تقارير وتحليلات

صمود المجتمع الإيراني في مواجهة نظام القمع

الخليج بست

لا شك أن ظهور إيران جديدة سيكون نتيجة صدام عميق بين الحُكم القديم، الجامد والمتزمت لملالي، وبين تطلعات المجتمع الإيراني التقدمية. لقد تشكلت فجوة واضحة في المشهد السياسي والاجتماعي الإيراني، حيث تُرسم الخنادق بين السلطة الحاكمة والشعب. ومع ذلك، فإن الأسلحة التي يستخدمها الطرفان مختلفة تمامًا.

وتعتمد السلطة الحاكمة في إيران على الإعدامات والعقوبات الجسدية كدليل صارخ على تراجع شرعيتها. ففي عام 2024، تم تنفيذ أكثر من 1000 إعدام في إيران، بمعدل ثلاث إعدامات يوميًا. هذه الممارسة ليست مجرد عقوبة، بل رسالة يائسة من النظام للمجتمع، تشير إلى غياب البدائل المتاحة. ومن خلال أفعاله، يعترف النظام ضمنيًا بأن أي محاولة للإصلاح ستعجل بسقوطه. كما يكشف عن استنزافه للموارد الطبيعية والمالية للبلاد في سبيل الحفاظ على بقائه وإثراء حلفائه الإقليميين، تاركًا نفسه مكشوفًا أمام انتفاضة اجتماعية محتملة.

لقد ضخ النظام الملالي ثروات البلاد الطبيعية والمالية في قمع المعارضة والحفاظ على قبضته على السلطة. لكن التاريخ يثبت حقيقة ثابتة: الديكتاتوريات تفشل في استيعاب قوة الغضب الشعبي المتراكمة. كل عمل قمع وكل سوء إدارة للموارد أدى فقط إلى تغذية الاستياء العام. هذا الغضب المتزايد يتحول إلى قوة هائلة تستعد لمواجهة جمود النظام.

ورغم أن الجبهة الاجتماعية في إيران تعرضت لضربات اقتصادية واجتماعية كبيرة، إلا أن هذه المعاناة لم تُضعف عزيمتها. على العكس، أصبحت حالة الغضب الجماعي والإصرار بمثابة أبراج شاهقة تتحدى جمود النظام. ويتفاقم هذا الوضع بفعل تراجع نفوذ النظام في المنطقة، كما يتضح من إخفاقاته في فلسطين ولبنان وسوريا. اعتماد الولي الفقيه علي خامنئي على الإعدامات والعقوبات الوحشية كتكتيكات أخيرة يؤكد يأس النظام الاستراتيجي.

لقد نظم الشعب الإيراني مقاومة مستمرة ومنظمة ضد سياسات الإعدام التي ينتهجها النظام. ومن أبرز هذه الجهود الحملات المستمرة مثل حملة «ثلاثاءات لا للإعدام» التي يقودها السجناء السياسيون في 28 سجنًا داخل إيران. كما أن رسائل السجناء التي تدعو العامة للانضمام إلى دعوات مناهضة الإعدامات، إلى جانب جهود المجموعات الثائرة، عززت هذه الحركة.

هذه المعركة لم تقتصر على حدود إيران. أصوات الأمهات المفجوعات والنشطاء والمعارضين في المنفى تضيف زخمًا لهذه المقاومة على المنصات الدولية. ومع تصاعد حملة «لا للإعدام» على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار صور العائلات التي تكرم ذكرى النشطاء الشهداء في المقابر، والتغطية الواسعة لهذه الأنشطة من قبل وسائل الإعلام المستقلة، أصبحت الجبهة المعارضة أكثر قوة واتساعًا.

أدت الإدانات الدولية لانتهاكات حقوق الإنسان في إيران إلى تعميق عزلة النظام. ففي ديسمبر 2024، أصدرت الأمم المتحدة قرارها الحادي والسبعين الذي يدين هذه الانتهاكات. بالإضافة إلى ذلك، طالب 250 برلمانيًا بريطانيًا في بيان حديث بوقف فوري للإعدامات في إيران. تعكس هذه التطورات انسجامًا عالميًا مع نضال الشعب الإيراني.

الجبهة الاجتماعية في إيران متحدة وصامدة. لقد حولت كل عمل من أعمال القسوة التي يمارسها النظام إلى دافع لمزيد من التعبئة. النظام، المحاصر بالاضطرابات الداخلية والضغوط الخارجية، يفقد قدرته على التحكم في السرد. انهيار اعتماده على الإعدامات سيأتي ليس فقط من الداخل، بل أيضًا من خلال جهد عالمي منسق بشكل متزايد.

هذه اللحظة حاسمة. استمرار المقاومة داخل إيران واستمرار المناصرة الدولية ضد تكتيكات النظام أمران ضروريان. النضال ضد استراتيجية الإعدامات ليس مجرد واجب وطني، بل نداء عالمي للعدالة. إن بقاء نظام الملالي يعتمد على شبكة هشة من الخوف يمكن تدميرها من خلال الإرادة الجماعية لمجتمع مستيقظ. هذه هي دعوة إيران الجديدة، المصممة على مواجهة استراتيجية الإعدامات للنظام.

 

شباب الانتفاضة في إيران یستهدفون مراكز للقمع تابعَة للنظام في العديد من المدن


موجة احتجاجات واسعة في إيران


ذعر النظام الإيراني من امتداد تطورات سوريا إلى العراق


الدعم الدولي لحملة «لا للإعدام» في إيران