جذور الشراكة غير الشفافة..

فضيحة شراء تنظيم مونديال 2022 تقترب من أمير قطر

وكالات

قطر تجد صعوبة كبيرة في التخلّص من الشكوك العميقة المخيّمة على طريقة حصولها على امتياز استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022. بل إنّ التوجّه إلى إعادة فتح الملف من قبل القضاء الفرنسي قد يحوّل القضية من مجرّد الشكوك إلى فضيحة مكتملة الأركان لا تستثني رأس هرم السلطة القطرية ومسؤولين فرنسيين سابقين من أعلى مستوى.

لم تنجح قطر رغم ضخامة المقدّرات المالية التي رصدتها استعدادا لاحتضان نهائيات كأس العالم 2022، ولا فخامة المنشآت التي تقدّم إنجازها بشكل كبير، في استبعاد إمكانية أن يحوّل القضاء الفرنسي شبهة تقديم الدوحة رشاوى لأجل تغليب ملفّها على ملفّات دول أخرى نافست على تنظيم النهائيات القادمة، إلى فضيحة يمكن أن تطال أعلى رأس هرم السلطة القطرية إضافة إلى مسؤولين سابقين كبار في الدولة الفرنسية.

وفي التاسع من ديسمبر الجاري أطلق مكتب المدعي العام المالي الوطني، وهو مؤسسة قضائية أنشأها الرئيس السابق فرانسوا هولاند سنة 2013 في أعقاب الفضيحة السياسية والمالية للتهرب الضريبي الذي شارك فيه جيروم كاهوزاك نائب الوزير السابق المسؤول عن الميزانية، تحقيقا قضائيا في “الرشوة النشطة والسلبية”، فضلا عن “إخفاء وغسل هذه الجرائم” في ما يتعلق بالظروف الغامضة والمتنازع عليها التي منح فيها الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” في الثاني من ديسمبر 2010 تنظيم كأس العالم 2022 لقطر.

وكان العديد من صحافيي التحقيق قد سلطوا الأضواء بالفعل على الصفقة بين ساركوزي وقطر، وذلك في كتاب لهم نُشر سنة 2014 بعنوان “فرنسا تحت النفوذ: عندما تجعل قطر من بلادنا ملعبا لها”، حيث كشف كل من فانيسا راتينيير وبيير بان حقيقة قضية الفساد الفرنسية هذه. وكتبا “تمت مقايضة ملكية نادي باريس سان جيرمان مقابل دعم بلاتيني لملف ترشيح قطر لاحتضان المونديال. ووقعت هذه المقايضة مباشرة داخل قصر الإليزيه في خريف عام 2010.

قضية كأس العالم قد تقود إلى فتح ملفات تمويل قطر للتطرف الإسلامي في فرنسا وعلاقتها بالجهاديين في الساحل الأفريقي

وكان الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي هو من دبّر الصفقة ورتّب المصالح الخاصة لأصدقائه عن طريق ترشيح ميشيل بلاتيني لدعم قطر لاستضافة كأس العالم 2022، بالتوازي مع ترتيب دخول قطر إلى كرة القدم الفرنسية. وكان بذلك يمد يد العون لصديقه سيباستيان بازين الذي كان يريد بيع نادي باريس سان جيرمان ويصر على أن يقوم والشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي كان آنذاك يرأس مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية بإتمام صفقة بيع النادي بحضور ميشيل بلاتيني عضو الفيفا الذي يمكنه أن يشارك في تصويت حاسم لمنح الإمارة الخليجية حق استضافة بطولة كأس العالم.

وبطريق الصدفة، كان من المتوقّع أيضا أن يزيد القطريون من حصتهم في مؤسسة لاغاردير (التكتل الإعلامي متعدّد الجنسيات الذي يمتد نشاطه إلى مجال بث التظاهرات الرياضية)، في حين تم إطلاق قناة الجزيرة الرياضية في فرنسا، مما خلق بدايات لمزيج من المصالح المتبادلة.

