ترجمات..

إماطة اللثام عن جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا

عناصر متشددة في أوروبا - أرشيف

لندن

لطالما كان تتبع أنشطة الجماعات التابعة للإخوان المسلمين في أوروبا مهمةً صعبة. ويُعزى ذلك إلى أن انتماءاتها نادرًا ما تكون واضحة المعالم ومرئية للجميع؛ لأنها تعمل على إخفائها تحت غطاء من العمل الخيري، ونشاط المنظمات غير الحكومية، وغالبًا ما تكون محجوبة وراء التضامن مع الشعب الفلسطيني، تلك العبارة الجذابة التي لا تخفق أبدًا في أسر عقول وقلوب -ودفاتر شيكات- المتبرعين في جميع أنحاء أوروبا المسلمة.

ومع ذلك، فمن السهل تحديد بعض هذه الشخصيات، مثل الشيخ عبد العزيز الخضري، خطيب أزهري يحظى بشعبية في برلين. ولديه قناة على موقع يوتيوب وصفحة رسمية على الفيسبوك، تصلان إلى ملايين الأشخاص باللغتين العربية والألمانية. ولدينا أيضًا الشيخ خضر عبد المعطي، من مشاهير فيسبوك الذين يرفع خطبه على الإنترنت، ويرد على أسئلة المؤمنين، ويعمل منسقاً للمجلس الأوروبي للأئمة1.

كل من الخضري وعبد المعطي عضوان في جماعة الإخوان المصرية؛ أي الجماعة الأم، وينشطان في المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا. وفي عام 2012، مُنح عبد المعطي ما اعتبر أنه شرفًا كبيرًا لتسميته وكيلًا من قبل محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين: فلقد أشرف عبد المعطي على تصويت المصريين ألمانيا في الانتخابات الرئاسية في ذلك العام، التي أدّت إلى فوز مرسي2. يتحكم عبد المعطي في شبكةٍ واسعة ولافتة داخل الجالية المسلمة في ألمانيا، التي تنتشر في 511 مسجدًا، و1,091 صفًّا تعليميًا في المساجد، وثلاثين منظمة غير حكومية نشطة3. في عام 2016، تمكّن عبد المعطي من تحويل الصحفي الألماني البارز، مارتن ليجون، إلى الإسلام في اليوم الأول من عيد الفطر، وهو الحدث الذي تم تناوله كثيرًا في وسائل الإعلام الخاصة بجماعة الإخوان كوسيلة لإثبات تأثير الشيخ عبد المعطي، حتى بين غير المؤمنين4.

العلاقة بلبنان

ومع ذلك، فإن الخضري وعبد المعطي رجلان معممان، ويعظان من منابر المساجد. إنهما لا يحاولان حتى إخفاء انتماءاتهما وأهدافهما السياسية. ويزداد الأمر تعقيدًا عند التعامل مع شخصياتٍ مثل خالد الضاهر، الذي يرتدي بدلة ورابطة عنق، ويظهر بانتظام على القنوات التلفزيونية العلمانية، ويتعامل مع شخصيات “مغربنة” مثل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، حتى أنه كان يعمل لفترةٍ وجيزة كعضو في تيار المستقبل5. لكن تحت تلك الواجهة، فإن الضاهر إسلاموي حتى النخاع، ينتمي إلى الجماعة الإسلامية، فرع لبناني من جماعة الإخوان المسلمين المصرية. ووفقًا لشهادته الخاصة، انضم إلى الجماعة في عام 1975، بعد أحد عشر عامًا من تأسيسها في لبنان6. ترقى الضاهر في السلم الهرمي، وأصبح عضوًا في المكتب السياسي ومجلس الشورى للجماعة.

وقد أصبح عضوًا في البرلمان عبر الانتخاب بنظام القائمة في عام 1996، ثم ترشح كمستقل في عام 2000 (لكنه لم يفز)، وعاد إلى السلطة كمساعدٍ للحريري في عام 2009 7. كان الضاهر ناشطًا داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، ومن خلالها أرسل أموالًا إلى الجمعيات الخيرية الإسلامية في أوروبا. في فترة ما قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن ذلك صعبًا جدًا، خصوصًا بالنسبة لبرلماني عربي يتمتع بعلاقاتٍ جيدة على الصعيدين الإقليمي والدولي. ورغم أن الضاهر حاليًا خارج منصبه، فإنه لا يزال نشطًا في السياسة اللبنانية، ويُقال إنه يحاول إرساء موطئ قدم تركي في الشمال اللبناني، حيث التشدد السني هو الأقوى في الدولة، ما يشكّل البيئة المثالية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإنشاء إقطاعية أخرى في الشرق الأوسط.


