استراتيجيات أميركية غامضة..

رسائل أميركية متناقضة للحلفاء والأعداء في الشرق الأوسط

سحب عدد كبير من القوات الأميركية من الشرق الأوسط يبعث برسالة خاطئة حول قدرات واشنطن.

لندن

ذهبت الكثير من القراءات منذ مطلع الشهر الحالي إلى اعتبار سحب الولايات المتحدة لأنظمة الدفاع الجوي من السعودية يؤشر فعليا على حصول تغير جوهري في العلاقة بين الحليفتين واشنطن والرياض.

وصنفت تحليلات كثيرة هذا التوجه الأميركي بأنه يدخل في خانة ضغوط الإدارة الأميركية لمعاقبة السعودية بسبب حرب أسعار النفط ومخلفاتها على إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة.

ورغم أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ظهر في أول شهر مايو لتبرير الخطة قائلا، إن “سحب أنظمة الدفاع الجوي باتريوت من السعودية ليس وسيلة للضغط على الرياض في قضايا النفط”، إلا أن الكثير من المراجع السياسية الأميركية تصنف هذا القرار ضمن استراتيجية واشنطن الغامضة حيال الحلفاء والأعداء في منطقة الشرق الأوسط.

وقال بومبيو حرفيا “أود أن أوضح، بطاريات باتريوت هذه كانت منتشرة منذ فترة والقوات يجب أن تعود، وهي بحاجة إلى إعادة انتشارها”.

لكن رغم التبريرات الأميركية الرسمية اعتبر الكثير من المحللين أن الأرجح هو أن يكون سحب بطاريتين لصواريخ باتريوت من السعودية يأتي كردة فعل أفرزتها حرب أسعار النفط التي تسببت بإلحاق الضرر بصناعة النفط الصخري الأميركي، وكذلك للشركات الأميركية الكبرى العاملة في مجال النفط.

وقدم في هذا الصدد أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين الغاضبين تشريعات تدعو إلى انسحاب عسكري أميركي كامل من منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك سحب بطاريات باتريوت، فيما رجحت تقارير كثيرة أن تكون إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب استخدمت تهديدات الانسحاب في المفاوضات مع الرياض لتحقيق صفقة 12 أبريل التاريخية لخفض إنتاج النفط بمقدار 9.7 مليون برميل يوميّا في محاولة لدعم الأسعار وإنقاذ صناعة النفط الصخري الأميركي.

وعلى عكس كل هذه التقديرات يشدد تقرير صادر عن “فورين بوليسي” الأميركية على أن سحب أنظمة الدفاع الجوي من السعودية لم يكن في الحقيقة من أجل معاقبة الرياض بقدر ما كان بسبب جهود البنتاغون لإدارة موارده المحدودة وتحويل الكثير منها في مكان آخر بعيدا عن الشرق الأوسط.

ويقول كاتبا التقرير جون حنا وبرادلي بومان، إن لهذه الخطوة تداعيات كثيرة وخطيرة معتبرين أنه في حين كان سحب بعض القوات من المنطقة بمثابة مجازفة ضرورية يمكن تدبيرها، إلا أن سحب عدد كبير جدا من القوات قد يبعث برسالة خاطئة حول القدرات الأميركية ويدعو إلى زيادة الصراع الإقليمي الذي يرغب البنتاغون في تجنبه.

سحب أنظمة الدفاع الجوي من السعودية كان بسبب جهود البنتاغون لإدارة موارده المحدودة وتحويل الكثير منها في مكان آخر بعيدا عن الشرق الأوسط

ويتناقض سحب أنظمة الدفاع الجوي من السعودية مع الحشد العسكري الأميركي الكبير في الشرق الأوسط الذي بدأ العام الماضي لمواجهة ما تسميه إدارة ترامب بالتهديد الإيراني.

وأوضح المسؤولون الأميركيون أن عمليات الدعم الإضافية للسعودية كانت دائما إجراء مؤقتا لزيادة القدرات الدفاعية للمملكة والتصدي لتزايد العدوان الإيراني. ولكن بمجرد سد الفجوة في نظام الدفاع السعودي، ستنتهي حالة الدعم الأميركية الطارئة.

وكان الهدف من إرسال الصواريخ الدفاعية والطائرات المقاتلة صدّ التهديدات الإيرانية. ففي أعقاب هجمات طهران في 14 سبتمبر على منشآت النفط السعودية، أرسل البنتاغون عددا كبيرا من الأفراد والمعدات العسكرية الإضافية إلى المملكة.

وتضمنت عمليات النشر الأميركية هذه بطاريات صواريخ باتريوت لزيادة قدرات الدفاع الصاروخي الخاصة بالمملكة، والتي فشلت في منع الطائرات ذاتية القيادة وصواريخ كروز الإيرانية من مهاجمة أكبر منشأة لمعالجة النفط في العالم.

وكانت بطاريتا باتريوت اللتان تم سحبهما تحرسان منشآت النفط، فيما ستبقى بطاريتان أخريان تحرسان قاعدة الأمير سلطان الجوية، حيث تتمركز القوات الأميركية، في مكانها حتى الآن.

وإذا كان الانسحاب قد أربك الحلفاء وأطلق العنان للتكهنات حول الدوافع الكامنة وراءه، فإن واشنطن بحسب فورين بوليسي هي وحدها المسؤولة عن ذلك، لأن تكتمها خلق الشائعات. 

وفي محاولة للسيطرة على هذه التداعيات، وصف المتحدث باسم البنتاغون شون روبرتسون، الانسحاب بأنه جزء من عملية إعادة انتشار عالمية “توزع القوات والأصول بشكل روتيني لمواجهة التهديدات الناشئة والحفاظ على الاستعداد”.

وفي سياق حملة الضغوط المستمرة على إيران، يمكن أن يتم وصف الانسحاب الذي يتم تنفيذه بشكل غير واضح، وحتى لو كان هناك الآن عدد أقل من الهجمات التي تشنها إيران ووكلائها، فإن تاريخ أكثر من أربعة عقود يشير إلى أنه من المحتمل أن يكون هذا توقفا مؤقتا تكتيكيا ولكن ليس تغيرا دائما واستراتيجيا.

وفي الشهر الماضي فقط، أرسلت طهران 11 زورقا حربيا لمضايقة السفن الأميركية في خطوة وصفتها البحرية الأميركية بأنها “خطيرة واستفزازية”. وفي مارس، شن وكلاء طهران في العراق هجمات صاروخية متعددة على قواعد تستضيف القوات الأميركية. وفي سوريا، شنت إسرائيل ضربات متكررة لعرقلة إيران عن تزويد حزب الله اللبناني بالذخائر الدقيقة.

ويصر البنتاغون على أنه يقظ ويجهز القوات. وقال روبرتسون إن الولايات المتحدة تحتفظ “بقدرات قوية في مسرح العمليات، بما في ذلك الدفاع الجوي، لمعالجة أي أمور طارئة تتعلق بإيران حسب الحاجة. نحافظ أيضا على القدرة على زيادة هذه القوات في غضون مهلة قصيرة”. وهذه النقطة الأخيرة يجب على واشنطن وحلفائها الإقليميين التأكيد عليها لردع طهران.