تقارير وتحليلات
اعترافان يهزّان السردية الرسمية: روحاني يقول إنّ 80% ضدّ الحكم… وبزشكيان يقرّ: «لدينا النفط والغاز ونجوع»
اعترافان يهزّان السردية الرسمية: روحاني يقول إنّ 80% ضدّ الحكم… وبزشكيان يقرّ: «لدينا النفط والغاز ونجوع»
اعترافان يهزّان السردية الرسمية: روحاني يقول إنّ 80% ضدّ الحكم… وبزشكيان يقرّ: «لدينا النفط والغاز ونجوع»
في مشهدٍ نادر تتقاطع فيه شهادة «العهد السابق» مع اعتراف «العهد القائم»، خرج الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني ليقرّ بأنّ 80% من الإيرانيين معارضون للحكم، فيما قال الرئيس الحالي مسعود بزشكيان عبارة تختصر المأساة الاقتصادية: «لدينا النفط والغاز ونحن جائعون؛ وإن لم يكن لدينا فسنموت». هذان التصريحان، من موقعَي مسؤولية، ليسا مجرّد زلّتين إعلاميتين؛ إنهما قرينتا إدانة تُضيئان على بنية فسادٍ واقتصاد نهبٍ تقوده منظومة الحرس والأجهزة، وعلى سياسةٍ تُقدّم القمع والنيابات الخارجية على الخبز والصحة والعمل.
فسادٌ منهجي وجريمةٌ متعدّدة الوجوه
منذ سنوات، تَحوّل الاقتصاد الإيراني إلى اقتصاد ظلّ: صناديق موازية، شركات واجهة، تهريب منظم، وميزانياتٌ أولويةُ إنفاقها للأمن الداخلي والمغامرات الإقليمية. النتيجة على الأرض واضحة: فقرٌ قياسي، تضخّمٌ خانق، وموائد فارغة؛ فيما تتكاثر ملفات الاختلاس والمحابات حول المؤسسات الكبرى. ومع كل دورة أزمة، تتقدّم آلة القمع: اعتقالات تعسفية، محاكمات جائرة، إعداماتٌ مسرّعة، وتجريم التعبير السلمي. هكذا تتلازم «جريمة السرقة العامة» مع «جريمة إسكات المجتمع»، وتُغلق نوافذ الإصلاح من داخل المنظومة.
اعترافات من الداخل… لا سردية معارضة فحسب
حين يقول روحاني إنّ ثمانين بالمئة يقفون ضد الحكم، فهو يقرّ عملياً بـسقوط الشرعية الاجتماعية. وحين يَشهد بزشكيان بأنّ بلد النفط والغاز يجوع، فهو يضع المسؤولية السياسية في مكانها الصحيح: الأولوية الخاطئة التي تُهدر موارد الأجيال على القمع والنيابات، بدل الخدمات الأساسية والتنمية والحوكمة الرشيدة. هذا التلاقي بين «مؤشر الشرعية» و«مؤشر الجوع» يكشف أنّ المشكلة بنيوية: لا في الأسواق وحدها، بل في وظيفة الحكم ذاتها.
أثر إقليمي مُخرِّب
حيثما امتدّت أذرع النظام ووكلاؤه—في لبنان وسوريا واليمن والعراق—تتكرّر الدائرة نفسها: عسكرةُ المجتمع، تعطيلُ الاقتصاد المنتج، ترييفُ الدولة، وإقحامُ الناس في صراعاتٍ لا يملكون قرارها. هذه الكُلفة الخارجية تعود بالانكماش على الداخل: عقوباتٌ وتشدّد رقابي، هروب استثمارات، وانسداد أفق معيشة. لذلك يغدو الحديث عن «تحسين معيشي» مع بقاء الوظيفة التوسعية تضليلاً لا أكثر.
الخلاصة السياسية
الاعترافان المذكوران يثبتان ما يعيشه الإيرانيون يومياً: فسادٌ بنيوي وجريمةُ حكمٍ بحقّ المجتمع. ومع تفاقم الفقر وتهاوي الثقة، لا يبقى لسلطةٍ بهذه المواصفات إلا المزيد من القمع. وعليه، فإنّ المعالجات التجميلية أو «إدارة الأزمات» لن تُنتج دولة قانون؛ والحلّ الواقعي يمرّ عبر تغييرٍ سياسي يعيد السيادة للشعب، ويُنهي وظيفة التوسع والنهب، ويؤسّس لاقتصادٍ شفاف ومساءلةٍ حقيقية.
الأمل والواجب: من يوميات الضيق إلى أفق التغيير
في قلب الضيق اليومي وثِقَل الأسعار والهمّ على خبز العائلة، يبقى الأمل مشعلاً تُبقيه المعرفة والضمير مضيئَين. حين تشتدّ الحياة ويصير كل نفسٍ أثقل، تتجلّى الشجاعةُ الحقيقية في الوقوف من أجل كرامة الإنسان وفي التساند.
صوتُ المعتقلين بسبب الرأي والضمير يبقي الضميرَ الجمعي يقظاً؛ الدفاع عنهم هو دفاعٌ عن حقّ الإنسان في التفكير وقول الحقيقة. وقد أثبت التاريخ أنّ التحوّلات الكبرى تُولد من أصغرِ أنوارِ الصدق والإقدام.
وبناءً عليه، فإنّ كلّ من يؤمن—بأيّ مرامٍ أو اجتهاد—بضرورة إسقاط هذا النظام القاتل والسارق والفاسد، وكلّ من هو مستعدّ للعمل الميداني، عليه أن ينهض ضدّ سياسة المساومة مع الملالي وأن يصطفّ خلف حقّ الشعب الإيراني في التغيير ودعم المقاومة المنظمة وبرنامجها للدولة الديمقراطية وسيادة القانون. فالأمل ليس شعاراً؛ إنّه فعلٌ ومسؤولية… وبابه اليوم أوسع من أي وقتٍ مضى.