تفاؤل حذر بأن تكون المباحثات مدخلا لتحريك مسار الحل السياسي

انطلاق جولة سادسة من "متاهة" مفاوضات الدستور السوري

مع بدء اجتماعات الجولة السادسة للجنة الدستورية السورية في جنيف، تطرح أسئلة حول اختلاف اجتماعات هذه الجولة عن سابقاتها من الجولات، وحول تمكنها من الدخول في مناقشة المضامين والمواضيع الدستورية، وذلك بعد أن أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون عن التوصل إلى “اتفاق بشأن منهجية عمل اللجنة” مع رئيسي وفدي المعارضة والنظام.

لا ترفعوا سقف توقعاتكم

جنيف

 انطلقت الاثنين أعمال الجولة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، بعد اجتماع مباشر هو الأول من نوعه بين الرئيسين المشتركين لوفدي المعارضة والنظام هادي البحرة وأحمد الكزبري.

وقال المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون الأحد “للمرة الأولى اجتمعت مع رئيس (الوفد) الذي عينته الحكومة وذلك الذي عينته المعارضة لإجراء محادثات أساسية وصريحة حول كيفية تحركنا من أجل تحقيق الإصلاح الدستوري”. وأضاف “يتفق الرئيسان المشتركان الآن على أننا لن نعدَّ فقط للإصلاح الدستوري، ولكننا سنعدّ ونبدأ في صياغة الإصلاح الدستوري. لذا، فإن الشيء الجديد هذا الأسبوع هو أننا سنبدأ بالفعل عملية صياغة للإصلاح الدستوري في سوريا”.

ومن جانبه أعرب رئيس وفد المعارضة هادي البحرة عقب الاجتماع عن أمله في أن تكون اجتماعات الهيئة المصغّرة “بنّاءة ومجدية”. وقال إنه يأمل أيضا في “أن يتم إنجاز تقدّم ملموس خلال الاجتماع، والتفاهم على مبادئ وأسس يُبنى عليها للجلسات التي تليها”.

وخلال الساعات الماضية التي أعقبت اجتماع البحرة والكزبري سادت حالة من الجدل حول المصطلح الذي ردّده بيدرسون وهو “عملية الإصلاح الدستوري”.

وفي الجولات الخمس للجنة كان الحديث يدور فقط عن “عملية تعديل الدستور ووضع آخر جديد”، ليتحول الأمر الآن إلى “عملية إصلاح دستوري”، وهو ما أثار تساؤلات عن الهدف من هذا التعديل، وعما إذا كان هناك اختلاف بين المصطلحين.

وقال الباحث السوري محمد السكري إن “تصريح بيدرسون عن توافق حول إصلاح دستوري هو اختراق آخر جديد لمرجعية جنيف والقرارات ذات الصلة”. وأضاف “التوافقات كانت حول عملية دستورية وليس الإصلاح، وبالتالي دستور بشار الذي يُعتبر مُطورا عن دستور الأسد الأب 1973. نحن أمام عملية إنتاج ثالثة لدستور حافظ”.

واعتبر الناشط السياسي عبدالرزاق السلطان أن “هناك فرقا بين تغيير الدستور والإصلاح الدستوري”. وأوضح “الأول يعني نسف النظام وجميع مؤسساته الفاسدة، والثاني تغيير طفيف بالدستور لا يغيّر من الواقع الفاسد شيئا”.

وقال البحرة الاثنين ردا على التساؤلات “عملية الإصلاح الدستوري أوسع من صياغة مشروع الدستور”. وأضاف “فهي تشمل صياغة مشروع الدستور، إضافة إلى إصلاح الممارسات الدستورية، أي كل ما يتعلق بتطبيق الدستور على أرض الواقع ومنع تجاوزه. موقف المعارضة واضح في خيارها لصياغة مشروع دستور جديد”.

