أحجار شطرنج على ساحة السياسة

إخوان الجزائر في خندق المصالح على حساب الوطن

المرجع

تزامن الظهور العلني لجماعة الإخوان في الجزائر مع إقرار قانون الثروة الزراعية عام 1976، من قِبَل رئيس الجزائر -وقتها- هواري بومدين، فاستغلت الجماعة ذلك، وعملت على ترويج فكرة أن القانون يُمثل مؤامرةً على الأسر الفقيرة والطبقة المتوسطة؛ ما جمع قطاعًا عريضًا من الجزائريين، ابتلعوا سُم تلك الفكرة في الخطاب الديني الإخواني، واللعب على وتر تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حينذاك.  

 

 حمس والموحدون

 

مع تدشين أول فرع للإخوان بالجزائر باسم «الموحدون» توالت الانقسامات والانشقاقات، وظهرت بعدها كيانات كثيرة تنتمي جميعها إلى الإخوان؛ فالبعض اعتبر هذا التناحر صراع على الزعامة، وآخرون أكدوا أنها لعبة توزيع أدوار للخروج بأكبر قدر من المكاسب.

منذ تأسيسها عام 1989، كانت حركة مجتمع السلم «حمس» تغازل النظام الحاكم وتنخرط معه في حوارات، وفي حين كان يُفترض أنها تعمل كفرع لجماعة الإخوان؛ إلا أنها فضّلت التقارب الودي مع السلطة على التموضع الثوري، حتى في خضم تمسك الإخوان بإقامة دولة إسلامية.

ووضع المؤسس محفوظ نحناح، استراتيجية تعتمد على المشاركة والمرحلية، متخذًا طابع برجماتي إذ اعتبر أنه لا يمكن إقامة دولة إسلامية إلا مع الدولة القائمة، وليس ضدها، في الوقت ذاته كانت الدولة تتخذ إجراءات ضد التغلغل الإخواني في مفاصلها.

ويعتمد رئيس «حمس» الحالي، عبد الرزاق مقري، على النهج البرجماتي ذاته، فيفضّل الحوار والتسويات مع النظام، وحفظت هذه الاستراتيجية  للحركة موقعها كلاعب سياسي رئيسي في الجزائر؛ الأمر الذي  أضعف ادعاءاتها بأنها قوة معارضة وأفقدها بعض الدعم من الجمهور، ما دفعها إلى طريق سياسي مسدود.

أما حركة البناء الوطني، القريبة من الأيدولوجية التي أنشأها مصطفى بلمهدي الذي كان عضوًا في حركة الدعوة والتغيير_ التي غُيِّر اسمها إلى جبهة التغيير الوطني 2011_ ، وانشق عنها لقيادة حركة البناء الوطني في مارس2013.

وتتبنى «البناء الوطني» استراتيجية الموالاة، وخاض مرشحها عبد القادر بن قرينة، سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية مع 4 مرشحين آخرين، ليصبح الممثل الوحيد للأحزاب الإسلامية في الاستحقاق الرئاسي، وأعلنت الأحزاب الإخوانية عدم التصويت له وبعضهم قاطع الانتخابات.

 

من أجل النهضة

 

في الوقت الذي انقسمت فيه الأحزاب الإخوانية بشأن اختيار النائب عن الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء الجزائري في يوليو الماضي، «سليمان شنين»، رئيسًا للبرلمان الجزائري بالأغلبية خلفًا لـ«معاذ بوشارب» من حزب جبهة التحرير الوطني، ووصفوه بالمسرحية، اعتبرته حركة البناء الوطني ثورة حقيقية تؤسس لجزائر جديدة، معتبرة أن هذه الخطوة هي بداية انفراج حقيقي للأزمة، ونقل لمطالب الحراك من ساحات النضال والتظاهر إلى ساحات السلطة والمؤسسات.

فيما توازن جبهة العدالة والتنمية بين المهادنة والمعارضة، حسب ما تقتضي الأمور، تارة يخرج رئيسها عبد الله جاب الله للهجوم على الحكومة والنظام السياسي، وأخرى يلتزم الصمت، أو يتقرب للحراك الوطني بالدعوة للخروج في مسيرات والتحذير من اختراقها مما أسماهم بأصحاب الأجندات.

 

الكيان الآخر 

 

وتعتبر حركة النهضة الجزائرية، كيانًا آخر للإخوان، تجاهد في أغلب الأوقات للتغلب على الانقسامات الداخلية، أو بالأحرى الصراع على الزعامة بين قيادات الحركة، لاسيما أن المتتبع لها يجد أن ملف التعامل مع السلطة من الملفات العالقة، التي تؤرق «النهضة»؛ لذلك تهادن في أوقات وتهاجم في أخرى، وفق ما تقتضيه المرحلة التي تمر بها البلاد.

 

خندق المصالح 

 

في هذا الصدد،  قال الإعلامي الجزائري، علاء الدين مقورة، رئيس تحرير موقع «الخبر برس»، إن جماعة الإخوان تتخندق مع أي فصيل طالما يحقق مصالحها، مشيرًا إلى أن الجماعة في الجزائر شاركت في أعراس السلطة من قبل.

وأضاف لـ«المرجع» أن الإخوان كانوا حجرًا في شطرنج السلطة السابقة، ودائمًا يتوافقون مع الجهات التي تضمن بقائهم.

أما «إسماعيل ناجي الشيخ» عضو مجلس الشورى الوطني لـ«النهضة» وعضو المكتب الوطني سابقًا، يشرح الحالة التي توجد عليها جماعة الإخوان في الجزائر، مؤكدًا أنها تُهيمن عليها أفكار عدة: منها «الأبوية» و«الزعيم الأوحد» و«الجيل المؤسس»، وكلها تحتاج إلى تصفية وتمحيص؛ كي تتخلص منها الجماعة، لا سيما أنها أفكار تصطدم بالواقع والدين، الذي يرفض صراع الأجيال، أو الطبقات، مثلما ورد في القرآن الكريم «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ».

وأوضح لـ«المرجع» أن جماعة الإخوان مخطئون، ودائمًا يمنعهم الولاء للأشخاص من قول الحق، فيصمتون عن الخطأ ويقولون لا تنتقد فلانًا، وإن فعلت، يصنفون الانتقاد بأنه سوء أدب وتجرؤ على الرموز».

وأضاف أن حركة مجتمع السلم «حمس» والنهضة، خسرا من مشاركتهما في التحالف الرئاسي من قبل، وتراجعت شعبيتهما؛ لأن تربيتهما كانت حزبية أكثر منها اجتماعية، إذ أوضح أنه لا يوجد خلاف جوهري بين «حمس» والنهضة، ولكن هناك وجهات نظر متعددة في أساليب التعاطي مع المحيط الذي نعيش فيه بكل مكوناته، مبينًا: في كل منهما هناك استعلاء .ووصاية، سواء أدركنا ذلك أم لم ندرك.