تقارير وتحليلات
إيران في أزمة المفاوضات!
إيران في أزمة المفاوضات!
إيران في أزمة المفاوضات!
تتصاعد حدة الأزمة الإيرانية مع استمرار المفاوضات النووية، التي تحولت من مسار دبلوماسي إلى تهديد وجودي لنظام ولاية الفقيه. الجولتان الأخيرتان في عمان وروما كشفتا عن انقسامات عميقة داخل النظام، ليس فقط بين أجنحته السياسية، بل أيضاً في مؤسساته الدينية والعسكرية، ما ينذر بتآكل بنيته الأساسية.
مأزق الخطاب والواقع
لطالما اعتمد النظام خطاب العداء للولايات المتحدة، واصفاً إياها بـ"الشيطان الأكبر" لتعبئة الداخل وتبرير القمع. لكن الضغوط الاقتصادية الخانقة والعزلة الدولية دفعتا المرشد علي خامنئي للعودة إلى طاولة المفاوضات التي طالما استنكرها. هذا التناقض بين الخطاب الثوري والممارسة العملية أثار شللاً استراتيجياً: القبول بالمفاوضات يعني الاعتراف بالضعف وتآكل الشرعية الثورية، بينما الرفض يهدد بتشديد العقوبات أو حتى المواجهة العسكرية. في عمان، قدم الوفد الإيراني ثلاثة مطالب رئيسية تركزت على تخفيف العقوبات، بما في ذلك الوصول إلى الأصول المجمدة ورفع القيود عن صادرات النفط، لكن الولايات المتحدة أصرت على منع إيران من تطوير قدرات نووية عسكرية، ما أبقى الفجوة قائمة.
انقسامات داخلية متصاعدة
الجولة الأولى في عمان، التي جرت بوساطة عمانية، أظهرت انقسامات حادة داخل النظام. النائب مهدي كوجك زاده هاجم المفاوضات ووصفها بـ"الرمادية وبلا حياء"، معبراً عن استياء الجناح المتشدد من غياب الشفافية، حيث قال: "نحن لا نعلم شيئاً… ربما مضطرون لهذه المفاوضات، لكن علينا أن نفرق بين العدو والصديق". تصريحاته تعكس عزل المؤسسة التشريعية عن القرارات الفعلية، وتكشف فقدان الثقة داخل النظام. في الجولة الثانية بروما، حذر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي من تغيير مكان المفاوضات، معتبراً ذلك "خطأ دبلوماسي" قد يعرقل الحوار، ما يشير إلى حساسية النظام تجاه أي تغيير في ديناميكيات التفاوض. منابر صلاة الجمعة تحولت إلى ساحة للتعبير عن القلق، حيث حذر أئمة مثل الملا شعباني من "الاستقطاب الشعبي"، داعين إلى الالتفاف حول القيادة، بينما استنكر آخرون، مثل أحمد علم الهدى إمام جمعة مشهد وممثل خامنئي في محافظة خراسان، تجربة الاتفاق النووي السابق، متهمين أميركا بخرقه.
خامنئي وتكافح عقيم!
يحاول خامنئي إدارة الأزمة عبر مباركة المفاوضات بشكل غير مباشر، مع الابتعاد عن تحمل المسؤولية المباشرة عبر تصريحات غامضة. لكن هذه الاستراتيجية لم تعد فعالة. الضغوط الشعبية، إلى جانب الانقسامات بين الأجنحة السياسية والمتشددة، تهدد استقرار النظام. تقارير تشير إلى أن إيران تطالب بضمانات لرفع العقوبات قبل الجولة الثانية، مع الإبقاء على المفاوضات غير مباشرة لتجنب الضغوط الداخلية. في المقابل، تواجه إدارة ترامب انقسامات داخلية بين مؤيدي الحل الدبلوماسي ودعاة التصعيد العسكري، مع ضغوط إسرائيلية لتفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل.
مستقبل النظام على المحك
سواء نجحت المفاوضات أم فشلت، فإن النظام يواجه خيارات كارثية. الاتفاق قد يُجبر خامنئي على التخلي عن خطاب التحدي، ما يهدد شرعيته أمام الحرس الثوري والباسيج، وقد يدفع الجناح المتشدد للتصعيد العلني، مما يفتح الباب لأزمة ولاء داخلية. الفشل، من جهة أخرى، سيؤدي إلى تشديد العقوبات، وزيادة النقمة الشعبية، وربما مواجهة عسكرية. تجربة "برجام" السابقة، التي وصفها البعض بأنها "عقدت العقد"، تظل شاهدة على تحديات النظام التفاوضية.
هذه الأزمة، رغم تهديدها للنظام، تمثل فرصة للشعب الإيراني. الغليان الاجتماعي، وتخبط القيادة، وتآكل الرواية الرسمية، تُنبئ بحالة نضج ثوري تنتظر لحظة الانطلاق. المفاوضات النووية، بما تحمله من ضغوط داخلية وخارجية، قد تكون الشرارة التي تكشف هشاشة النظام وتسرّع من تصدعه.