تقارير وتحليلات
إيران ..في ذکری الانتفاضة: البركان في الطريق
“لم تكن انتفاضة 2022 مجرد احتجاجات عابرة؛ بل كانت تعبيرًا عن تراكم عقود من الظلم والقمع والاستبداد”
مرّ عامان على انتفاضة 2022، حين كان النظام الإيراني غارقًا في الأزمات المستعصية، والمجتمع في حالة من الغليان والانفجار. قبل أربعة أيام من الانفجار الذي أشعلته شرارة مقتل جينا (مهسا) أميني، كتبت وسيلة إعلام حكومية: “الناس تحت الضغط. الناس متشائمون… لقد أثارتم غضبهم الذي يظهرونه في كلامهم وأفعالهم. إن كنتم لا تصدقون، امنحوا الناس يومًا واحدًا من الحرية لتروا ما سيفعلونه” (خبر فوري، 12 أيلول – سبتمبر 2022). كان هذا تعبيرًا عن عمق الشرخ بين النظام والشعب.
جذور انتفاضة 2022
كانت انتفاضة 2022 نتيجة لتحرك الفوالق الاجتماعية الضخمة والأزمات المتراكمة في المجتمع الإيراني. هذه الفوالق لم تظهر فجأة، بل كانت ناتجة عن سنوات من القمع والاستبداد والفساد. في 2017 و2019، رأينا بوادر هذه الانتفاضات من خلال احتجاجات واسعة ضد الظلم والقمع. ومع تراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، أصبح انفجار الغضب الشعبي أمرًا لا مفر منه.
بدأت انتفاضة 2022 بقيادة النساء والفتيات الإيرانيات الشجاعات، وسرعان ما أصبحت واحدة من أوسع وأهم الانتفاضات في إيران. كانت نقطة تحول في نضال الشعب الإيراني من أجل الحرية. انتشرت في جميع أنحاء البلاد، من المدن الكبيرة إلى القرى الصغيرة، حيث عبّر الشعب عن استيائه وغضبه من النظام بأسره، وليس فقط من بعض أجزائه. لقد كان الهتاف “الموت للدكتاتور” و”الموت لخامنئي” هو الشعار الأكثر شيوعًا في جميع أنحاء إيران.
دور وحدات المقاومة في إشعال الانتفاضة
في قلب هذه الانتفاضة، كان لوحدات المقاومة دور محوري في إشعال شرارتها وتوجيهها. منذ سنوات، كانت هذه الوحدات تعمل بشكل سري ومنظم لتحفيز وتحريك الشارع الإيراني ضد النظام. هذه المجموعات، التي تضم شبانًا وشابات من مختلف أنحاء البلاد، نفذت عمليات جريئة ضد رموز النظام ومؤسساته، وساهمت في خلق مناخ من الرفض والتمرد.
من خلال النشاط الميداني المكثف، مثل توزيع المنشورات المناهضة للنظام وتنظيم التظاهرات الفجائية وتوجيه الهتافات والشعارات، أعدت وحدات المقاومة الأرضية للانتفاضة. كان لجهودهم أثر كبير في كسر حاجز الخوف لدى الشعب، وإظهار أن النظام ليس قويًا كما يدعي. بفضل هذه الجهود، شعر الناس أن هناك تنظيمًا يقف إلى جانبهم، وأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة آلة القمع.
الأبعاد والامتداد
لم تكن انتفاضة 2022 مجرد احتجاجات عابرة؛ بل كانت تعبيرًا عن تراكم عقود من الظلم والقمع والاستبداد. النظام، بقيادة خامنئي، حاول مرارًا وتكرارًا قمع هذه الاحتجاجات باستخدام كل ما لديه من أدوات القمع، بما في ذلك الشرطة وقوات الباسيج والحرس الثوري. لكن على الرغم من القمع الوحشي، استمرت الانتفاضة في الانتشار والتوسع.
أعلن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في شباط (فبراير) 2023 أن الانتفاضة امتدت إلى أكثر من 282 مدينة في جميع أنحاء البلاد، وأن ما لا يقل عن 750 شخصًا قد فقدوا حياتهم، بينما تم اعتقال أكثر من 30 ألف شخص. هذا الانتشار الواسع يظهر أن الشعب الإيراني بكافة فئاته كان متوحدًا ضد النظام، وأن الرغبة في التغيير أصبحت مطلبًا شعبيًا عامًا.
