تقارير وتحليلات
لقد آن أوان النهوض … قراءة شاملة لأوضاع العمّال في إيران من عهد مصدّق إلى دكتاتورية الملالي
لقد آن أوان النهوض … قراءة شاملة لأوضاع العمّال في إيران من عهد مصدّق إلى دكتاتورية الملالي
لقد آن أوان النهوض … قراءة شاملة لأوضاع العمّال في إيران من عهد مصدّق إلى دكتاتورية الملالي
بقلم عباس داوري – مسؤول لجنة العمل في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية
يأتي يوم العمّال العالمي هذا العام بينما يرزح ملايين العمّال الإيرانيين تحت واحد من أسوأ أنظمة الاستغلال في التاريخ الحديث. فمنذ الانقلاب على حكومة الدكتور محمد مصدّق في 19 أغسطس 1953 وما تلاه من تأسيس جهاز «سافاك» الدموي، مرورًا بسقوط نظام الشاه في فبراير 1979، وصولًا إلى أكثر من أربعة عقود من هيمنة نظام الولي الفقيه، تتوالى حلقات القمع الاقتصادي والاجتماعي بلا هوادة. ولأنّ ذاكرة الأجيال الشابّة قد لا تسعفها التفاصيل، فإنّ استعادة صورة المشهد العمّالي في عهد مصدّق تكشف بوضوح مقدار ما ضاع من حقوقٍ على أيدي الشاه أوّلًا ثمّ الملالي لاحقًا.
أوضاع العمّال في عهد مصدّق: عصر ذهبي قُطع على حين غرّة
- نقابات مستقلة وفاعلة: امتلكت الطبقة العاملة أقوى الاتحادات العمالية في المنطقة، وحازت تمثيلًا مرموقًا داخل منظمة العمل الدولية.
- أمن وظيفي: كان صاحب العمل عاجزًا قانونًا عن فصل العامل تعسّفًا.
- تأمينات شاملة: صحيّة، وتعويض إصابة وعجز، ومعاش تقاعدي محترم.
- سلامة مهنية إلزامية: وفّر أرباب العمل تجهيزات وقاية في المصانع والمناجم.
- حقوق المرأة العاملة: التزمت الحكومة بإرشادات منظمة العمل الدولية بشأن ساعات العمل والإجازات والمساواة النسبية في الأجر.
- حدّ أدنى يكفل المعيشة: راعى الحدّ الأدنى للأجور نفقات أسرة مكوّنة من أربعة أفراد.
هذا المشهد الحقوقي انهار كلّيًا بعد الانقلاب، إذ قُيّدت النقابات، وطُوِعت لخدمة جهاز القمع، قبل أن يُجبِر الشاه في مارس 1975 كل النقابات على الانضمام إلى «حزب رستاخيز» أو التفكّك. ومع انهيار النظام الملكي في 11 فبراير 1979 لعب العمّال، ولا سيّما عمّال النفط، دورًا حاسمًا في إرساله إلى مزبلة التاريخ.
من «حكم المستضعفين» إلى عبودية حديثة
بعد 46 سنة على سرقة الثورة الشعبية بواسطة خميني ثمّ خليفته، يتبيّن أنّ الشعار الزائف «حكومة كوخ-نشين» (حكومة سكان الأكواخ» أو «حكومة الفقراء) لم يكن سوى قناع لأكبر عمليّة سلب ممنهجة لعرق العمّال. فقد ألغى خميني قانون العمل بلا بديل، وترَكَ العمّال حتى وفاته بلا مظلّة تشريعية. وفي 1979 استولى قادة حزب «الجمهورية الإسلامية» بقيادة علي ربيعي وعليرضا محجوب على «بيت العامل» وحوّلوه إلى أداة أمنية لقمع العمل النقابي المستقل، ولا يزال محجوب أمينَه العام حتى اليوم.
ستّ دوّامات من الظلم المتراكم
أوّلًا – انعدام الأمن الوظيفي
- وفق صحيفتي جهان صنعت ورسالت (ديسمبر 2015/يوليو 2015) يعمل 94 % من العمّال بعقود موقّتة، و95 % بلا نسخة من عقد العمل.
- ملايين العمّال، وخصوصًا النساء في الأقاليم، يُرغَمون على أجرٍ دون الحدّ الأدنى وساعاتٍ تفوق ثماني ساعات يوميًا، وإلا رُموا إلى البطالة.
ثانيًا – نقابات صُورية
وزارة العمل لا تسجّل أي نقابة تُنتخَب بحرّية، وتعترف فقط بـ«المجالس الإسلامية للعمّال» التي تُدار على يد أجهزة الأمن، فتفرّغ الحق النقابي من مضمونه.
ثالثًا – غياب السلامة المهنية
- في النصف الأوّل من 2024 قُتل 1 077 عامل (معدّل 200 شهريًا) بحسب موقع فرارو.
- خلال 20 يومًا من أبريل 2025، أودت ثلاثة حوادث منجميّة في مهاباد ودامغان وبجستان بحياة تسعة عمّال.
- في سبتمبر 2024 دُفن 50 عاملًا في منجم طبس لغياب جهاز إنذار غاز الميثان. المنجم تابع لهولدينغ «معدني وصناعي گل گهر» الخاضع لـ«بنك سپه» المملوك لـ«مؤسّسة المستضعفين» بإمرة الحرس.
