غضب عراقي متصاعد من التدخلات الايرانية..

عراقيون يجددون حرق قنصلية إيران في النجف رفضا لتدخلاتها

رغم أن معظم المتظاهرين ينددون بالسيطرة الإيرانية على مفاصل الحكم ويطالبون بكفّ يد الجارة عن أي سلطة مقبلة، لا يبدو أن لدى طهران عزماً على تسجيل سقوط عبدالمهدي كخسارة في سجل سياساتها في المنطقة.

رغم أن معظم المتظاهرين ينددون بالسيطرة الإيرانية على مفاصل الحكم ويطالبون بكفّ يد الجارة عن أي سلطة مقبلة

بغداد

يصر المحتجون في العراق على تحميل ايران مسؤولية الأزمة وسفك دماء المحتجين وذلك بتحريض حلفائها في وقت تصر فيه طهران على التدخل في شؤون المنطقة والركوب على التغييرات السياسية.
وفي هذا الاطار أفاد مصدر أمني بأن محتجين أضرموا، مساء الثلاثاء/النيران في قنصلية إيران بمدينة النجف جنوبي البلاد وذلك للمرة الثالثة في غضون 6 أيام. 
وقال ضابط شرطة برتبة نقيب في شرطة النجف - فضل عدم الكشف عن هويته ، إن محتجين أضرموا النيران مرة أخرى في مقر قنصلية إيران بمدينة النجف. 
وأضاف أن المقر كان خالياً تماماً عند إشعال النيران به، وأن فرق الدفاع المدني تعمل على إخماد الحريق. 
وهذه ثالث مرة يتم فيها إضرام النيران بالقنصلية في غضون 6 أيام، حيث أضرم متظاهرون النيران فيها قبل يومين، بينما كانت المرة الأولى ليل الأربعاء - الخميس الماضي. 
وفي أعقاب إضرام النيران في القنصلية المرة الأولى، شهدت محافظتا النجف وذي قار، جنوبي البلاد، موجة عنف دامية هي الأكبر منذ بدء الاحتجاجات في العراق مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث قتل 70 متظاهراً في غضون يومين على يد قوات الأمن ومسلحي "ميليشات" مجهولة. 
وسياسيا تتكثّف المشاورات في بغداد بحثاً عن بديل من رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي، على وقع مساع يخوضها حلف طهران-بيروت لإقناع القوى السياسية الشيعية والسنية بالسير بأحد المرشحين وسط استمرار أعمال العنف في جنوب البلاد.
وحتى قبل أن يعلن البرلمان الأحد موافقته رسمياً على استقالة عبدالمهدي وحكومته، بدأت الأحزاب السياسية اجتماعات و"لقاءات متواصلة" للبحث في المرحلة المقبلة.
ورغم أن معظم الشارع العراقي المتظاهر ، يندد بالسيطرة الإيرانية على مفاصل الحكم ويطالب بكفّ يد الجارة عن أي سلطة مقبلة، لا يبدو أن لدى طهران عزماً على تسجيل سقوط عبدالمهدي، الذي كان يحظى بدعمها، كخسارة في سجل سياساتها في المنطقة.
وقال مصدر سياسي مقرب من دوائر القرار في العاصمة العراقية إن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني "موجود في بغداد للدفع باتجاه ترشيح إحدى الشخصيات لخلافة عبدالمهدي".

 

وأشار المصدر نفسه إلى أن "مسؤول ملف العراق في حزب الله اللبناني الشيخ محمد كوثراني، يلعب أيضاً دوراً كبيراً في مسألة إقناع القوى السياسية من شيعة وسنة في هذا الاتجاه".
لكن على المقلب الآخر، يشير مراقبون إلى أن هناك قلقاً لدى بعض الشخصيات من تسلم المنصب في خضم الأزمة، تخوّفاً من السقوط السياسي على غرار ما حصل مع رئيس الوزراء المستقيل.
ولا يزال على الأخير التعاطي مع الأزمة حالياً كرئيس حكومة تصريف أعمال، والتصدي لمسائل عدة منها "الحشد الشعبي، العقوبات، الموازنة، وقتلى التظاهرات" الذين بلغ عددهم 420 شخصا.
وليل الثلاثاء سقطت خمسة صواريخ على قاعدة عسكرية في غرب العراق يتمركز فيها جنود أميركيون، ولم تفد قوات الأمن العراقية بسقوط قتلى أو جرحى.
والثلاثاء حضّت ممثلة الامم المتحدة في العراق جانين هينيس-بلاشيرت السلطات العراقية على الاستجابة لتطلعات الشعب العراقي، مؤكدة مجددا أن استخدام القوة ضد العراقيين أمر "لا يمكن التسامح معه".
ودعت هينيس بلاشيرت القادة السياسيين إلى "عدم إضاعة مزيد من الوقت والارتقاء إلى مستوى الأحداث".
ضمان "المكاسب" الكردية

