الميليشيات الشيعية تقصف مواقع سيادية احتفاء بنصرها على الحكومة العراقية

قصف الميليشيات الشيعية لمطار بغداد الدولي وقاعدة بلد الجوية جاء مقترنا هذه المرّة بالنصر الذي حققّته تلك الفصائل المسلّحة الموالية لإيران على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بإجبارها على إطلاق سراح القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح رغم خطورة التهم الموجّهة إليه والتي تراوحت بين الفساد والإرهاب، الأمر الذي يعني انعدام الحلول لتغوّل الميليشيات على حساب الدولة العراقية وهيبتها.

انتصرنا

بغداد

 أَتْبَعت الميليشيات الشيعية في العراق إطلاق سراح أحد كبار قادتها الذي كان محتجزا على ذمّة التحقيق في قضايا إرهاب وفساد بقصف موقعين سياديين في العاصمة بغداد ومحافظة صلاح الدين، وذلك في خطوة اعتبرتها مصادر سياسية عراقية رسالة تحدّ للدولة وإعلان انتصارٍ على رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والقوات النظامية الخاضعة لإمرته بعد أن “تجرّأت” على توقيف قيادي في الحشد الشعبي.

وتمّ، الأربعاء، إطلاق سراح قاسم مصلح قائد قوات الحشد في محافظة الأنبار غربي العراق بعد أن ظل محتجزا منذ السادس والعشرين من مايو الماضي بأمر من الفريق أحمد أبورغيف وكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات، وهو أيضا قائد القوة الخاصة التي اعتقلت مصلح.

وتراوحت التهم التي أوقف القيادي في الحشد على ذمتها بين التورط في عمليات فساد مالي والضلوع في اغتيال نشطاء سياسيين والمشاركة في استهداف مواقع داخل العراق تضم جنودا ودبلوماسيين أميركيين.

وفور إلقاء القبض على مصلح ثارت ثائرة الميليشيات التي بادرت باقتحام المنطقة الخضراء المحصّنة داخل بغداد والتي تضمّ أهمّ المقار الحكومية والسفارات الأجنبية، وحاصرت مقرّ إقامة رئيس الوزراء، بينما شنّ الإعلام التابع للميليشيات وللأحزاب ذات الصلة بها حملة شعواء على الكاظمي وصلت حدّ تخوينه واتّهامه بـ”العمالة” للولايات المتّحدة.

وبفارق ساعات قليلة على إطلاق مصلح، تمّ استهداف مطار بغداد الدولي حيث يتمركز عسكريون أميركيون، بثلاث طائرات مسيّرة أسقطت واحدة منها، وفق ما أفاد الجيش العراقي في بيان صدر الخميس.

وقالت خلية الإعلام الأمني إن واحدة من الطائرات الثلاث أسقطت، مضيفة أنها ستكشف لاحقا عن مصير الطائرتين المتبقيتين اللتين استخدمتا أيضا في الهجوم.

وحمل الهجوم على مطار بغداد تطوّرا نوعيا رغم أنّه رابع هجوم بطائرة مسيرة مفخخة يجري في العراق، لكنه الأوّل من نوعه الذي يتّم باستخدام هذه التقنية الهجومية في العاصمة العراقية.

وينسب خبراء هذه التقنية إلى الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق وهي مطابقة للطريقة المعتمدة في اليمن من قبل المتمردين الحوثيين الموالين إيضا لإيران في الهجمات التي يشنّونها على أهداف داخل الأراضي السعودية.

وسقط ليلة الأربعاء إلى الخميس اثنان من خمسة صواريخ من نوع كاتيوشا أطلقت على قاعدة بلد الجوية بالقرب من مقر الشركة الأميركية المختصة بصيانة طائرات أف-16 العراقية التي تضمها القاعدة.

