الورقة الأميركية الخضراء تتراجع تحت الـ16 لأول مرة مقابل الجنيه..
التحسن في أداء الجنيه.. هل ينعكس بشكل سريع على الأسعار؟
صعد الجنيه المصري ليل الاثنين بنحو ستة قروش مقابل الدولار الأميركي ليعزز مكاسبه التي بلغت ما يزيد عن 11 بالمئة منذ بداية 2019 مسجلا أعلى مستوياته في نحو ثلاث سنوات في ظل تباين توقعات المحللين لأدائه في 2020.
وسجلت البنوك المصرية أمس الاثنين تراجعا مفاجئا لسعر الدولار مقابل الجنيه المصري فاق حاجز الـ16 جنيها لأول مرة منذ منتصف العام 2017 وسط توقعات باستقرار العملة المصرية حتى نهاية الربع الأول من 2020 في ظل استمرار ثقة المستثمرين الدوليين.
وعزت صحف محلية اليوم الثلاثاء في صدر صفحاتها الأولى ارتفاع الجنيه الليلة الماضية مقابل الدولار، على لسان مصادر لم تسمها، إلى الانعكاسات الإيجابية للاتفاق التجاري بين الصين والولايات المتحدة مما أسهم في تدفق أموال الصناديق الدولية بغزارة للأسواق المالية العالمية ومنها السوق المصرية التي اجتذبت نحو 490 مليون دولار استثمارات من صناديق الاستثمار الدولية.
وقال محمد أبو باشا كبير محللي الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية هيرميس إن "العائد على الأذون والسندات مازال مرتفعا نسبيا ومغريا للمستثمرين الأجانب خاصة في ظل انخفاض معدل التضخم"، متوقعا أن يصل الجنيه في 2020 إلى متوسط سعر عند حوالي 16.25 جنيه مقابل الدولار".
وارتفع سعر الجنيه نحو 199 قرشا مقابل الدولار الأميركي منذ مطلع العام الجاري.
ويتحدد سعر الدولار في البنوك المصرية وفقًا لآلية العرض والطلب، وكلما زادت نسبة الدولارات المعروضة في السوق المحلي وتراجع الطلب عليها انخفض سعر صرف العملة الأميركية.
وتجذب مصر بين حين وآخر استثمارات أجنبية في أدوات الدين الحكومية القصيرة الأجل، لكن هذه الاستثمارات تتذبذب خروجا ودخولا في المعتاد. ولم تستطع مصر بعد جذب استثمارات أجنبية مباشرة بنفس أرقام ما كانت عليه قبل انتفاضة يناير/كانون الثاني 2011.
وقال مدير قطاع الخزانة بأحد البنوك الحكومية والذي طلب عدم نشر اسمه إن "ارتفاع الجنيه يعود إلى التدفقات النقدية للأجانب قبل بداية عطلات أعياد الميلاد".
"وأوضح أن التدفقات النقدية للأجانب في شهر ديسمبر/كانون الأول غير معتادة ولكنها جاءت هذا العام قبل بداية العطلات بسبب تراجع سعر الفائدة في تركيا بنحو اثنين بالمئة منذ أيام بالإضافة إلى الاتفاق الأميركي الصيني وكلها عوامل زادت من جاذبية السوق المصرية".
واعتاد البنك المركزي المصري على أن يعزو المسار الصاعد للجنيه أمام الدولار منذ يناير/كانون الثاني إلى زيادة التدفقات النقدية الدولارية، في حين يقول بعض المصرفيين إنه نتاج تدخل مباشر من البنك المركزي، الأمر الذي ينفيه الأخير.
وقال عمرو الألفي رئيس قطاع البحوث في شعاع لتداول الأوراق المالية عن أحدث صعود للعملة المصرية "الجنيه يواصل ارتفاعه المسجل في الآونة الأخيرة، وقد نراه عند مستوي 15.50 جنيه قبل أن يبدأ في التراجع في نهاية 2020".
وقالت رضوى السويفي رئيسة قطاع البحوث في بنك الاستثمار فاروس إن إيرادات السياحة واستثمارات الأجانب في أدوات الدين ربما تمثلان السبب الأساسي في ارتفاع الجنيه، متوقعة أن يصل متوسط سعر الجنيه مقابل الدولار إلى 16.37 جنيه في 2020.
