تقارير وتحليلات

الملف السوداني

دور قطري وراء إعاقة الانتقال السياسي والاستقرار في السودان

رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك

الخرطوم

تهدف قطر في سياساتها الخارجية إلى إحكام السيطرة وتوسيع نفوذها في الكثير من المناطق؛ خاصة بعدما تعرضت للكثير من الضغوط سواء على مستوى تحركاتها في منطقة الخليج العربي، وبخاصة الدول العربية التي تشهد حالة من الاضطرابات الداخلية ابتداءً من سوريا واليمن وغيرها من الدول وانتهاءً بالأزمة السودانية، التي تحاول العودة مجددًا للساحة السودانية بعد توتر سابق مع المجلس العسكري الانتقالي، والذي قاد لفترة مرحلة انتقالية، انتهت بحوار مع المعارضة الممثلة للحراك الشعبي، وأفضى في النهاية لاتفاق حول تقاسم السلطة نتج عنه تشكيل حكومة ومجلس سيادي لإدارة البلاد لعامين يعقبهما انتخابات رئاسية.

وضمن هذا الإطار توترت العلاقات بين الخرطوم والدوحة على إثر التحرك قطري لإعادة تقديم الدعم لتنظيم الإخوان في السودان، بالإشراف على اجتماعات مكثفة لتوحيد أحزاب سودانية لها خلفيات إخوانية لإعادة إنتاج النظام الاخواني السابق الذي كان يتزعمه الرئيس المعزول عمر البشير، وكان ذلك في ذروة الجهود التي كان يقودها المجلس العسكري الانتقالي (السابق) لتهدئة الجبهة الاجتماعية وتهيئة الظروف لحوار وطني ينهي الأزمة السياسية، وهو الأمر الذي تستمر قطر في انتهاجه لتحقيق أهدافها من خلال وكلائها داخل السودان.
إعادة إنتاج الدور

مع سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، وصعود المجلس العسكري السوداني لموقع الحُكم، وقع تغير كبير في سياسات الخرطوم الإقليمية، كان العامل الأهم منها انحسار نفوذ قطر على خلاف السنوات الماضية حين كانت الدوحة ركيزة أساسية، وفاعلة مهمة في سياسات الخرطوم. 

وفي هذا الإطار يذكر أنه أثناء تصاعد الأحداث الاحتجاجية زار الرئيس السوداني السابق البشير الدوحة بهدف تلقي دعم مالي في هيئة منح مالية نقدية، أملًا في الحصول على مليارات الدولارات؛ التي قد تُمكنه من تخطى أزمة التظاهرات في الشوارع، عبر إطلاق سلسلة إجراءات لخفض الأسعار والتراجع عن رفع أسعار الوقود وتعويم العملة المحلية، الذي كان أحد عوامل احتجاج المتظاهرين. 

ولعل اختيار البشير لقطر وفق سياسة قائمة على قيام الدوحة بتقديم دعم لحكومته، وظهر ذلك في بيان رسمي أثناء اندلاع التظاهرات، وتلقيه اتصالًا هاتفيًا من أمير قطر تميم بن حمد، اطمأن فيه الأخير على أوضاع البلاد مع تزايد حدة الاحتجاجات الشعبية، وعبّر عن «وقوف بلاده مع السودان وجاهزيتها لتقديم كل ما هو مطلوب لمساعدتها على تجاوز هذه المحنة مؤكدًا حرصه على استقرار السودان وأمنه».

لم تكتف قطر بالتلويح بالملف الاقتصادي، بل عكف النظام القطري على إعادة التدخلات القطرية في السودان القديم وإحيائها في السودان الجديد؛ فعمدت وسائل الإعلام القطرية على تكثيف الحديث عن كيفية استفادة إدارة السودان الجديد من «وثيقة الدوحة للسلام»، وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام حول الدور الذي تحاول قطر القيام به مؤخرًا في السودان عقب سقوط البشير الداعم لهم؟. 