وقال مصدر أمني إنه لم تسجل إصابات أو أضرار، بينما سقطت ثلاثة صواريخ خارج القاعدة التي غالبا ما تتعرض لهجمات أرغمت شركة لوكهيد مارتن الأميركية للصناعات الدفاعية على مغادرتها قبل حوالي شهر.

وبهذين الهجومين ارتفع إلى 42 عدد الهجمات التي طالت المصالح الأميركية في العراق منذ بداية العام. وتنسب واشنطن تلك الهجمات لفصائل عراقية مسلحة مقربة من إيران كانت توعدت بشكل متكرّر بتصعيد الهجمات لإرغام القوات الأميركية على الانسحاب من البلاد.

واستهدفت الهجمات السفارة الأميركية في بغداد وقواعد عسكرية عراقية تضمّ أميركيين ومطاري بغداد وأربيل في إقليم كردستان العراق فضلا عن مواكب لوجستية للتحالف. وقتل فيها متعاقدان أجنبيان مع التحالف وآخر عراقي.

واحتفل الموالون لإيران بإطلاق سراح قاسم مصلح باعتباره “انتصارا للحشد”، لكن الخطوة أكّدت مجدّدا محدودية قدرات الحكومة على السيطرة على الميليشيات وضبط فوضى السلاح في البلاد.

واشتد الصراع الأمني والسياسي بين الميليشيات والكاظمي منذ مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ورئيس أركان الحشد أبومهدي المهندس في غارة جوية أميركية قرب مطار بغداد مطلع العام الماضي. وتتهم تلك الفصائل الكاظمي بمساعدة الأميركيين على اغتيال سليماني والمهندس.

وفي ديسمبر الماضي اقتحمت قوات من الحشد تابعة لفصيل عصائب أهل الحق المنطقة الخضراء بعد ساعات على توقيف قوات الأمن لشخص ينتمي للفصيل بتهمة قصف المنطقة الخضراء بالصواريخ، ليتم لاحقا إطلاق سراحه.

وترفض الفصائل الشيعية أي عمليات اعتقال لعناصرها تقوم بها قوات من الجيش أو الشرطة أو قوات مكافحة الإرهاب. ووفق القانون العراقي يتلقّى الحشد الشعبي (نظريا) أوامره من قيادة العمليات المشتركة التي تتبع وزارة الدفاع وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة الذي هو رئيس الوزراء نفسه.

بفارق ساعات قليلة على إطلاق مصلح، تمّ استهداف مطار بغداد الدولي حيث يتمركز عسكريون أميركيون، بثلاث طائرات مسيّرة أسقطت واحدة منها

ورغم تبعية الحشد صوريا للقوات المسلحة غير أن نفوذه تصاعد بشكل كبير وبات أقوى من مؤسسات الدولة الأخرى بما في ذلك القوات النظامية التي لا يتلقّى أوامره من قياداتها بل من قادة الميليشيات التي يتكّون منها وهم بدورهم مرتبطون بالحرس الثوري الإيراني الذي تقول مصادر عراقية إنّه من يتولّى الإشراف الفعلي على ميليشيات الحشد.

ويفسّر ذلك وجود قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني في بغداد بالتزامن مع اعتقال مصلح حيث قالت مصادر عراقية إنّ الضابط الإيراني لعب دورا رئيسيا في إطلاق سراحه الذي جاء بحسب السلطات العراقية استنادا إلى قرار قضائي تمّ اتّخاذه بسبب عدم كفاية الأدلّة ضدّه.

واعتبر التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش في العراق، الخميس، أن الهجمات ضد الحكومة المركزية وإقليم كردستان والتحالف تقوض سيادة القانون في البلاد.

وجاء ذلك في تغريدة على تويتر للمتحدث باسم التحالف واين ماروتو في أول تعليق على استهداف قاعدة بلد الجوية ومطار بغداد الدولي. وقال ماروتو “كل هجوم ضد الحكومة العراقية وإقليم كردستان والتحالف الدولي، يقوض سلطة المؤسسات العراقية، وسيادة القانون والسيادة الوطنية العراقية”.