف والعزلة والاستسلام لمطالب العدو ناتج عن تضخیم قوة العدو في المجال السياسي. وقال إن الحكومات التي تستسلم لمطالب الظالمين، كبيرة كانت أم صغيرة، عليها أن تعتمد على شعوبها ومقدراتها، وأن تعترف بقوة العدو الحقيقية دون مبالغة، حتى لا تخضع لمطالبها.
وأصبح ارتباك خامنئي فيما يتعلق بالصراع الإقليمي واضحاً في هذا الخطاب. وتجنب التطرق إلى القضية الأساسية التي تواجه النظام كيفية الرد على اغتيال هنية. ولم يجرؤ الولي الفقيه حتى على ذكر ذلك. وبدلاً من ذلك، لجأ إلى لغة غامضة وتصريحات غامضة، في محاولة لطمأنه قواته بأن تقاعسها كان مجرد “تراجع تكتيكي”.
وحاول بهذه الكلمات أن يبعث برسالة إلى قادة الحرس وفيلق القدس المحبطين، وكذلك إلى مرتزقته، بأن هذا لم يكن تراجعاً استراتيجياً، وأنهم لم ينتهوا بعد. وهكذا، يواصل خامنئي، الذي أصبح مرتبكاً أكثر من أي وقت مضى، انتظار تطور الأحداث على أمل الهروب من المأزق القاتل الذي يجد نفسه فيه.