شخصيات أكثر تخفيًا

تزداد عملية التتبع صعوبة مع شخصياتٍ مثل محمد مشينش، رئيس الجمعية التركية للتضامن مع فلسطين، فهو ليس برجل دين مُعمم مثل عبد المعطي، ولا واعظاً مثل الخضري، ولا حتى سياسيًا مثل الضاهر. إنه يميل أكثر لأن يكون عضوًا في جماعات الضغط وجامع تبرعات. ولد مشينش في العراق عام 1972، كما أنه لا يقيم في أوروبا، لكنه ناشط في توجيه الأموال من شخصيات مثل عبد المعطي والخضري إلى حماس في غزة. وخلال الأسبوعين الماضيين كان مشينش مؤيدًا صراحةً للانتخابات البرلمانية الفلسطينية المقبلة التي دعا إليها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في يناير الماضي. ومن المرجح أن يلعب مشينش دورًا أكثر نشاطًا في جمع الأموال وتوجيهها إلى قيادة حماس التي تخطط لخوض الانتخابات عندما يتم تحديد موعدها، على أمل التفوق على خصومها في حركة فتح.

علاوة على ما سبق، هناك أسماء بارزة مثل ماجد الزير، وعادل عبد الله، وأمين أبو راشد، وهم ثلاثة من الوزن الثقيل في أوروبا الذين يهيمنون على مقاليد الأمور.


ماجد الزير

ماجد الزير هو الوجه العام للشارع الإسلامي الفلسطيني في لندن، حيث يشغل منصب رئيس “مركز العودة الفلسطيني”، وهي منظمة شهيرة تأسست في عام 1988. نظريًا، يطلع الزير النواب البريطانيين على الشؤون الفلسطينية بانتظام، وينتقد الإجراءات الإسرائيلية، ويستضيف فعاليات بشأن “حق العودة”.

لا يوجد شيء غير قانوني في أنشطته، وبالتالي، كانت منظمته مؤهلة للحصول على “مركز استشاري” في الأمم المتحدة، وهو المركز الذي ناضلت من أجل الحصول عليه منذ عام 2011 وحصلت عليه أخيرًا في عام 2015 8. وبعد عامٍ واحد، انتخب الزير رئيسًا لـ “مؤسسة الفلسطينيين في أوروبا” من خلال الانتخابات التي أجريت في فيينا. وحصل على الدعم الكامل من 29 منظمة فلسطينية منتشرة في جميع أنحاء المسلمين، ما زاد من مكانته ونفوذه9.

فرّ الزير، الذي ولد في بيت لحم في ديسمبر 1962، من فلسطين مع عائلته إلى الأردن خلال حرب 1967. وحصل على الجنسية الأردنية، التي لا يزال يحملها، بالإضافة إلى جنسيته البريطانية، التي حصل عليها بعد انتقاله إلى المملكة المتحدة في فترة التسعينيات10. في أكتوبر 2013، مُنع من دخول الأردن، وذلك بسبب انتمائه إلى حماس، حيث كان يخطط لحضور مؤتمر حول حق العودة والاجتماع برئيس الوزراء عبد الله النسور11. ويدّعي أنصاره أن الحظر الأردني عليه كان بسبب معلومات أمنية من إسرائيل، التي تضعه على قائمة “المطلوبين”.


ماجد الزير
وفي ديسمبر 2010، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن منظمة الزير “غير قانونية” بسبب انتمائها إلى حماس12. وقالت إسرائيل إن مركز العودة الفلسطيني “متورط في بدء نشاط متطرف وعنيف ضد إسرائيل وتنظيمه”، مضيفة أن الزير كان على اتصال بقادة حماس في ذلك الوقت في دمشق وغزة13. لكن هذا لم يكن سرًا، خاصة بعد ظهور صورة للزير على الإنترنت، تظهره في مؤتمر عام 2008 في دمشق مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس آنذاك.

كما استند تصنيف إسرائيل للمنظمة بالإرهاب إلى استضافة مركز العودة الفلسطيني لرئيس حركة حماس إسماعيل هنية في عام 2009 عبر الفيديو14. وقد نفى الزير مرارًا اتهامات الانتماء إلى حماس، مبررًا قرار استضافة هنية بالقول إنه كان رئيس وزراء فلسطين، أو على الأقل جزءًا من فلسطين، في إشارة إلى قطاع غزة التي تحكمها حماس. عندما اتصل هنية هاتفيًا لتهنئته على المركز الذي حصلت عليه منظمته في الأمم المتحدة في عام 2015، خرج مكتب الزير ببيان، نفى فيه أن يكون مثل هذا الاتصال الهاتفي قد حدث على الإطلاق15.

