همدان دماج نموذج..

صحيفة دولية: الشعر أكثر أجناس الأدب حديثا عن الحرب

"أرشيفية"

الرياض

يعتبر الكاتب والروائي همدان دماج أن المشهد الثقافي اليمني مأخوذٌ ومرتبطٌ بالوضع العام الذي يمر به اليمن واليمنيون خلال الحرب التي قاربت على السبع سنوات الآن، مؤكدا في حوار مع “العرب” أن قراءة هذا المشهد تستلزم نوعا خاصا من التقييم يختلف في أدواته ومعاييره عما كان سائدا في سنوات الاستقرار.

ويشير دماج وهو أديب وأكاديمي يمني مقيم في بريطانيا ونائب رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني في صنعاء، وفائز بجائزة الشارقة للإبداع العربي في الرواية عام 2015، إلى أن المتابع للمشهد الثقافي اليمني يكتشف خليطا من ظواهر متوقعة وأخرى لم تكن في الحسبان، ومن تلك الظواهر المتوقعة، بحسب قوله، توقف العديد من الأنشطة الثقافية الأدبية والفنية في اليمن، إن لم يكن معظمها، وهي الأنشطة التي تشكل رافدا مهما من روافد أي مشهد ثقافي.

ويقول دماج “الحقيقة أن هذا التوقف قد حدث بمعزل عن جغرافية الحرب أو الصراع، فقد كان المتوقع أن تستمر هذه الفعاليات، أو الحد الأدنى منها على الأقل، في المناطق التي لا تشهد مواجهات مسلحة مباشرة، لكن ما حدث أنها توقفت في كل مكان تقريبا، إلا من قلة منها تحاول أن تفرض نفسها بشق الأنفس هنا وهناك. هذا الأمر ينسحب أيضا على الصحف والمجلات والدوريات الأدبية والثقافية التي تكاد تنقرض بسبب هذه الأوضاع”.

ويضيف “في المقابل يستطيع المراقب أيضا أن يجد حركة مستمرة، وفي بعض الأحيان نشطة ومتزايدة، في الإنتاج الأدبي بمختلف أجناسه، بما في ذلك الرواية التي شهدت ظهور عناوين كثيرة لأعمال روائيين يمنيين خلال هذه السنوات، إضافة إلى استمرار النشر الورقي والإلكتروني، بل وظهور مشاريع نشر جديدة، وما تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي من نتاج أدباء وفنانين ورسامين استمروا في إنتاج أعمالهم الفنية والأدبية، وهو ما يدل على صمود المثقف والمبدع اليمني في مواصلة رسالته الإبداعية التي تتجاوز كل الظروف الحياتية والمعنوية الصعبة، وحالة الشتات التي يعيشها خارج وداخل اليمن على حد السواء”.

الكتابة المتنوعة
عن تفسيره لعدم ظهور ما يمكن وصفه بأدب الحرب في اليمن، يقول دماج “خلال السنوات الماضية ظهرت أعمال أدبية وفنية كثيرة تتحدث عن الحرب والصراع في اليمن، وإن كنا نجدها في الشعر أكثر من الأجناس الأدبية الأخرى، فهناك قصائد كثيرة عن الحرب إلى جانب بعض الأعمال السردية والتشكيلية هنا وهناك، وهذا قد يكون متوقعا لأن الشعر يستطيع أن يعكس انفعالات الحرب والاقتتال في نفس وذهن المبدع أسرع من بقية الأجناس الأدبية الأخرى، فالسرد من وجهة نظري يحتاج إلى نضوج رؤيوي قد يتطلب سنوات لدى السارد لكي ينتج عملا سرديا، وبالذات روائيا، متميزا وملما بتفاصيل وتداعيات الحرب”.

ويشير دماج في سياق حديثه عن القصائد الكثيرة عن الحرب إلى قصيدة شاعر اليمن الكبير عبدالعزيز المقالح بعنوان “عندما قامت الحرب”، وهي التي كتبها في السنوات الأولى من الحرب، ويقول في مطلعها “لم أَكُن نائماً عندما قامَتِ/  الحربُ،/ كانت حجارةُ بيتي تَئِنُّ مِن القصفِ/ والليلُ مرتعشاً/ وزجاجُ النوافذِ تلهو شظاياه/ فوق الأَسِرَّةِ،/ كانت عِظاميَ ثابتةً/ وجبالُ المدينة ثابتةً/ بَيد أني حزين!”.

