الأزمة السودانية

حل الخلاف بين المدنيين والعسكريين في السودان وصل إلى طريق شبه مسدود

تتصاعد الأزمة السياسية في السودان مع إعلان حظر سفر مسؤولين مدنيين كبار، دون تحديد أسباب واضحة، في وقت يقوم فيه رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك بسباق ماراتوني بين الأطراف المختلفة للوصول إلى توافق وتفاهم يساهم بحلحلة الأزمة التي طالت الوضع المعيشي للمواطنين.

الأزمة السياسية انعكست على الوضع المعيشي

الخرطوم

فرض جهاز المخابرات العامة السوداني حظر سفر على أعضاء في لجنة تشرف على انتقال البلاد إلى الديمقراطية، وذلك وسط توتر بين القادة المدنيين والعسكريين بشأن الوثيقة الدستورية، وينذر بالتفاقم وسط فشل المبادرات في الساعات الأخيرة للوصول إلى تفاهم بين الطرفين.

وقال مصدران مدنيان كبيران بالحكومة الأربعاء إن حظر السفر الذي فرضه جهاز المخابرات العامة يشمل 11 مسؤولا مدنيا في المجمل، معظمهم أعضاء في اللجنة المكلفة بتفكيك الإرث المالي والسياسي للبشير.

ويعيش السودان منذ أكثر من شهر انقساما سياسيا كبيرا في ظل اتهام المكون العسكري بالسعي لخرق الوثيقة الدستورية ودعم مجموعة من الأحزاب والشخصيات لتشكيل حاضنة سياسية بديلة لقوى الحرية والتغيير التي قادت الثورة.

وذكرت وسائل إعلام محلية أن وزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف بعث الاثنين خطابا رسميا إلى مدير المخابرات يطلب فيه تشكيل لجنة للتحقيق بشأن حظر سفر المسؤولين، على أن تضم ممثلين لمجلس الوزراء وجهاز المخابرات ولجنة التفكيك.

وقالت صحيفة “السوداني” إن قائمة المحظورين من السفر تضم عضو مجلس السيادة والرئيس المناوب للجنة إزالة التمكين محمد الفكي، ووزير شؤون مجلس الوزراء، وأعضاء لجنة إزالة التمكين وجدي صالح وبابكر فيصل وطه عثمان إسحق.

وحاولت جهات أمنية منع مقرر لجنة إزالة التمكين صلاح مناع من السفر، قبل أن تتراجع عن قرارها.

ومحمد الفكي الذي اتهم الجيش خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي باستغلال الانقلاب كذريعة ليحاول الاستيلاء على السلطة، هو عضو في مجلس السيادة الحاكم الذي يضم مسؤولين مدنيين وعسكريين ويدير السودان بموجب اتفاق هش لتقاسم السلطة منذ الإطاحة بالبشير.

ومنذ محاولة الانقلاب، سحب قادة عسكريون قوات الحماية المخصصة للجنة وطالبوا بتغيير في الائتلاف المدني الذي يتقاسمون معه السلطة.

وقال مصدر عسكري كبير إنه لا علاقة للجيش بحظر السفر وإن مثل هذه الإجراءات ليست ضمن مسؤولياته. ورفض بعض ضباط وأفراد قوات نظامية تطبيق الأمر كونه “غير قانوني ويخالف الإجراءات الرسمية التي يجب اتباعها”.

واندلعت الأزمة السياسية في الواحد والعشرين من سبتمبر، عندما قال رئيس الوزراء حمدوك إن قوات مارقة لا تزال موالية للرئيس المعزول عمر البشير سعت بالقوة لتغيير مسار الثورة التي أطاحت به من السلطة عام 2019.

وامتدت الأزمة السياسية إلى الاقتصاد بعد إغلاق شرق السودان بواسطة تنسيقية نظارات البجا المطالبة أيضا بحل الحكومة الحالية وإعادة تشكيلها من كفاءات مستقلة، وإلغاء مسار الشرق باتفاق جوبا للسلام، ما أفرز تداعيات اقتصادية ومصاعب معيشية على الشعب السوداني كله، وصلت إلى حد تقليص ساعات الدوام الدراسي، إلى جانب خسائر مادية يومية يتكبدها قطاع الموردين والمصدرين جراء إغلاق ميناء بورتسودان البحري، ثم انتقل الصراع أخيرا إلى الأحقية القانونية لجهازي شرطة الاستخبارات والأمن بين المكونين العسكري والمدني.

وأكد مسؤول سوداني الأربعاء أن تجارا سودانيين قاموا بتحويل مسار شحناتهم وبضائعهم إلى موانئ أخرى، في ظل إغلاق محتجين يتظاهرون ضد الحكومة ميناء البلاد الرئيسي في بورتسودان.

وأفادت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن اجتماعات رئيس الوزراء السوداني حمدوك مع المجلس المركزي لائتلاف قوى الحرية والتغيير والمجموعة المنشقة عنه، انتهت دون التوصل إلى تفاهم. وأضافت أن حمدوك أكد للأطراف ضرورة لم الشمل والتوصل إلى توافق وتفاهمات من أجل تحقيق الانتقال، إلا أن الاجتماعات انتهت مساء الثلاثاء من دون التوصل إلى تفاهم.

ومؤخرا تداول ناشطون سودانيون على منصات التواصل الاجتماعي أخبارا منسوبة إلى فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة الانتقال في السودان “يونيتامس”، تفيد بدعوته حل الحكومة الانتقالية الحالية وتوسيع المشاركة.

لكن بيرتس نفى الخبر وقال “إن استمرار التضليل حول الوضع السياسي يعتبر أمرا خطيرا جدا، وعلينا جميعا التحقق من صحة الشائعات”. وأضاف “لم ولن أطالب أبدا بحل الحكومة الحالية في السودان، أو أي حكومة أخرى، هذا شأن داخلي، وليس أمرا يمكنني الخوض فيه”.

وقال بيرتس في تصريحات تلفزيونية نشرها عبر حسابه على تويتر “الأمم المتحدة على استعداد للعمل مع السلطات الانتقالية السودانية وغيرها لضمان بقاء الانتقال السياسي على مساره الصحيح وعدم خسارة المكاسب العديدة التي حققها السودان في هذه المرحلة الحالية”.

وأضاف “المهم الآن أن يواصل كل من قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري الحوار في ما بينهما ومع بعضهما البعض، ويجب أن يجد المكونان العسكري والمدني طريقا للمضي قدما على أساس الاتفاقيات السياسية السابقة والوثيقة الدستورية”.

وشدد مجلس نظارات البجا وتنسيقية كيانات شرق السودان الذي يقود الحراك القبلي وأغلق موانئ وطرقا تصل بين الشرق والخرطوم، الاثنين على أنه لن يتنازل عن شرطي حل الحكومة وإلغاء مسار الشرق في اتفاقية السلام.

ويخدم تشبث الشرق بحل الحكومة الانتقالية المكون العسكري، حيث يضع مسؤولية الأزمة على عاتقها ويلفت نظر دول الترويكا المكونة من النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى أن حكومة حمدوك تتحمل الجزء الأكبر في تصعيد الأزمة وعدم التوصل إلى حل توافقي بشأنها.

وقد وصلت الأوضاع إلى طريق شبه مسدود بين الجانبين، خاصة بعد الميل نحو الزج بالشارع في المعركة السياسية، والذي باتت نخبه منقسمة بين المكونين، ما يقود إلى المزيد من التدهور ويفجر الكثير من الخلافات التي ظلت مكتومة الفترة الماضية.