ثم تقدمت تل أبيب بدعوى إرهابية ضد الزير إلى “قائمة التحقق العالمية” (World-Check)، وهي قاعدة معلومات مالية تملكها شركة تومسون رويترز، ما دفع مصرف “اتش إس بي سي” إلى إغلاق حساباته المصرفية وحسابات مركز العودة الفلسطيني16. تحرك الزير سريعًا ونقل الحساب إلى “مترو بنك”، الذي أغلق الحساب أيضًا بسبب تصنيف المركز كمنظمة إرهابية. ورفع الزير قضية ضد تومسون رويترز، وكسبها، ومن ثم رفع اسمه في يناير 2019 17. كما حصل على 13,000 دولار كتعويضات بالإضافة إلى الرسوم القانونية18.

عادل عبدالله

وجهت اتهامات مماثلة بالإرهاب الى الجمعية الاسلامية الفلسطينية في فيينا ورئيسها عادل عبد الله الذي يشغل أيضًا منصب الأمين العام لمؤتمر فلسطينيي أوروبا. وقد رفعت قضايا على المنظمتين في المحكمة بسبب ما اعتُبر تبني أجندة إرهابية، إلا أن القضاء النمساوي برّأ المنظمتين في عام 2008. بل إن عبد الله، الذي ينتمي لحماس، قد مُنح مقابلة مع الرئيس النمساوي هاينز فيشر19. وانتشرت صورته مع فيشر على شبكات التواصل الاجتماعي الفلسطينية، وظهرت على ما يبدو في ذلك الوقت كشهادة على “براءته” من أي صلةٍ له بحماس.


عادل عبد الله
في الواقع، بدا أن عبد الله قد تمت تبرئته لدرجة أن منظمته شاركت في يناير 2009 في استضافة فعالية مع وزارة العدل النمساوية، لدعم الفلسطينيين في غزة، الذين تصادف أنهم يعيشون تحت حكم حماس20. وبعد عام استضيف عبد الله في مؤتمر للأمم المتحدة في فيينا لمناقشة المجتمع المدني الفلسطيني، ثم نظم مؤتمرًا في برلين لدعم الفلسطينيين العالقين في مخيم اليرموك في سوريا. وكان العديد منهم من المدنيين، لكن آخرين كانوا من المقاتلين التابعين لحماس، الذين تسلحهم قطر وتركيا لإسقاط الجيش السوري في عام 2011. حضر عادل عبد الله مؤتمر فيينا كعضو في مركز العودة في لندن وليس بصفته قائدًا للمنظمة التي تتخذ من فيينا مقراً لها21.

بعد مضي تسع سنوات، ظهر عبد الله في غزة، جنبًا إلى جنب مع إسماعيل هنية، ومن ثم قضى على أي إنكار، لصلته بحماس، كان قد اكتسبه من نظام العدالة النمساوي.

ولد أبو راشد في عام 1966، ويحمل الجنسيتين الفلسطينية والهولندية، وصعد نجمه بسبب نشاطه في حركة أسطول الحرية التي كانت تهدف إلى كسر الحصار عن غزة في عام 2011، إحدى بنات أفكار أردوغان. وذكرت تقارير اخبارية اسرائيلية أن هذه الحملة تم تنسيقها بشكل تام مع قيادة حماس. وقد رتّب أبو راشد لتمويل الرحلة وشراء الأسطول، بالإضافة إلى التدرب مع طاقمها في اليونان22. وقد وصفه وزير الشؤون العامة الإسرائيلي يولي إدلشتاين بأنه “عضو في حماس” معروف بـ “جمع الأموال من أجل عمليات حماس الإرهابية”23. وكان عضوًا في “مؤسسة الأقصى” في روتردام، وأصبح في وقت لاحق الأمين العام للمنتدى الشعبي في هولندا.

الخلاصة

إن تحديد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا وفروعها مهمة صعبة؛ نظرًا للمدى الذي تذهب إليه الحركة في إخفاء أنشطتها. كما أنها أيضًا مهمة أثبتت فيها النظم القانونية في أوروبا أنها غير مؤهلة بشكل كافٍ لأسباب وجيهة تتعلق بالثقافة السياسية للدول الليبرالية.

المصدر: كيوبوست