وأفضت شبهات الفساد هذه التي تدعمها عدة تحقيقات إعلامية وقضائية، بما في ذلك التحقيقات في نيويورك وسويسرا، في نهاية المطاف إلى إيقاف السويسري سيب بلاتر رئيس الفيفا السابق في يونيو 2015 بسبب الاشتباه في ضلوعه بغسل الأموال والإدارة غير العادلة في منح حقوق استضافة كأس العالم 2018 و2022. لكن على الرغم من كل هذه الشكوك، إلا أن السلطات الفرنسية تباطأت في إصدار رد فعل.

وفي مفاجأة للجميع، شهد التحقيق الأولي في هذه القضية قفزة مذهلة إلى الأمام في 18 يونيو 2015 حين استدعى ضباط الشرطة من مكتب مكافحة الفساد في ذلك اليوم ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ونائب رئيس الفيفا من 2007 إلى 2015 الذي صوت لصالح قطر في استطلاع ديسمبر 2010، لحضور جلسة استماع. وتمّ وضعه قيد الحجز لدى الشرطة أثناء الجلسة.

وفي اليوم نفسه، استجوبت الشرطة أيضا اثنين من مساعدي ساركوزي السابقين في قصر الإليزيه؛ أمينه العام السابق كلود غيان ومستشاره الرياضي السابق صوفي ديون. ومن المفارقات أن هذا الأخير، كما كشفت عنه المجلة الإلكترونية “ميديا بارت”، يترأس الآن قسم “الأخلاق والسلامة في الرياضة” في جامعة السوربون في باريس والتي تمولّها قطر.

وحين بدأ التحقيق في الفضيحة كانت هناك بالفعل أسباب جدية للاعتقاد بأن الصفقة حدثت خلال الغداء السري الشهير في الإليزيه والذي حدث، وفقا لأرشيف الرئاسة في الإليزيه، في 23 نوفمبر 2010 قبل تسعة أيام من تصويت الفيفا الشهير.

ومن أجل الاستفادة من الود في العلاقات بين فرنسا وقطر دعا الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ولي عهد قطر آنذاك والأمير الحالي منذ عام 2013، إلى جانب ميشيل بلاتيني، إلى الغداء. وتؤكد أرشيفات الإليزيه أيضا مشاركة رئيس الوزراء القطري في ذلك الحين الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، والأمين العام للإليزيه كلود غيان، وصوفي ديون المستشار الرياضي لنيكولا ساركوزي، في مأدبة الغداء. ووفقا لمجلة “فرانس فوتبول” لكرة القدم “فإنّ المواضيع التي تمت مناقشتها خلال الغداء هي شراء القطريين لنادي باريس سان جيرمان، وزيادة مساهمتهم في مجموعة لاغاردير، وإنشاء قناة بي إن سبورت الرياضية لتنافس قناة كنال بلاس مقابل وعد بلاتيني بالتصويت لصالح قطر”.

وتمت تسمية الاتهامات التي وجهها مكتب المدعي العام المالي الوطني ضد أولئك الذين شاركوا في ما يمكن أن يطلق عليه “مأدبة غداء المتآمرين”، وهي “الفساد الخاص والتآمر الجنائي وبيع النفوذ والتكتم”.

ولأن هذا التحقيق القضائي فتح أخيرا، على الرغم من تأخره ثلاث سنوات عن التحقيقات الأولية، فهل سيتم تأكيد الشكوك وإدانة قطر وشركائها وعملائها في فرنسا؟ وهل سيتم سحب الاستضافة الملوثة لكأس العالم 2020 من قطر؟

يبدو من الصعب التنبّؤ بهذا الآن، بالنظر إلى المصالح المالية والجيوسياسية الهامة التي ستكون على المحك. ولكن مهما كانت النتيجة النهائية لهذه الفضيحة، فمن المحتمل أن يتوجه المحققون، ومعهم وسائل الإعلام، إلى ملفات غامضة أخرى مثل تمويل الإسلام السياسي المتطرف في فرنسا ودور قطر الحالي والسابق في ليبيا وتواطئها مع الميليشيات المتطرفة هناك، إضافة إلى تورطها في تمويل بعض الجماعات الجهادية في منطقة الساحل الأفريقي التي أعلنت الحرب على فرنسا في تلك المنطقة.