لكن عبدالمهدي أكد عشية استقالته، أن تصريف الأعمال "مضيعة للوقت"، وبالتالي قد تؤول الأمور موقتاً، ودستورياً، إلى يد رئيس الجمهورية برهم صالح.
ورغم أن صالح، الكردي، كان من الداعين إلى انتخابات مبكرة، وبالتالي إطاحة عبدالمهدي، الذي كان يعتبر حليفه قبل التظاهرات، فإن الأكراد ينظرون بترقّب كبير إلى نتاج ما يدور من مشاورات في بغداد.
والثلاثاء أعربت حكومة كردستان العراق عن أملها بتطبيق اتفاق مبدئي تم توقيعه قبل أيام من استقالة عبدالمهدي رصد لها حصة في موازنة العام 2020 مقابل تصدير النفط الخام عبر قنوات حكومة بغداد.
وتركّز المساعي الكردية اليوم، بحسب ما يقول الباحث في كلية الدراسات العليا في العلوم السياسية بباريس عادل بكوان على "ضمان ألا يؤثر أي إصلاح محتمل للدستور على ما تعتبره الأحزاب السياسية الكردية مكاسب لها".

ويضيف "على سبيل المثال: الهوية العراقية، اللغة الكردية، المادة 140 (من قانون بريمر للمناطق المتنازع عليها)، وغيرها".
وعليه يعمل الأكراد على توحيد الصف في البرلمان للوقوف بوجه أي قرار يطال تلك المكاسب.
ويسعى البرلمان بدوره إلى درس قانون انتخابي جديد يفترض أن يؤدي إلى مجلس نواب أقل عدداً وأوسع تمثيلاً.
كل ذلك يبقى في مواجهة الشارع، حيث تتواصل التظاهرات في بغداد ومدن جنوبية، داعية إلى إنهاء نظام المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب.
وبعدما كانت مقتصرة على الدعوة الى توفير فرص عمل وخدمات عامة، تصاعدت مطالب المحتجين الذين ما زالوا يسيطرون على ساحات التظاهر، لتشملَ إصلاح كامل المنظومة السياسية التي أرستها الولايات المتحدة بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
الشارع يريد المحاسبة
أصبح تغيير الطبقة السياسية المتهمة بالفساد وتبخر ما يعادل ضعف الناتج المحلي للعراق الذي يعد بين أغنى دول العالم بالنفط، مطلباً أساسيا للمحتجين.
وتواصلت أعمال العنف في مدينتي النجف وكربلاء المقدستين لدى الشيعة بجنوب العراق ففي النجف التي دخلت في دوامة العنف مع إحراق القنصلية الإيرانية مساء الأربعاء، حاول متظاهرون الدخول إلى مرقد محمد باقر الحكيم رجل الدين العراقي الشيعي البارز. وقد جرح 35 شخصا في صفوف المحتجين بعدما أطلق مسلّحون يرتدون ملابس مدنية أعيرة نارية وقنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، وفق ما أفاد شهود.
وتحاول شخصيات عشائرية بارزة منذ أيام عدة، التفاوض على آلية للخروج من الأزمة، بينما ناشد محافظ النجف سلطات بغداد وقف العنف، الذي تقول قوات الأمن المحلية إن لا حول لها فيه ولا قوة.
ودعا زعماء العشائر الثلاثاء، رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ومقاتليه من "سرايا السلام"، إلى التدخل.
لكن الصدر لم يستجب حتى الساعة، هو الذي نزل رجاله بأسلحتهم في بغداد بداية تشرين الأول/أكتوبر، تعهد بـ"حماية" المحتجين.

 

وفي كربلاء، وقعت مواجهات جديدة ليلاً بين المتظاهرين والشرطة التي أطلقت الرصاص والقنابل المسيلة للدموع لتفريقهم
وفي مدينة الناصرية الجنوبية، التي قتل فيها أكثر من 40 محتجاً خلال يومي الجمعة والسبت، تلقت محكمة الاستئناف المحافظة (ذي قار) نحو مئة شكوى من أقارب القتلى أو الجرحى ضد رئيس خلية الأزمة في المدينة المقال اللواء جميل الشمري، بحسب ما أفاد مصدر قضائي.
ونشرت الشرطة تعزيزات في مدينة الناصرية التي قتل فيها أكثر من 40 محتجاً يومي الجمعة والسبت، وفي مدينة البصرة.
ووصل نحو 500 عنصر من قوات الأمن إلى الناصرية ونحو 150 إلى البصرة لتعزيز أمن السجون حيث يقبع جهاديون، وذلك تحسّبا لأي محاولة استفادة من الفوضى القائمة للفرار.
وفي بغداد أعلنت السلطات الثلاثاء إطلاق سراح 16 متظاهرا كانوا قد أوقفوا خلال الاحتجاجات.
وأعلن رئيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق أن الطائفة لن تقيم احتفالات عامة بعيد الميلاد احتراما للقتلى والجرحى الذين سقطوا في الاحتجاجات.