رابعًا – حدّ أدنى مهين
- قرّر النظام في 17 مارس 2025 حدًّا أدنى قدره 10.339 مليون تومان (نحو 100 دولار).
- بالمقابل يبلغ الحدّ الأدنى في تركيا 612 دولارًا، وفي السعودية 1 066 دولارًا لعام 2025.
- فيما تتجاوز سلّة المعيشة الرسمية 35 مليون تومان وتصعد يوميًا، ترتفع أسعار الدواءالغذاء بأكثر من 40 % في شهر واحد (إبريل 2025).
خامسًا – اضطهاد المرأة العاملة
- تعمل بعض النساء بثلث أجر الرجل (إيرنا، 21 أبريل 2015).
- بحسب صحیفة فرهيختکان (8 أبريل 2021) خسر سوق العمل 830 ألف امرأة في عامٍ واحد.
- شهادات من صحیفة همشهري (24 نوفمبر 2022) تؤكد عمل نساء 70 ساعة أسبوعيًا خوفًا من الطرد، بلا تعويضات.
سادسًا – انهيار التأمينات
يقرّ نائب برلماني عن أردبيل أنّ «الضمان الاجتماعي خسر مشتركين بدل أن يكتسب» (30 أبريل 2025). ولا غرابة، فثروة خامنئي التي تتجاوز 1 000 مليار دولار (يونيو 2020) تُكدَّس في مؤسّسات احتكارية، بينما يُقال للمتقاعد إنّ صندوقه مفلس.
الاقتصاد في قبضة الولي الفقيه والحرس
يهيمن خامنئي على ثاني أكبر كيان اقتصادي بعد شركة النفط الوطنية، أي «مؤسّسة المستضعفين». أمّا «لجنة تنفيذ أمر خميني» فتمتلك 200 شركة. ويتفاخر الحرس بهولدينغاته في البناء والنقل والبتروكيماويات، بينما تُعهد عقود العمل إلى مقاولين يطالبون العمّال بتوقيع أوراق بيضاء تتيح فصلهم بلا اعتراض. المثال الصارخ: صفقة بقيمة 61 ألف مليار تومان بين «آوان ريل» (المملوكة لأذرع بابك زنجاني) وهيئة السكك الحديدية في مايو 2025، فيما يقبع زنجاني—المحكوم بالفساد—ظاهريًا في السجن!
مأساة الأمن الغذائي وتعاظم الغضب الشعبي
يبلغ ثمن الكيلوغرام من لحم الضأن 1.1 مليون تومان، وقفز سعر الفول (لوبيا) بنسبة 153 % في مارس 2025 كما رصدت ابتكار، فيدفع ملايين تحت خط الفقر. ويقدَّر عدد «أطفال العمل» بثلاثة ملايين، ينخرطون في مهن خطرة لتأمين لقمة العيش، بينما تُصادر طفولتهم شبكات التهريب المرتبطة بالحرس.
لمسار النهوض: رؤية المجلس الوطني للمقاومة
لا تعني هذه الأرقام سوى حقيقة واحدة: لقد آن أوان النهوض. فأيّ إصلاح جزئي محكوم بالفشل طالما بقي نظام الملالي ممسكًا بكل مفاصل الاقتصاد والقضاء والإعلام. إنّ إسقاط النظام شرط مسبق لإقرار:
- قانون عمل ديمقراطي يضمن الحدّ الأدنى اللائق، والتأمين الصحي، ومعاش التقاعد.
- نقابات مستقلّة تنتخبها القواعد وتتمتع بالحماية القانونية.
- مساواة كاملة في الأجر والفرص بين المرأة والرجل.
- معايير سلامة صارمة بإشراف دولي، وتغريم أي شركة تنتهكها.
- صندوق سيادة وطني يوجّه عوائد النفط إلى التنمية، لا إلى أجهزة القمع أو مغامرات الحرس الخارجية.
هذه المسلّمات ليست طوباوية؛ فقد عرفها العمّال في عهد مصدّق، وتعيدها المقاومة الإيرانية إلى صدارة برنامجها السياسي. إنّ وحدات الانتفاضة – الذراع التنظيمي لمجاهدي خلق داخل الوطن – تتوسّع كل يوم بين صفوف العمّال والمعلّمين والمتقاعدين، لتوحيد الحراك المطلبي مع الهدف الاستراتيجي: إقامة جمهورية ديمقراطية تفصل الدين عن الدولة وتحقق العدالة الاجتماعية.
في هذا اليوم، بينما نستحضر ذكرى العمّال المدفونين في المناجم أو المحترقين في مستودعات حرس النظام الإيراني في بندر عباس، والعمّال الذين يلقَون حتفهم كل أسبوع غيابًا للسلامة، والنساء العاملات المقهورات، نتذكّر أنّ الصمت خيانة. فكما حسم مصدّق معركة الاستقلال النفطي قبل سبعين عامًا بدعم من شعب آمن بحقه، فإنّ عمّال اليوم قادرون على حسم معركة الحرية بدعم شعبٍ أدرك أنّ نظام الشاه والملالي عدوّان لشعبٍ واحد.
إنّنا نردّد مع كل عامل يحمل حلم الخبز والكرامة:
«لقد آن أوان النهوض… الموت للظالم، كان شاهًا أو مُلا». ولن يتوقف هذا الصوت حتى تُستعاد حقوق العمّال وتُدفن الدكتاتورية إلى الأبد.