وعلى العكس من ذلك لما كان عليه الحال غداة الثورات التي أطاحت بأنظمة حكم عربية في شمال أفريقيا، أظهرت دول المنطقة رفضًا متزايدًا تجاه السياسة القطرية، وابتعدت عنها الكثير من الدول، وقاطعتها أخرى في شكل تدريجي، على الرغم من أن قطر ضخت مليارات الدولارات في هذه الدول ومولت جماعات سياسية ودينية متطرفة لبناء نفوذ سياسي واقتصادي، وخلق جماعات ولوبيات لتنفيذ السياسة القطرية في داخل تلك الدول.

دوافع وأدوات التأثير

ينظر أغلب المراقبين الأفارقة لشأن القارة السمراء بكثير من التوجس والريبة للحضور القطري المكثف والمتنامي في المنطقة الأفريقية، حيث لا تكاد تخلو دولة أفريقية من وجود قطري ظاهره الاستثمار، وباطنه زرع بذور الفوضى والفتنة وعدم الاستقرار، ولعل النشاط القطري في التأثير على الأوضاع الداخلية في السودان بعد خسارتها الكبرى بفقدان حكم عمر البشير الذي حاول اللجوء لدعم الدوحة في زيارته الأخيرة لها فى يناير 2019، اتخذ العديد من المسارات على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، وفي هذا السياق دفعت الدوحة الكثير من الأموال للتأثير على الأوضاع داخل السودان ضد المجلس الانتقالي العسكري ومحاولة التأثير في عملية التحول الديموقراطي هناك بما يتناسب مع الأهداف القطرية، وفيما يلي أبرز تلك الإجراءات:

1) توظيف الانقسام السياسي: مع توقيع الاتفاق السوداني في يوليو 2019 اقترب السودان خطوة في اتجاه الحكم المدني بعد ثلاثين عامًا من الحكم العسكري، إلا أن نسب المجلس السيادي بين المدنيين والعسكر شكلت نقطة خلافية كبيرة، بالإضافة إلى نسب المجلس التشريعي وهو ما بدا واضحًا في الاتفاق السياسي. إذ تؤكد المادة 13 من الاتفاق على تمسك قوى إعلان الحرية والتغيير بنسبة 67 بالمائة من عضوية المجلس التشريعي ونسبة 33 بالمائة للقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير، ثم تأتي مباشرة بعدها المادة 14 التي تقول إن «المجلس العسكري الانتقالي  يؤكد موقفه بمراجعة نسب عضوية المجلس التشريعي». 

ولعل تضارب مصالح الأطراف المتدخلة في المشهد السوداني يزيد من تعقيده أكثر، فلطالما أبدى نشطاء ومعارضون مخاوفهم من أن تجهض تدخلات أطراف خارجية بالإضافة إلى فلول النظام السابق التحول الديمقراطي في السودان، وهو الأمر الذي توظفه قطر للدخول إلى الساحة السودانية.

2) الجانب الاقتصادي: تمثل الاستثمارات القطرية في السودان نحو 3.7 مليار دولار، وهي خامس أكبر مستثمر أجنبي، وهناك تمويل حكومي قطري للصناعات العسكرية السودانية، وتمويل لبناء قاعدة عسكرية تركية في جزيرة سواكن بـ4.7 مليار دولار كان الهدف منها تهديد الأمن القومي المصري من جهة البحر الأحمر، ومن خلال هذه الاستثمارات تحاول الدوحة الانخراط بالتأثير على الأطراف الداخلية بما يخدم مصالحها في السودان وانطلاقًا إلى منطقة القرن الأفريقي، ولعل هذا الأمر أعلنت عنه إريتريا في نوفمبر 2019؛ حيث اتهمت وزارة الإعلام في إريتريا، قطر بدعم فصائل وجماعات معارضة في البلاد عبر مخططات تخريبية مستخدمة السودان كنقطة انطلاق، خاصة أن العلاقة بين قطر والسودان في عهد عمر البشير فيها ارتباط قوي وتنسيق أمني ومصالح تجارية وعسكرية وشخصية ساعدت على تمكين الجانب القطري من السيطرة على بعض الملفات، والتي تحاول الدوحة استغلالها الآن للتأثير على عملية الانتقال الديموقراطي. 

وليس مستغربًا أن تعتبر الدوحة أن المجلس الانتقالي الحالي عدو لمصالحها، وأنه لابد من إسقاطه بكل الطرق وتصعيد حلفائها الذين يخدمون مصالحها ومنهم حزب المؤتمر الوطني ذراع جماعة الإخوان.

