ندوة عبر الإنترنت..

معهد الشرق الأوسط: هل هناك حل لمعضلة اليمن؟

من آثار الحرب في اليمن- وكالات

واشنطن

استضاف معهد الشرق الأوسط ندوة عبر الإنترنت في 16 يوليو بعنوان “هل يمكن لمبعوثٍ جديد للأمم المتحدة تحقيق السلام في اليمن؟” وفي هذا الصدد، قالت المتحدثة الأولى ندى الدوسري؛ الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط، إنه لا ينبغي الاعتماد على الأمم المتحدة لحل مشكلات اليمن؛ لأنه يواجه “تحديات ضخمة” “تتجاوز قدرة الأمم المتحدة على السيطرة”.

وأضافت أن نهج الأمم المتحدة تجاه عملية السلام في اليمن خلق مشكلاتٍ محددة، من خلال “التركيز المفرط على إيجاد تسوية سياسية داخل النخبة”، بين حكومة هادي والحوثيين المدعومين من إيران، وهذا يعتبر “انفصالًا عن الواقع” كما تبدى على مدى السنوات السبع الماضية. وناقشت الدوسري هذا الموضوع في تقريرٍ صدر مؤخرًا، مشيرة إلى أن الأطراف التي اختارت الأمم المتحدة الاعتراف بها كأطراف شرعية تسيطر- في واقع الأمر- على أراضٍ أقل بكثير حتى عندما يتم دمجها من بعض الجهات المسلحة الأخرى المستبعدة من العملية. ومن ثم، لا توجد طريقة لتحقيق السلام عبر هكذا نهج.

تضيف الدوسري أن إحدى المشكلات في عملية السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة هي “عدم الشمولية” لكافة الأطراف. وثمة مشكلة أخرى هي النفوذ، حيث تشير الدوسري إلى أن الأمم المتحدة ضغطت مراتٍ عدة على الحكومة الشرعية في اليمن، ومؤيديها في التحالف العربي، لكنها لم تمارس أي ضغط فعّال ضد إيران أو وكيلها الحوثي. وفي نهاية المطاف، هذا يعني أن تدخل الأمم المتحدة “تسبب في أضرار أكثر مما نفع”، كما تقول الدوسري، لأنها لا تأخذ في الاعتبار الواقع العسكري على الأرض.

لقد كان المثال التقليدي لعدم واقعية الأمم المتحدة في اليمن -ونقطة التحول في الحرب- هو اتفاق ستوكهولم في ديسمبر 2018، الذي اضطر التحالف العربي بموجبه، كما توضح الدوسري، إلى التخلي عن هجومٍ كان من شأنه أن ينتزع مدينة الحديدة الساحلية من الحوثيين، الأمر الذي كان سيضعفهم جدًا، ويوفر ظروفًا أكثر ملاءمة للسلام. وبدلًا من ذلك، سمح تدخل الأمم المتحدة بشأن الحديدة للحوثيين بإعادة تمركز قواتهم، وجني مكاسب كبيرة شرق صنعاء، وفي الأشهر الأخيرة شنّ هجوم واسع النطاق ضد مأرب، آخر معقل لحكومة هادي. وتعليقًا على ذلك، تقول الدوسري: “وهكذا، عن غير قصد، ساعدت عملية السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة الحوثيين عسكريًا”. وعلى الرغم من حقيقة أن “العديد من اليمنيين حذروا من ذلك، فإن الأمم المتحدة لم تستمع”. (الجدير بالذكر أيضًا أن الأمم المتحدة بالكاد احتجت على الهجوم الحوثي الأخير، ناهيك عن اتخاذ إجراءاتٍ فعالة لوقفه).

وذكرت الدوسري -كما ناقش موقع “عين أوروبية على التطرف” هذا الموضوع بالتفصيل– أن الحوثيين كانوا واضحين بشأن ما يريدون: فهم يرفضون الاعتراف بحكومة هادي، معتبرين أنفسهم السلطة الشرعية الوحيدة في اليمن. يعرفون حربهم بأنها جهاد، وخصمهم هو المملكة العربية السعودية، وهدفهم هو طرد السعوديين وحكم اليمن بأسره.

باختصار، تقول الدوسري إن “الدبلوماسية بدون نفوذ لا تنجح”، ولا أحد لديه أي نفوذ على الحوثيين أو على استعداد لممارسته. وعلى هذا النحو، فإن ما يمكن للأمم المتحدة القيام به “محدود للغاية”، و”من المهم ألا تكون لدينا توقعات كبيرة من مبعوث الأمم المتحدة القادم أو عملية السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة”.