منذ اللحظات الأولى للانتفاضة، كان هناك استخدام واسع لمواقع التواصل الاجتماعي لنقل الأحداث ولتنظيم التحركات. كانت مقاطع الفيديو التي تظهر شجاعة المتظاهرين وانتقادهم الصريح للنظام تُشاهد على نطاق واسع، مما أثار دعمًا دوليًا وتعاطفًا مع القضية الإيرانية.
النظام في مأزق
اليوم، بعد مرور عامين على الانتفاضة، يواجه المرشد الأعلى خامنئي مجتمعًا تخطى الانتفاضة وعبرها بشعار “الموت للظالم، سواء كان الشاه أو الزعيم”. لم تعد الانتفاضة مجرد حدث عابر؛ بل أصبحت رمزًا للنضال المستمر للشعب الإيراني ضد الاستبداد والفساد. إن هتاف “الموت للديكتاتور” لم يكن موجهًا فقط ضد خامنئي، بل كان ضد كل أشكال الطغيان والاستبداد، سواء كان في عهد الشاه أو في ظل الجمهورية الإسلامية.
إنَّ الوضع الحالي للنظام يشبه لعبة الشطرنج، حيث الملك (الزعيم الأعلى) محاصر في موقف “آچمز” (المأزق). لا يوجد لديه طريق للمضي قدمًا أو التراجع. حتى الإعلام الحكومي يعترف بهذا الواقع. في 10 أيلول (سبتمبر) 2023، كتبت صحيفة “شرق” الإيرانية أن النظام “وصل إلى مأزق”. هذا ليس مجرد اعتراف بمشكلة، بل هو اعتراف بأن النظام بأكمله عالق في مأزق لا يستطيع الخروج منه.
لقد فشل خامنئي في تحقيق أي من وعوده. فبدلاً من تحقيق “الاقتصاد المقاوم” و”الاكتفاء الذاتي”، شهدنا انهيارًا اقتصاديًا واجتماعيًا. وعلى الرغم من محاولات النظام لقمع الانتفاضة باستخدام كل ما لديه من وسائل القمع، إلا أن الغضب الشعبي لم يهدأ. الشعب الإيراني لم يعد يصدق الوعود الفارغة والإصلاحات الوهمية.
العاصفة القادمة
النظام الإيراني، من خلال سياساته القمعية والفساد الداخلي، قام بزراعة الرياح. ويبدو أن العاصفة في الطريق، تلك العاصفة التي يمكن أن تقتلع النظام من جذوره. الشعب الإيراني أثبت في انتفاضة 2022 أنه لن يقبل المزيد من الظلم والاستبداد. الانتفاضة الكبرى القادمة ستكون نتيجة حتمية لعقود من القمع والإذلال.
وحدات المقاومة اليوم في حالة تأهب واستعداد. لقد أصبحت أكثر تنظيمًا وخبرة، وتنتظر بفارغ الصبر اللحظة المناسبة لإشعال شرارة الانتفاضة القادمة. إنهم مستعدون لتنظيم الانتفاضة وتوجيه ضربات موجعة للنظام في لحظاته الضعيفة، وحشد الجماهير في الشوارع كما يفعل بركان يغلي تحت السطح. يعرف هؤلاء المقاتلون الشجعان أن الشعب الإيراني يترقب اليوم الذي سينفجر فيه البركان ليحرق النظام برمته، ويفتح الطريق أمام فجر جديد من الحرية والكرامة.
من يزرع الريح يحصد العاصفة
نقول لخامنئي: “من يزرع الرياح يحصد العواصف.” لقد زرعتم الرياح بقمعكم وظلمكم وفسادكم، والآن العاصفة في الطريق. الشعب الإيراني لم يعد يخاف منكم، لقد أثبتوا أنهم مستعدون للتضحية من أجل الحرية والكرامة. الانتفاضة القادمة ستكون أكبر وأقوى، وستقتلع هذا النظام من جذوره.
الشعب الإيراني وأبناؤه في وحدات المقاومة يترقبون بفارغ الصبر اليوم الذي سينطلقون فيه إلى الشوارع مثل بركان نار، ليحرقوا النظام برمته. إنهم جاهزون ومستعدون لهذا اليوم العظيم، يوم ينتهي فيه عصر الظلم والاستبداد، ويبدأ عهد جديد من الحرية والعدالة. طوفان التغيير قادم لا محالة، وسيكتسح كل من يقف في طريقه.