وهذه القصيدة وفقا لدماج هي “واحدة من سبع قصائد أخرى كتبها المقالح عن الحرب وتداعياتها، إلى جانب العشرات من القصائد الأخرى لشعراء آخرين وخاصة الشباب”.

ويرأس الدكتور دماج تحرير مجلة “غيمان” الأدبية الفصلية، وله عدد من البحوث والمقالات والترجمات العلمية والأدبية المنشورة في عدد من المجلات والدوريات الأكاديمية المعروفة.

وعن اهتماماته النقدية في الآونة الأخيرة يقول “نشرتُ مؤخرا عددا من المقالات البحثية في عدد من المواضيع والمجالات تركزت في النقد الأدبي والتاريخ السياسي والاجتماعي اليمني، وبعض القراءات في حياة وفكر بعض الفلاسفة والأدباء الإنجليز وأعمالهم، وهو تنوع وجدتني فيه دون تخطيط مسبق حقا، وإن كان اهتمامي البحثي في العلوم التطبيقية قد قلَّ كثيرا للأسف”.

ويشير دماج في حديثه لـ”العرب” إلى أنه لا يعرف إن “كان تنوع موضوعات الكتابة البحثية والنقدية أمرا جيدا أم لا”، مضيفا “لكنني أتماهى مع رغبة الكتابة بشكل تلقائي، خاصة أنني أجد في العمل البحثي نوعا من التعلّم الذي يطفئ قليلا من شغف المعرفة، فكلما كبرنا في السن زادت للأسف، أو لحسن الحظ، مساحة الكشف بجهلنا بالأشياء، وهذا ما يدفعنا عادة للبحث والتعلم بشكل أكبر ربما”.


تجربة الكاتب الشعرية

وعن أنشطته في الكتابة البحثية التي قام بها خلال السنتين الماضيتين، يتابع “قمت بإعداد وتقديم لمختارات شعرية لكل من الشاعرين اليمنيين عبدالله البردوني وعبدالعزيز المقالح، وقد لاقت هذه المختارات استحسانا شجعني على مواصلة مشروع إصدار مختارات سردية هذه المرة لكل من محمد عبدالولي وزيد مطيع دماج، وهي المختارات التي سترى النور في العام القادم.

في تقديري الشخصي يكتسب هذا النوع من المختارات لكبار الرواد من المبدعين أهمية خاصة في عصرنا الراهن المكتظ بالمشاغل، والمدهوش بسيل جارف من المعلومات والكتابات التي أنتجها الانفجار المعلوماتي ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يقف سدا أمام وصول الأعمال والتجارب التأسيسية لهؤلاء الرواد إلى الجيل الجديد من القراء”.

أسرة أدبية
عن تجربته كنائب لمركز الدراسات والبحوث اليمني، الذي يرأسه الدكتور عبدالعزيز المقالح، وما أضافه له هذا العمل على الصعيد البحثي والأكاديمي، يقول دماج لـ”العرب” لقد “كانت تجربة العمل في مركز الدراسات والبحوث اليمني، وما تزال، غنية ومهمة على أكثر من مجال ومستوى، وخلال السنوات التي تزاملت فيها مع عدد كبير من أهم الباحثين اليمنيين في مختلف التخصصات تعلمت الكثير”.

ويضيف “وساهمت مع الآخرين قدر ما أستطيع، وبما كان لدي من رؤى وطموحات، في كل ما من شأنه إنعاش البيئة البحثية التي يحتاجها أي باحث مهني، خاصة في ظل إهمال الدولة آنذاك وتقصيرها في الإيفاء بالحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية لصرح علمي على هذا المستوى الكبير، كما ساهمت بتعاون جميع الزملاء في إنشاء دائرة تختص بالبحوث التطبيقية، وهو ما شكل إضافة إلى المجالات البحثية المتعددة التي يقوم بها المركز”.

وأشار دماج في هذا الصدد إلى “أهمية تجربة العمل بشكل يومي بالقرب من الدكتور عبدالعزيز المقالح، أحد أهم الرموز الأكاديمية والثقافية والوطنية الكبيرة، وما يشكله هذا من استفادة كبيرة على المستوى المهني والشخصي”.

واستدرك “إنه لمن المؤسف جدا ما حدث للمؤسسات العلمية والبحثية العريقة في اليمن بسبب الحرب، وبسبب تنصل كل الأطراف عن مسؤوليتها القانونية والأخلاقية، ومن ضمنها مركز الدراسات والبحوث اليمني الذي حُرم باحثوه من أبسط حقوقهم المعيشية والمتمثلة بالراتب المقطوع منذ سنوات”.