 

3) الجانب الإعلامي: من زاوية أخرى أخذ الإعلام القطري على عاتقه مؤخرًا التركيز على الوساطة القطرية في تحقيق السلام، ومحاولات إبراز الدور القطري كوسيط سلام بين القوى المتناحرة من خلال إحياء اتفاقية وثيقة الدوحة للسلام، وهذا الأمر ظهر في زيارة مبعوث وزير خارجية قطر لشؤون تسوية النزاع، مطلق القحطاني للسودان ولقائه نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي». 

وفي نفس السياق لم تتوقف وسائل الإعلام القطرية والأخرى التابعة لتركيا الناطقة بالعربية عن فعل الدور ذاته تحت دعوى أن ما حدث فى السودان هو انقلاب وليس ثورة، وأن الحل هو إسقاط المجلس وتسليم السلطة لقوى مدنية معظمها موالية للإخوان والتيارات الموالية لها والمعادية للدول العربية مثل مصر والسعودية والإمارات.

رئيس الوزراء السوداني
رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك
4) التدخل غير المباشر: اتخذت قطر موقفًا مضادًا من الموقف الشعبي السوداني، نظرًا لموقفها الداعم لحكم البشير الإخواني، ولكن عقب سقوط نظام البشير اتجهت الأنظار نحو الحديث عن مصير الاستثمارات التركية والقطرية في السودان، وزاد الأمر تعقيدًا عقب خروج جماعة الإخوان المدعومة من البلدين من المشهد، وتولي الحكومة الانتقالية عقب توقيع اتفاقية الوثيقة الدستورية شئون البلاد، والتي أعقبها تحركات قطرية تركية في محاولة لدخول المشهد السياسي مرة أخرى للحفاظ على الاستثمارات ومحاولة الابقاء على ورقتها الأخيرة في السودان، وتجلى ذلك في الإعلان عن استثمار شركة قطر للتعدين الحكومية في قطاعي الطاقة والتعدين بالسودان، ويأتي هذا ضمن سلسلة من الإجراءات التي تعبث بها الأيادي القطرية كمحاولة لإفشال خطوات التوافق السياسي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، حتى يتسنى لهم عودة جماعة الإخوان إلى المشهد السياسي في السودان من جديد.

 

في المجمل: وجد النظام القطري من كلمة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، عقب توليه منصبه في سبتمبر 2019 إثر توقيع المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير على الوثيقة الدستورية التي قضت بتشكيل حكومة انتقالية لمدة ثلاث سنوات، فرصة جديدة لخلق جبهة تعاونية قائمة على اللعب بوتر المصالح المتبادلة ودعم في مظاهر التعاون السياسي والاقتصادي والذي أكدته قطر من خلال حرصها التام على تطوير علاقاتها مع السودان في ظل التطورات الجديدة التي شهدها وذلك على المستويات كافة، لاسيما في جانب الاكتشافات المعدنية. 

وضمن هذا السياق تسعى الدوحة لاستعادة نفوذها في الخرطوم بعد صفعات متتالية تلقاها المحور القطري التركي بتفكك النظام الإخواني في السودان مع سقوط نظام البشير. 

كما تسعى أيضًا لاختراق الساحة السودانية لإعادة إحياء النشاط الاخواني في المنطقة، وبعد حالة الرفض تلك لم تجد الدوحة من سبيل للعودة للساحة السودانية إلا بتطبيع العلاقات مع السلطة التي يقودها المجلس السيادي وحكومة عبدالله حمدوك من بوابة الدعم المالي والسياسي بعد فترة فتور في العلاقات، ولكن هذه التحركات في باطنها زيادة السيطرة على مقدرات الاستقرار السوداني.

مريم رجوي في البرلمان الأوروبي: إسقاط النظام والتغيير الديمقراطي في إيران ممكنٌ بالاعتماد على الشعب الإيراني ومقاومته


الاتحاد الأوروبي يعبرقلقه من الوضع “المتدهور” لحقوق الإنسان في إيران


هيومن رايتس ووتش: الإعدامات وانتهاكات حقوق الإنسان في إيران خرق للقوانين الدولية


إيران ..الأمم المتحدة: اعتماد القرار الـ71 لإدانة نظام الملالي بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان