دعوات للتظاهر في الشارع رفضا للاعتراف بسحب الثقة

الحرب الباردة تندلع بين الدبيبة والبرلمان الليبي

أثار تصويت البرلمان الليبي بسحب الثقة من الحكومة الانتقالية وتحويلها إلى حكومة تصريف أعمال، غضب رئيسها عبدالحميد الدبيبة، حيث دعا المواطنين إلى الاحتجاج ضد القرار، ما ينذر حسب المراقبين ببداية حرب باردة بين المؤسستين في البلاد.

الدبيبة يشحن الأنصار ضد قرار البرلمان

طرابلس

تعهد رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة بإسقاط مجلس النواب الليبي بعد ساعات من إعلان المجلس سحب ثقته من الحكومة، واعتبارها حكومة تصريف أعمال.

وهذا ما يفتح جبهة حرب سياسية بين مؤسستين تحظيان بالاعتراف الدولي، ولكن الخلافات بينهما هي من جنس الخلافات التي ظلت سائدة لعدة سنوات بين شرق البلاد وغربها.

وأعلن الدبيبة أنه “سيواصل مساعيه لإنقاذ البلاد”، في إشارة إلى رفضه الاعتراف بسحب الثقة.

 وقال مخاطبا متظاهرين تمت دعوتهم للاحتجاج، إن البرلمان “سيسقط ولن يكون ممثلا لليبيين بهذه الصورة، وسنصل إلى الانتخابات ونعدكم بأن تكون حرّة ونزيهة”.

ووصف الدبيبة رئيس وأعضاء مجلس النواب الذين صوتوا على سحب الثقة بـ”المعطلين الذين لا يريدون إلا الحرب والدمار”.

ودعا الدبيبة المواطنين من كافة المدن إلى التظاهر الجمعة القادم للتعبير عن رأيهم، وذلك في خطوة تشير إلى أن “الحرب الباردة”، أو حرب البيانات السياسية والتظاهرات بين الطرفين سوف تزداد تفاقما.

وكان البرلمان أقر سحب الثقة من حكومة الدبيبة بموافقة تسعة وثمانين صوتا من بين 113 حضروا الجلسة الثلاثاء، ودعوا الحكومة إلى مواصلة عملها “في إطار تسيير الأعمال” حتى موعد الانتخابات المقبلة، وذلك بعد أن رفض رئيس الحكومة وبعض الوزراء الحضور للمشاركة في استجوابات طلبها النواب في عدة قضايا تتعلق بميزانية الحكومة والاستعدادات لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.

ويدور الصراع حول القوانين التي يتعين أن تجرى هذه الانتخابات على أساسها، وبينما يريد مجلس النواب أن يتم انتخاب الرئيس المقبل عبر الاقتراع الشعبي المباشر، فإن الجماعات الموالية لتركيا وميليشيات طرابلس تريد أن يتم انتخاب الرئيس من جانب البرلمان، وذلك على غرار ما حدث في منتدى الحوار الليبي في تونس الذي انتهى الأمر به إلى صفقات لشراء أصوات المندوبين بلغ سعر بعضها 200 ألف دولار، مما ألزم الأمم المتحدة على استكمال الحوارات في جنيف.

وفي حين أقر البرلمان القانون الخاص بالانتخابات الرئاسية، إلا أن “المجلس الأعلى للدولة” الذي يرأسه خالد المشري، أصدر قانونا انتخابيا بديلا، مما يضع الطرفين أمام عقدة قد تؤدي إلى الإطاحة بموعد إجراء الانتخابات، مما يؤدي بدوره إلى سقوط التفويض الأممي عن الحكومة، ليتكرر النزاع نفسه حول الشرعية الذي ساد بين سلطة فايز السراج وسلطة مجلس النواب على مدار خمس سنوات.

ولم تلق خطوة البرلمان بسحب الثقة عن الحكومة، دعم بعثة الأمم المتحدة في ليبيا التي قالت “إن حكومة الوحدة ستظل الإدارة الشرعية حتى يتم استبدالها من خلال عملية منتظمة بعد الانتخابات”.

وأضافت أنه يتعين على مجلس النواب الانتهاء من قانون الانتخابات البرلمانية خلال الأسبوع المقبل “والإحجام عن أي عمل من شأنه أن يقوض العملية الانتخابية ووحدة البلاد وأمنها واستقرارها”.

ولكن مجلس النواب يقول إنه هو الذي منح الثقة للحكومة في مارس الماضي، ويمتلك على هذا الأساس الحق بسحبها.

وحرب التسقيط المتبادل بين الطرفين تعني أن أطراف النزاع لن تعود قادرة من الناحية العملية على تدبير التوافقات بشأن الأسس القانونية وآليات إجراء الانتخابات من دون تدخل خارجي، تفرض التوافق عليها، وأحد أبرز أسباب اندلاع هذه الحرب هو أن جهود القاهرة لتسوية الخلافات لم تحقق النتيجة المرجوة منها، وهو ما يضع بعثة الأمم المتحدة أمام مسؤولية تدبير التوافق المطلوب، أو العودة إلى القاهرة من جديد.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي استقبل رئيس البرلمان عقيلة صالح وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر في الرابع عشر من الشهر الجاري بحضور رئيس جهاز المخابرات المصرية العامة عباس كامل، للبحث في التسهيلات التي يمكن تقديمها لإجراء الانتخابات الليبية العامة في موعدها المقرر في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل.

وامتنع الدبيبة الذي وصل إلى القاهرة بعد ذلك بيومين عن تقديم أي تعهدات قاطعة تتعلق بهذه الانتخابات وركز في مباحثاته مع الرئيس السيسي على آفاق الشراكة الاقتصادية بين مصر وليبيا، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة لشراء صمت القاهرة عن بقاء حكومته أو السماح بإرجاء الانتخابات إذا لم تتوفر التوافقات القانونية بين طرفي الأزمة.

وبينما ركز الرئيس السيسي في محادثاته مع صالح وحفتر على “مواصلة مصر جهودها للتنسيق مع كافة الأشقاء الليبيين، بما يساهم في ضمان وحدة وتماسك المؤسسات الوطنية الليبية، وصولاً إلى إجراء الاستحقاق الانتخابي الهام برلمانياً ورئاسياً المنتظر، فضلاً عن منع التدخلات الخارجية، وإخراج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية”، فإن محادثات الدبيبة في القاهرة ركزت، على “نقل الخبرات المصرية ذات الثقل في مجالات إعادة الإعمار والتنمية لليبيا”، وتم الاتفاق على إعداد ثلاث عشرة اتفاقية مشتركة في مجالات “البنية التحتية والشباب والرياضة والتأمينات الاجتماعية والمواصلات والكهرباء والبترول”.

وثمّن الرئيس السيسي أمام الدبيبة صدور قانون الانتخابات عن مجلس النواب الليبي، باعتبارها “خطوة مهمة على صعيد تنفيذ استحقاقات خارطة الطريق التي أقرها الليبيون، وصولاً إلى عقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها المحدد بنهاية العام الجاري”، إلا أن الدبيبة لم يبد استعداده للأخذ بهذا القانون، وآثر أن يركز محادثاته في القاهرة على التعاون الاقتصادي، وهو ما أشار إلى أن القاهرة لم تتمكن من توفير قناعات مشتركة بين طرفي الأزمة، وأن لقائي الفريقين كانا وكأن كلا منهما يتعلق بقضايا بلد آخر.