مجموعة قصصية

 وينحدر القاص والشاعر والروائي اليمني من أسرة يمنية مهتمة بالأدب والكتابة، وعن مدى تأثره على الصعيد الشخصي بتجربة والده الروائي اليمني البارز زيد مطيع دماج يقول “في طفولتي كنت أحرص على أن أقرأ ما يكتبه والدي لأن أساتذتي في المدرسة عادة ما كانوا يسألونني عن أعماله، وعندما كبرت بدأتُ أقرأ له كما أقرأ للآخرين، لكن دون أن يخلو الأمر من حميمية القرب والمحبة، ولا شك أن الجو الثقافي والأدبي الذي كان يحيط بي هو من أعطاني الاهتمام بالكتابة، على الأقل في المراحل الأولى”.

ويتابع “في بداياتي كان والدي يشجعني ويشرف على نشر كتاباتي في الصحف، كما كنتُ أعرض عليه نتاجي القصصي وأستفيد من الملاحظات المهمة التي كان يحاول ألا تبدو كبيرة، ومازلت أتذكر كيف احتضن مجموعتي القصصية الأولى ‘الذبابة‘ بسعادة وافتخار، وهو على سرير المرض قبل أشهر قليلة من وفاته، مُظهرا اهتماما بها أكبر من اهتمامه بكتابه السردي ‘الانبهار والدهشة‘ الذي صادف أن صدر في نفس الوقت. كان عادة ما يقول لي إنني أكتب أفضل من الكثيرين، بل وحتى أفضل منه، وكنتُ دائما ما أتوارى وراء خجلي وامتناني اللامتناهي بتشجيعه الأبوي المبالغ به طبعا، خاصة وأنا أعرف كقارئ وككاتب أنني كنتُ أتحدث مع أحد عمالقة السرد العربي المعاصر”.

وحول تأثره بأعمال والده الأدبية يضيف “لا أعتقد أن أحدا من أبناء جيلي من المبدعين لم يتأثر بأدب زيد مطيع دماج، بخصوصيته المحلية، وموضوعاته الثورية بمفهومها الوطني والإنساني، وتقنياته السردية المكثفة والمباشرة. كل هذا ألقى بظلاله دون شك، بشكل مباشر وغير مباشر، على وعيي الأدبي عموما، والسردي خصوصا. لكنني أعتقد أنني، مثل الآخرين، تمكنتُ من الكتابة بشكل مغاير، والإفادة من مجموعة كبيرة من التجارب السردية المختلفة التي استهوتني أيضا وخاصة الأدب اللاتيني الذي تأثرت به كثيرا في بداياتي إضافة إلى ما اطلعت عليه من الأدب الإنجليزي المعاصر“.

في العمل البحثي نوع من التعلم الذي يطفئ قليلا من شغف المعرفة، فكلما كبرنا في السن زادت للأسف

وأصدر همدان دماج مجموعتين قصصيتين هما “ربما لا يقصدني” و”الذبابة”، وديوانا شعريا بعنوان “لا أحد كان غيري”، كما فازت روايته “جوهرة التعْكَر” بجائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2015.

 وعن مشاريعه الأدبية القادمة، يقول “عندي بعض المشاريع القصصية التي أحاول أن أستعيدها بعد انقطاع مؤلم وطويل، والتي يحمل بعضها مغامرة كتابية في الشكل والمضمون. هذا بالإضافة إلى مشروع روائي متعثر منذ سنوات أحاول من خلاله التداخل مع الشخصية اليمنية التي تشكلت بعد قيام الثورة اليمنية في منتصف القرن الماضي بتجاربها الإنسانية وتناقضاتها الاجتماعية والسياسية المعاصرة وصولا إلى تخوم الانهيار الكبير الذي وصلنا إليه؛ لكنني، في مجازفة لا أعرف عواقبها، لست مستعجلا لإنجازه لأسباب عديدة، منها أنني مازلت مأخوذا ومتأثرا بتجربتي السردية في روايتي الأولى ‘جوهرة التعكر‘، وحرصي على أن يحمل عملي الروائي القادم شيئا جديدا ومؤثرا ومختلفا يفوق ما أنجزته في تجربتي الروائية السابقة، أو لا يقل عنها على أقل تقدير، وهي مجازفة قد لا يتفق معي فيها الكثيرون”.