أما المتحدثة الثانية، ميساء شجاع الدين؛ الباحثة غير المقيمة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، فقد بدأت بالقول إنها تعتقد أن استيلاء الحوثيين على صنعاء في عام 2014 لم يكن نهاية العملية الانتقالية التي بدأت بعد عزل الرئيس علي عبد الله صالح في عام 2012 فحسب، بل كانت نهاية الدولة اليمنية التي أقيمت في عام 1994 بعد هزيمة الاشتراكيين. منذ عام 2016، إن لم يكن قبل ذلك، استمال الحوثيون- بمساعدة صالح- أجزاء كبيرة من الدولة القديمة وأنشأوا دولتهم الخاصة، وسيطروا على الأقل على جزء كبير من السكان اليمنيين. ترى شجاع الدين أن هذا تغيير جذري، وأن الحوثيين “غير راغبين في عقد صفقة مع أي شخص”، وليس هناك من يجبرهم على ذلك. لا يمكن للأمم المتحدة أن تعوض الفرق العسكري لحكومة هادي.

وتضيف شجاع الدين أن “هناك الآن اقتصاد حرب”، وهو مستدام بشكل فعّال وتعطيله يشكل خطرًا على الوضع الإنساني. وفي الوقت نفسه، يستخدم الحوثيون سيطرتهم “لنشر أيديولوجيتهم… وتغيير كل شيء”: وتخلص إلى أن عبد الملك الحوثي له سلطة عليا على دولة الأمر الواقع، ما يجعل من الصعب تفكيكها، والدولة اليمنية القديمة مجزأة بطريقة لا يمكن إعادتها لسابق عهدها.

ويشير المتحدث الأخير، بيتر ساليسبري؛ محلل أول في “مجموعة الأزمات الدولية”، إلى أن المشكلة في خطة الأمم المتحدة للسلام هي الانفصام بين رؤيتها لمهمتها، أي نموذج لحل النزاعات يتم فيه التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة بين حكومة وجماعة متمردة لإعادة تأسيس الدولة الشرعية، والواقع على الأرض حيث تكاثرت فيه الجهات الفاعلة في الحكم، وانهارت قدرة أحد هذين الطرفين الرئيسيين على الحكم. ويقول ساليسبري إنه من المفيد للجميع أن يعترفوا بأن هذا النوع من الصفقات “لن يتم”، لأنه لا توجد حوافز تقود إلى ذلك.


علاوة على ذلك، فإذا حدث مثل هذا الاتفاق، فقد يكون “كارثيًا للغاية”، كما يقول ساليسبري، ومن شبه المؤكد أنه سيترتب عليه ببساطة جولة جديدة من الصراع. إن إنشاء “حكومة وحدة وطنية” بين هادي والحوثيين الآن سيكون بمثابة وضع الحكومة الشرعية تحت قيادة الحوثيين، الذين يسيطرون على مؤسسات الدولة الأكثر فعالية، ولديهم بنية أمنية هائلة. ومن شأن إضفاء طابع شرعي دولي على الديكتاتورية الحوثية أن يتسبب في مشكلات خطيرة، لكنه لن “ينجح” حتى بالمعنى الضيق.

ويضيف ساليسبري أن الأمم المتحدة بحاجة إلى تغيير نهجها، ومحاولة التعامل مع دائرة أوسع من اليمنيين، وعليها أن تضع “رؤية لعملية سياسية تتعامل مع الحقائق [المذكورة أعلاه]، بدلًا من التسرع في “السلام” الذي يعرف ببساطة بأنه وقف إطلاق النار بالطريقة التي تحدث الآن، لأن الاستمرار في مسارها الحالي يخلق بيئة، من نواحٍ كثيرة، تمثل “ذريعة مثالية” للحوثيين لمواصلة عدوانهم العسكري الذي لا هوادة فيه، ويترك لمعسكر هادي خيار محاولة الصمود فقط.

أسئلة وإجابات

ردًا على سؤال حول عدد الأطراف التي يجب إشراكها في محادثات السلام -هل ينبغي أن تكون أربعة أحزاب (هادي، والحوثيون، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وطارق صالح) بدلًا من الاثنين الحاليين فقط (هادي والحوثيين)، أم ينبغي منح مقاعد لجميع الجهات الفاعلة الهجينة في الدولة؟- تقول الدوسري الأمم المتحدة بحاجة إلى إشراك المزيد، حتى لو لم يكن كل الفاعلين في اليمن، لإعطاء نفسها فهما أفضل للواقع على الأرض، وبالتالي كيفية المضي قدمًا نحو تحقيق السلام: من هم اللاعبون، من هم المفسدون لعملية السلام، وكيف سيكونون مفسدين، وما هي الأشياء التي يقبلون القيام بها أو الاكتفاء بها.. إلخ.