كان البنك المركزي المصري حرر سعر صرف الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، عندما كان سعره 8.88 للدولار، في إطار برنامج إصلاح اقتصادي ارتبط بقرض قيمته 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات من صندوق النقد الدولي. وسجلت العملة أضعف مستوياتها عقب تحرير سعر الصرف عند 19.62 في ديسمبر/كانون الأول 2016.
وقال ولي الدين لطفي نائب العضو المنتدب في بنك كريدي أجريكول مصر "كل المؤشرات تشير إلى أن البلد تسير على الطريق الصحيح ثمار الإصلاح بدأت في الظهور... كل الدلائل تشير إلى تحسن موقف الجنيه مقابل الدولار. بشكل عام معدل العائد مقابل المخاطر في مصر يُعتبر جاذبا للاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين العام مقارنة بالأسواق الناشئة المنافسة".
وقال محمد معيط وزير المالية المصري في سبتمبر/أيلول الماضي إن صافي استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية بلغ 20 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف وحتى نهاية أغسطس/آب.
ولم تعلن مصر منذ ذلك الحين أي أرقام حديثة لاستثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية.
وقالت مونيت دوس محللة الاقتصاد الكلي وقطاع البنوك في إتش.سي "ننظر لارتفاع الجنيه مقابل الدولار على نحو إيجابي كمؤشر لاستمرار تدفقات العملة الأجنبية على الاقتصاد المصري. ويرجع ذلك بالأساس إلى قطاع السياحة سريع النمو وتحول مصر إلى مُصدر صاف للنفط وتدفقات مستدامة على سندات الخزانة المصرية رغم تراجع أسعار الفائدة".
وزادت إيرادات السياحة المصرية 28.6 بالمئة في السنة المالية 2018-2019 لتصل إلى 12.6 مليار دولار مقارنة مع 9.8 مليار في 2017-2018، وفقا لبيانات البنك المركزي.
وتابعت دوس "بالنظر إلى المستقبل، نعتقد أننا سنرى انخفاضا بنسبة خمسة بالمئة في الجنيه المصري بسبب فارق التضخم بين مصر وشركائها التجاريين... نتوقع أن يبلغ التضخم في مصر حوالي ثمانية بالمئة (في 2020) بينما سيسجل اثنين بالمئة لدى الشركاء التجاريين".
وأضافت أن "التراجع المستمر في أسعار الفائدة قد يفضي أيضا إلى تدفقات منخفضة نسبيا على سوق الدين المصرية. هذان العاملان قد يعوضهما عمليا إنتاج بترولي وتدفقات أجنبية مباشرة وسياحة أعلى من المتوقع".
شهد الاقتصاد المصري معدلات نمو مرتفعة خلال الفترة الماضية مع انخفاض عجز الموازنة وتحقيق فوائض أولية لكن صاحبت ذلك زيادة الدين الخارجي 17.3 بالمئة إلى 108.7 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران الماضي ليعادل 36 بالمئة من الناتج الإجمالي في 2018-2019.
وقال إيهاب رشاد نائب رئيس مجلس إدارة مباشر كابيتال هولدنغ للاستثمارات المالية "أي تراجع في سعر الدولار يقلل من تكلفة سداد الديون الخارجية".
وارتفع إجمالي الدين المحلي إلى4.20 تريليون جنيه بما يعادل 79 بالمئة من الناتج الإجمالي في نهاية مارس/آذار، وهو أحدث رقم متوافر، مقارنة مع 3.70 تريليون جنيه في نهاية يونيو/حزيران 2018 أو 83.3 بالمئة من الناتج الإجمالي.
وأضاف رشاد "ارتفاع الجنيه مقابل الدولار لن ينعكس بشكل سريع على الأسعار مثلما حدث عند انخفاضه وقت تحرير سعر الصرف، ولكن سيحتاج لمزيد من الوقت حتى يشعر المواطن بتراجعه... أتوقع ارتفاع الجنيه إلى نطاق 15.7 جنيه مقابل الدولار في 2020".
ويشكو المصريون، الذين يعيش الملايين منهم تحت خط الفقر، من صعوبات في تلبية الحاجات الأساسية بعد قفزات متتالية في أسعار الوقود والدواء والمواصلات وجميع السلع والخدمات إثر برنامج إصلاح اقتصادي نفذته مصر بالتعاون مع صندوق النقد الدولي منذ أواخر 2016 وحتى يونيو/حزيران الماضي.
وزادت نسبة الفقر في مصر خلال 2017-2018 إلى 32.5 بالمئة من 27.8 بالمئة في 2015، ويبلغ خط الفقر 8827 جنيها للفرد في السنة وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.