وفي سياق آخر، تطرح أسئلة حول اختلاف اجتماعات هذه الجولة عن سابقاتها من الجولات، وحول تمكنها من الدخول في مناقشة المضامين والمواضيع الدستورية، وذلك بعد أن أعلن بيدرسون عن التوصل إلى “اتفاق في شأن منهجية عمل اللجنة” مع رئيسي وفدي المعارضة والنظام، بالاستناد إلى ثلاث ركائز أساسية، تتمحور حول “احترام الاختصاصات والقواعد الإجرائية الأساسية، وتقديم نصوص المبادئ الدستورية الرئيسية قبل الاجتماعات، وعقد اجتماعات مع الرئيسين المشاركين قبل الجولة السادسة وبعدها”، فضلا عن التزام رئيسي الوفدين “بتحديد مواعيد مؤقتة للاجتماعات المقبلة ومناقشة خطة العمل”.

وبناء على ذلك أبدى تفاؤله بأن تبدأ اللجنة الدستورية عملها بجدية على عملية صياغة “إصلاح دستوري”، وليس على مجرد إعداد مواد دستورية، وبما ينتج “عملية دستورية مختلفة وذات صدقية”.

وبناء على تفاؤل بيدرسون، راحت شخصيات من المعارضة السورية، التي شاركت بصورة ثابتة في جميع جولات اللجنة الدستورية، تبدي بدورها تفاؤلا حيال أعمال هذه الجولة، حيث ذهب بعضها إلى عقد مراهنة جديدة على اجتماعاتها، من خلال التعويل على أنها ستكون مخصصة لمناقشة المبادئ الأساسية الدستورية، مثل “السلطات وفصلها”، “والعشرات من المواد الدستورية”، وتحديد النصوص التي تشكل صلب الدستور المرتقب، وأنها ستقطع مع متاهات الخوض في مسائل غير دستورية.

ويعتقد عضو اللجنة قاسم الخطيب في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الجولة السادسة ستكون نقلة مهمّة لصياغة دستور جديد، بعد انقطاع اللجنة عن عملها لمدة سبعة أشهر، حيث من المنتظر مناقشة المبادئ الدستورية بغية الوصول إلى مضامين دستورية حقيقية، وفي حال تم الاتفاق على ذلك من السهل المتابعة لتنفيذ خطة عمل اللجنة الدستورية من أجل صياغة دستور جديد يلبي تطلعات السوريين وآمالهم.

وتأتي الجولة السادسة بعد خمس جولات سابقة عقدت آخرها نهاية يناير واختتمت بنتائج “مخيبة للآمال”، حسب غير بيدرسون.

كما يأتي انعقاد الجولة ضمن مساعي بيدرسون لإنهاء الجمود في الملف السياسي السوري ومحاولة التقدم في مباحثات اللجنة الدستورية كمدخل لتحريك مسار الحل السياسي.

لكنّ مراقبين لتطورات الشأن السوري يؤكدون أن تغيرات مواقف القوى الدولية الفاعلة تظهر أنها غير معنية بتقديم دعم حقيقي للجنة الدستورية من أجل تمكينها من إنجاز مهمتها، وأن ما تبديه كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والسعودية ومصر وقطر وسواها من توافق على أهمية استمرار أعمال اللجنة الدستورية، هو توافق لم يخرج عن نطاق التصريحات الدبلوماسية وغير مقترن بأي إطار عملي أو فعل سياسي.

يذكر أن أعمال اللجنة الدستورية برعاية الأمم المتحدة تأتي ضمن إطار الحل السياسي للأزمة السورية الممتدة منذ العام 2011 ووفقا للقرار الأممي 2254 الصادر عام 2015.

وينص القرار الأممي على تشكيل حكم انتقالي، وكتابة دستور يسبق إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو ما قسم المفاوضات السورية إلى أربعة فروع، هي الحكم، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

واتخذ قرار تشكيل اللجنة الدستورية ضمن مخرجات مؤتمر الحوار السوري الذي انعقد في سوتشي الروسية خلال 30 و31 يناير 2018، وبرعاية الدول الضامنة، تركيا وروسيا وإيران. وبعد أكثر من عام ونصف من المشاورات أعلن أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 23 سبتمبر 2019، تشكيل اللجنة الدستورية ضمن الجهود لإنهاء الحرب السورية الممتدة منذ 2011.