وردًا على سؤال حول متانة دولة الأمر الواقع التي أقامها الحوثيون، تقول ميساء شجاع الدين إن قاعدة دعم الحوثيين أصغر بكثير من الحكومة السابقة. في عهد صالح، كان الفساد يميل إلى الانتشار بين السكان بشكل عام، في حين أن فساد الحوثيين يفيد طبقة ضيقة جدًا من الموالين لهم، ما يعني أن الحوثيين يجب أن يعتمدوا بشكل أكبر بكثير على العنف للسيطرة على المجتمع.

وهذا يعني في الأساس أن هناك معارضة للنظام الحوثي أكثر من الحكومة السابقة، ولكن خلافًا للحكومة السابقة، يكاد يكون من المستحيل تنظيم أي معارضة جديّة للحوثيين: فأجهزة استخباراتهم وشرطتهم السرية فعّالة للغاية، ومستعدون لاستخدام العنف لوأد أي معارضة قبل ظهورها. الخوف من الحوثيين يمنع معظم الناس حتى من المحاولة، دون أن يضطر الحوثيون إلى قمعهم.


يقول ساليسبري إن أكبر ضرر أحدثته عملية الأمم المتحدة للسلام في اليمن كان في قصر العملية السياسية على جهتين فاعلتين، حدث انفصال بين عملية السلام وبين الظروف على أرض الواقع. والمطلوب هو دمج هذا المسار السياسي مع الوضع العسكري داخل الدولة، أي توسيع دائرة المشاركين على طاولة الأمم المتحدة لتشمل الأشخاص الذين يسيطرون على السلطة الفعلية والشرعية في اليمن، وهذا سيحول هيكل الحوافز نحو إنشاء تحالفات سياسية.

ويشير ساليسبري إلى أنه على الرغم من وصف اليمن بأنه “متشظي”، فإن اللافت للنظر هو أن التكتلات السياسية تحدث بشكلٍ متكرر إلى حد ما، فالأعداء مثل صالح والحوثيين ينقلبون بسرعة لإنشاء تحالف يقلب النسيج الكامل للسياسة في الدولة.


الجدير بالذكر أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي صدر في أبريل 2015 هو أساس نهج المجتمع الدولي تجاه اليمن. وقد اتفق جميع المتحدثين في الندوة على أن هذا القرار أصبح غير ذي صلة بسبب التطورات التي حدثت خلال السنوات القليلة الماضية نظرًا لأن “المفاوضات تجري باستخدام أدوات عنيفة”، على حد تعبير الدوسري. وفي هذا الصدد، قال ساليسبري إن قرارًا جديدًا قد يكون مفيدًا كمصادقة على اتفاق، إذا تم التوصل إلى قرار جدي على الإطلاق، ولكن هذا سيكون من منطلق النفعية السياسية؛ ناهيك عن أن صدور قرار جديد لن يؤثر على القدرة على التوصل إلى مثل هذا الاتفاق.


تقول الدوسري إن العوامل الرئيسة اللازمة للوصول إلى السلام هي تنظيم التحالف المناهض للحوثيين بشكل أفضل -على الرغم من عدم وجود شهية لذلك- واستخدام القوة لإضعاف الحوثيين.

وتقول الدوسري إن هجوم الحوثيين على النظام القبلي قد يثبت في نهاية المطاف أنه أحد أخطر جوانب هذه الحرب. فهو يزيل وسيطًا رئيسًا يحد من سلطة الدولة، لأنه حتى في عهد صالح، كان على الحكومة العمل مع القبائل، ولم تتمكن ببساطة من السيطرة عليها. وإذا انهار النظام القبلي، فلن يجلب الطغيان فحسب، بل الفوضى أيضًا. وهذا يعني أنه لا توجد لبنات بناء لإعادة تشكيل النظام، حتى لو أمكن التخلص من الحوثيين.

من جانبها، ترى شجاع الدين أن مستقبل اليمن هو مستقبل من التشرذم المحتمل، على الرغم من أن الحوثيين يعتقدون أنهم قادرون على غزو الدولة بأكملها -بل وحتى الطريق بأكمله إلى مكة- ما يعني أن الحرب ستستمر أثناء محاولتهم تحقيق ذلك، وبدون قوة خارجية لوقفهم، ربما يمكنهم إحراز المزيد من التقدم.

يختتم ساليسبري حديثه بملاحظة أكثر إيجابية، قائلًا إن الظروف الآن جعلت “الحوار الوطني” أكثر واقعية إلى حد ما -لم يعد وطنيًا بالاسم فقط، في حين أنه كان يجري بين النخب- ولكن عوامل الخطر والجوانب السلبية قد ازدادت بشكل كبير.