صلاحيات تشريعية وتنفيذية واسعة لتسهيل عمل رئيس الجمهورية

قيس سعيد يعلن عن خطة تفصيلية لآليات قيادة المرحلة القادمة في تونس

الآخرون لم يسقطوا سهوا

تونس

 أنهى الرئيس التونسي قيس سعيد حالة الغموض بشأن قراراته الأخيرة الخاصة بالأحكام الانتقالية، حيث صدرت في الجريدة الرسمية خطة تفصيلية بشأن التدابير التي سيتم اعتمادها لممارسة السلطة التشريعية والتنفيذية، في خطوة قال مراقبون إنها بمثابة دستور صغير منظم للسلطات يهدف إلى إنهاء حالة الفوضى في اتخاذ القرار بسبب نظام برلماني مشوه أسس لصراع الصلاحيات بتعدد رؤوس السلطة.

وأعلن قيس سعيّد الأربعاء تدابير تعزّز صلاحياته وتتيح له إصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، ليميط اللثام عن تفاصيل الأحكام الانتقالية التي أعلن عنها الاثنين ويكشف المخارج القانونية لإدارة المرحلة القادمة.

ونشرت التدابير في الجريدة الرسمية الأربعاء بعد حوالي شهرين من إعلان قيس سعيّد تجميد أعمال البرلمان وإقالة الحكومة وتولّي السلطات في البلاد بنفسه، مستندًا في ذلك إلى الفصل 80 من الدستور. وجاء في التدابير الجديدة المنشورة بالجريدة الرسمية “يتمّ إصدار القوانين ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية”.

كما ورد في فصل آخر “يمارس الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة” و”تتكوّن الحكومة من رئيس ووزراء وكتّاب دولة يعيّنهم رئيس الجمهورية”.

والسلطة التنفيذية، بموجب دستور 2014، في يد الحكومة التي تكون مسؤولة أمام البرلمان، لكنّها بموجب التدابير ستكون مسؤولة أمام رئيس الجمهورية مستقبلا.

ويرى أستاذ القانون الدستوري شفيق صرصار أن ما قام به قيس سعيّد “أقرب إلى تنظيم مؤقت للسلطات، وهذا يعني الاستعداد للانتقال إلى دستور أو نظام دستوري آخر”. ويضيف “لم يعد هناك رئيس حكومة؛ أصبح هناك رئيس وزراء وتمّ إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، وهذا ليس استثناء”.

ويؤكد صرصار أنه “أصبح هناك دستور صغير”، معتبرا أنه “تقريبا حلّ للبرلمان مع تأجيل التنفيذ ولم يتم استعمال كلمة حلّ”. وأبقى الرئيس سعيّد في الإجراءات التي أصدرها الأربعاء “العمل بتوطئة دستور 2014 وبالبابين الأول والثاني” فقط، وألغى الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين.

ونشرت الرئاسة التونسية بيانا أوضحت فيه مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، ووضع حدّ لكافة المنح والامتيازات المسندة إليهم.

وتتيح الإجراءات الجديدة للرئيس سعيد “إعداد مشاريع التعديلات المتعلّقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي”، وذلك بهدف “تأسيس نظام ديمقراطي حقيقي يكون فيه الشعب بالفعل صاحب السيادة ومصدر السلطات ويمارسها بواسطة نواب منتخبين أو عبر الاستفتاء”، بحسب ما جاء في نصّ الأمر الرئاسي.

كما صارت للرئيس حصرًا صلاحيات الإعفاءات والتعيينات في الوظائف العليا في الدولة، ولم يعد مجبرا -كما كان عليه الأمر- على المرور بمصادقة البرلمان.

ويرى سياسيون ومحللون تونسيون أن ما يهم في الإجراءات الجديدة ليس تفاصيلها القانونية وإنما الصلاحيات التي ستصبح بيد الرئيس سعيد ليتمكن من تصويب الوضع وإخراج البلاد من الفوضى السياسية والقانونية وصراع الصلاحيات، مشيرين إلى أن مقاصد الخطوات التصحيحية التي يقوم بها قيس سعيد هي الأهم وليس التفاصيل القانونية.

ومن جهته يرى المحلل السياسي التونسي طارق الكحلاوي أن قيس سعيد سيعمل على “تجاوز الطريقة القديمة في تسيير الدولة برئيس جمهورية يختص فقط بمجالات الدفاع والعلاقات الخارجية، ورئيس حكومة له بقية الاختصاصات”، والآن فهو “يضمن تسيير السلطة التنفيذية بأكملها ويضمن أن من سيعينه رئيسَ حكومة له صلاحيات محددة”، وأن يكون رئيس الحكومة تحت توجيهه.

ولا شك أن الهدف من وراء ذلك ليس تجميع الصلاحيات بيد الرئيس بعد أن كانت مشتتة بين دوائر ثلاث، وإنما توفير المناخ التشريعي والسياسي الملائم للبدء بإنقاذ البلاد، والتركيز على الملفات التي تهم المواطنين بشكل مباشر مثل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية.

واعتبر منجي الرحوي، النائب في البرلمان المجمد، في تصريحات إعلامية أن “الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية تمثل فرصة حقيقية من أجل فتح باب واسع لاستئناف مسار الثورة وتحقيق أهدافها ومقاومة الفساد وتحقيق مطالب الشعب في التشغيل والكرامة الوطنية”. وبدد أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري الخوف على الحقوق والحريات الذي أشاعته الأحزاب والمجموعات السياسية التي حكمت قبل الخامس والعشرين من يوليو. وقال إن “المشروع الحقيقي لقرارات قيس سعيد الجديدة هو إرساء دولة القانون والمؤسسات”.

ويعتقد المراقبون أن إجراءات قيس سعيد تمتلك مشروعية سياسية وشعبية، ولهذا ينتظر الناس الشروع في تنفيذها بقطع النظر عن مواقف المعارضين لها الذين لا تسمح لهم حساباتهم وخلافاتهم بغير إصدار البيانات وحملات التشويه، مشيرين إلى أن موازين القوى تخدم الرئيس سعيد، وفي المحصّلة سيكون قادرا على تنفيذ الإصلاحات شريطة ألا يقف عند الترتيبات السياسية وأن يعطي الأولوية للملف الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما يهم الناس بالدرجة الأولى.

ولقيت القرارات التي أصدرها قيس سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو ترحيبًا من شريحة واسعة من التونسيين، وقد خرج الكثير منهم للاحتفال ولاسيّما بعد فرض منع السفر أو فرض الإقامة الجبرية على العديد من المسؤولين السابقين وتوقيف وملاحقة نواب في البرلمان قضائيّا بعد أن رُفعت عنهم الحصانة النيابية.

ويحظى الرئيس سعيّد بثقة كبيرة لدى منظمات المجتمع المدني وجزء كبير من النخبة التي تقف في وجه تيار الإسلام السياسي، فضلا عن الدعم الذي يحصل عليه من المؤسسات الرئيسية في البلاد مثل المؤسستين الأمنية والعسكرية.