الأزمة الليبية
استرضاء الدبيبة لبرقة تعزيز للثقة أم مقدمة لاستبعاد حفتر

يدرك أنه لن يستطيع حكم ليبيا ما دام حفتر في المشهد
تختلف قراءة الأوساط الليبية لتحركات حكومة الوحدة الوطنية لاسترضاء إقليم برقة الواقع تحت سيطرة الجيش، ففي حين يرى البعض أنها خطوة لتعزيز الثقة بين الشرق والغرب وإسقاط الحواجز التي تشكلت بعد نحو عقد من الحروب، ينظر آخرون إلى تلك الخطوات كمحاولة لاستبعاد القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر بهدوء من المشهد السياسي في ليبيا.
وأعلن مجلس الوزراء الليبي الخميس إنشاء صندوق سيادي بذمة مالية مستقلة تبلغ نحو 335 مليون دولار أميركي لإعادة بناء مدينتي بنغازي ودرنة.
جاء ذلك في قرار لمجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية نشرته منصة “حكومتنا” التابعة للحكومة على موقعها الرسمي.
وبحسب القرار “ينشأ صندوق سيادي يسمى ‘صندوق إعمار مدينتي بنغازي – درنة’ يتمتع بالشخصية الاعتبارية، والذمة المالية المستقلة، يتبع مجلس الوزراء، ويكون مقره بمدينة بنغازي”. ويمول هذا الصندوق “بمبلغ مليار و500 مليون دينار ليبي”، وفق القرار.
وبحسب القرار “يهدف الصندوق لإعادة إعمار وتأهيل المناطق التي دمرتها الحروب وإزالة آثارها بمدينتي بنغازي – درنة، بما يحقق الأهداف التنموية ومعالجة الأضرار الحاصلة في المباني والبنى التحتية”.
وجاءت هذه الخطوة بعد زيارة قام بها أعيان وشيوخ قبائل إقليم برقة الأربعاء إلى طرابلس تلبية لدعوة رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة للإفطار.
وأظهرت صور ومقاطع فيديو الدبيبة بصدد تسجيل مطالب ضيوفه عقب تناول الإفطار معهم. وفي نفس اليوم ظهر الدبيبة في حوار مع قناة الجزيرة حيث قدّم اعتذارا لأهل برقة بشأن تصريحات سابقة على خلفية لقائه مهجرين من بنغازي قال فيها إنه سيعيد المدينة إلى حضن الوطن وهو ما أثار استياء شعبيا واسعا في المنطقة الشرقية.
وقال الدبيبة إن وصفه السابق “عن عودة مدينة بنغازي إلى حضن الوطن كان في جلسة غير رسمية وقلته حتى على مدينتي مصراتة في السابق.. وقد خانني التعبير”.
ورغم محاولات المذيع استدراجه لانتقاد حفتر إلا أنه تجنب إظهار وجود خلافات وقلّل من أهمية حادثة منع طائرة حكومته من النزول ما تسبّب في إلغاء أول اجتماع حكومي في بنغازي منذ سنوات. وأضاف الدبيبة أن حكومة الوحدة الوطنية ستعقد قريبا اجتماعا في مدينة بنغازي بالتنسيق مع القوات الأمنية.
وحملت زيارة وفد الأعيان وشيوخ القبائل إلى طرابلس رسالة إلى حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح مفادها “لم تسمحوا لنا بزيارة بنغازي ها قد أتت إلينا”. ويقول مراقبون إنّ الخطوات التي تتّخذها الحكومة الجديدة تسحب البساط من تحت حفتر وتخصم من شعبيته.
ويرى هؤلاء أن قرار إنشاء صندوق سيادي لإعمار بنغازي ودرنة فيه رد مبطّن على المشاريع التي سبق أن أعلن عنها حفتر ببناء ثلاث مدن في محيط بنغازي لاستيعاب 12 مليون ساكن.
واعتبر إعلان حفتر حينئذ دعاية انتخابية مبكرة في حين رأى آخرون أنه محاولة للتقليل من أهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية على دوره وظهوره في شكل القائد المتحكم في زمام الأمور وليس عسكريا خاضعا بشكل مطلق للسلطة المدنية.
ويدرك الدبيبة، الذي لا يستبعد مراقبون إمكانية بقائه في السلطة لما بعد الانتخابات القادمة سواء عن طريق تسويات أو بتعديل الاتفاق السياسي الذي يمنع ترشحه، أنه لن يستطيع حكم ليبيا ما دام حفتر في المشهد لذلك سيحاول التخلص منه واستبعاده بهدوء.
ويقول متابعون إن الحديث المستمر بشأن ضرورة توحيد الجيش يحمل دعوة مبطّنة للخط القيادي الثاني في قوات الجيش لأن يكون ضمن آليات السلطة الجديدة.
ويبدو أن جهات استشعرت خطورة أن تؤثّر الخطوات التي اتخذتها الحكومة على شعبية الجيش ودوره لذلك لا يستبعد متابعون أن تكون تلك الجهات وراء افتعال أزمة الكهرباء خلال الأيام الماضية خاصة في المنطقة الشرقية التي لم تسجل اضطرابات في توزيع الكهرباء منذ فترة طويلة.
وقال الدبيبة الأسبوع الماضي إن انقطاع الكهرباء حدث بعد 17 يوما من دون انقطاع وأن الأزمة التي حدثت كانت بفعل فاعل، مشيرا إلى أن هدفهم من كل ذلك هو إشعال فتيل الحرب مرة أخرى.
وتحاول الحكومة الإيفاء بتعهداتها بتحسين الخدمات خاصة إنهاء أزمة الكهرباء حيث تعاقدت مع شركات تركية لصيانة الشبكة كما قامت مؤخرا بصرف رواتب الأشهر الأربعة الماضية إضافة إلى صرف منحة الزوجة والأبناء المتوقفة منذ نحو سنة، رغم عدم موافقة البرلمان على الميزانية إلى الآن.
واقترض الدبيبة حوالي مليار و700 مليون دينار ليبي من المصرف المركزي مع إقرار بالسداد حال اعتماد الميزانية من قبل البرلمان.
في المقابل ينظر ليبيون إلى تقرب الدبيبة من برقة واسترضاء قبائلها كمحاولة لتعزيز الثقة وكسر الحواجز التي أرستها سنوات الانقسام والاقتتال. ويرى هؤلاء أن الهدف من كل ذلك هو إقرار البرلمان للميزانية حيث سبق أن رفض مقترحا تقدمت به يفوق مليار دينار ليبي.
وأعاد البرلمان مقترح الميزانية لأجل دراستها ومراجعتها بعد رصد العديد من المخالفات، وفقا لما ورد في تقرير اللجنة المالية التي اقترحت خفض الميزانية وقتها إلى 78.5 مليار دينار، لكن الحكومة أعادت إرسال مقترح جديد بلغت قيمته 93 مليار دينار.