تقارير وتحليلات
صراع داخلي وتصعيد خطابي: أئمة الجمعة يحذرون من مفاوضات دولية واقتصاد متدهور في إيران
صراع داخلي وتصعيد خطابي: أئمة الجمعة يحذرون من مفاوضات دولية واقتصاد متدهور في إيران
صراع داخلي وتصعيد خطابي: أئمة الجمعة يحذرون من مفاوضات دولية واقتصاد متدهور في إيران
طهران – شهدت خطب الجمعة في مدن إيرانية عدة بتاريخ 28 نوفمبر تصعيداً خطابياً يعكس أزمة داخلية متنامية. ركز الأئمة، المعينون من قبل الولي الفقيه، على التحذير من المفاوضات الدولية وتداعيات الغلاء وتدهور الأوضاع المعيشية، وذلك بالتزامن مع احتدام الصراع بين أجنحة النظام. وقد تباينت رسائلهم بين مهاجمة الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والدعوة لتوسيع قوات التعبئة (البسيج)، والتحذير من الفساد وسوء استخدام المناصب، وصولاً إلى الاعتراف بسخط الشعب من الأوضاع الاقتصادية والمطالبة بإيجاد حلول عاجلة مع التأكيد على حق البرلمان في مراقبة الحكومة.
تُعد خطب الجمعة في إيران منصة رسمية ومركزية لنقل رسائل النظام وتوجيهات الولي الفقيه.انهم ممثلون للنظام وواجهته الأيديولوجية والسياسية. لذا، فإن التصعيد في خطابهم مؤشر على قلق خامنئي وتوجهاته، وربما محاولة لتشكيل الرأي العام وتوحيد الصف الداخلي أو توجيه رسائل معينة للخارج.
الملا “دري نجف آبادي” والملا “علم الهدى” اللذان يمثلان الصوت الأكثر تشدداً، يركزان على مهاجمة الولايات المتحدة، التشكيك في المؤسسات الدولية (IAEA)، ورفض الثقة بالمفاوضات. الدعوة إلى توسيع “البسيج” ومواجهة “الأعداء الذين يسعون لتفكيك تيار المقاومة من الداخل” تشير إلى استراتيجية المقاومة والمواجهة، والتحذير من أي انفتاح أو تنازلات. هذا الخطاب هو خطاب الولي الفقيه الذي لا يستطيع التخلي عن مواقفه.
بينما الملا نوري وكريمي تبار يركزان على الداخل والمساءلة وهما يركزان بشكل أكبر على القضايا الداخلية الملحة. اعتراف الملا كريمي تبار صراحة بـ”عدم رضا الشعب عن الوضع الراهن” بسبب “ضغط الغلاء” هو أمر بالغ الأهمية، ويدل على إدراك عميق لمستوى السخط الشعبي. انتقاده لنظام دعم الوقود ومطالبته بحلول عاجلة من الحكومة والبرلمان، بالإضافة إلى تذكير الملا نوري بحق النواب في التحقيق ومراقبة الحكومة، يشير إلى رغبة في تحميل المسؤولية أو الضغط على بعض أجنحة الحكومة، وربما يعكس صراعاً على السلطة وتوجيه اللوم بشأن الأوضاع الاقتصادية.
الاعتراف العلني بالتدهور الاقتصادي وعدم رضا الشعب نتيجه الضغوط الاقتصادية، الناجمة عن سوء الإدارة، يعكس عدم الاستقرار الاجتماعي وعدم شرعية النظام.
تكشف هذه الاعترافات بوضوح أن النظام الإيراني يواجه تحديات وجودية متعددة الجبهات. فالرسائل المتضاربة الصادرة من أئمة الجمعة، الذين هم أدوات للقيادة، لا تعبر عن صوت موحد بل تكشف عن صراع داخلي عميق حول أفضل السبل لمواجهة هذه التحديات. على المستوى الخارجي، يبدو أن الجناح المتشدد هو الأكثر صوتاً، ويدفع نحو استراتيجية المقاومة ورفض التنازلات في المفاوضات الدولية، مستخدماً الخطاب المعادي للولايات المتحدة وإسرائيل كغطاء أيديولوجي لتعزيز موقفه
أما داخلياً، فإن الاعتراف الصريح من قبل بعض الأئمة بسخط الشعب من الغلاء وتدهور الأوضاع الاقتصادية هو مؤشر بالغ الأهمية على أن النظام يدرك عمق الأزمة الاجتماعية والتهديد الذي تشكله على شرعيته. الدعوات إلى الوحدة وتجنب الخلافات الحزبية، بالتزامن مع توجيه انتقادات ضمنية لبعض جوانب الحكومة (مثل نظام دعم الوقود)، تظهر محاولة من النظام لإدارة هذه الأزمة: تلطيف الغضب الشعبي جزئياً، مع محاولة توجيه اللوم بعيداً عن القيادة العليا نحو الفصائل الداخلية أو الحكومة التنفيذية، وفي الوقت نفسه التحذير من الانقسام الذي قد يستغله “العدو”.
الضغط الاقتصادي و”عدم رضا الشعب” يشكلان قنبلة موقوتة، وفي غياب حلول جذرية للأوضاع المعيشية، ستستمر هذه الضغوط في تقويض استقرار النظام وربما تغذي المزيد من الصراعات الداخلية حول كيفية معالجتها.