تجمعات سكنية للنازحين السوريين بديلاً عن الخيام

مجمع سكني للنازحين في منطقة بزاعة شرق مدينة الباب بريف حلب

إدلب

 

تعيش «أم خالد» وأسرتها منذ نحو 3 أشهر تقريباً حياة شبه مستقرة إنسانياً، بعد إقامتها في منزل جديد وسط تجمع سكني للنازحين بعد انتقالها من خيمة مهترئة وسط مخيم عشوائي في منطقة أطمة بريف إدلب الشمالي.

وجرى بناء هذا التجمع السكني للنازحين مع عدد من التجمعات السكنية بدعم من منظمات إنسانية وإغاثية تركية في إطار خطة لإنشاء مشاريع عمرانية للنازحين في مناطق الشمال السوري.

وبموجب هذه الخطة، يجري نقل عوائل النازحين من المخيمات العشوائية إلى تجمعات سكنية تباعاً، وفق معايير محددة للمستحقين من النازحين.

وقالت «أم خالد»، وهي أرملة تبلغ 32 عاماً، وتعيل 5 أطفال، بعدما فقدت زوجها بقصف سابق لقوات النظام على منطقتها في معرة النعمان شرق إدلب، إنها «تعيش منذ 3 أشهر حياة كريمة وآمنة ضمن شقة تضم غرفتين وحماماً ومطبخاً، ولها باب رئيسي يضمن أمنهم وسلامتهم».

وتضيف لـ«لـ«الشرق الأوسط»: «أعيش مع أبنائي وسط أجواء من الفرحة والسرور والاطمئنان، بعيداً عن المعاناة التي مرت بنا خلال السنوات الماضية، خلال الإقامة ضمن خيمة تعرضت خلال فصول الشتاء للغرق والتحطم بسبب العواصف المطرية والرياح الشديدة، فضلاً عن درجات الحرارة التي تصل في فصل الصيف إلى أكثر من 40 درجة مئوية».

وتتابع أم خالد: «عشت وأسرتي 3 سنوات في مخيم عشوائي، ووصل بنا الحال إلى فقدان أي أمل بالعودة إلى ديارنا أو الإقامة في منزل جيد يؤمن لنا الراحة، ولكن ما زرع فينا الأمل هو مبادرة المنظمات الإنسانية التركية ببناء مشاريع سكنية للنازحين.

بادرت إلى التسجيل لدى إحدى المنظمات، وبعدها بنحو شهرين جرى إبلاغي بأنه تمت الموافقة على حصولي على شقة في تجمع (أفاد) الذي يضم نحو 400 شقة سكنية، بالقرب من منطقة دير حسان شمال إدلب، وهنا كانت الفرحة الكبيرة لدينا كأسرة عانت مرارة العيش في الخيمة لسنوات، والعيش في منزل يؤمن لنا الدفء في الشتاء والمناخ المعتدل في فصل الصيف».

أما أبو زاهر (46 عاماً)، وهو نازح مع أفراد أسرته من ريف حلب الجنوبي، فقد حصل مؤخراً على شقة في مخيم الحنان (يضم نحو 300 شقة) بالقرب من الحدود التركية، في منطقة الدانا شمال إدلب، أنشأته منظمة تركية.

اقتطع أبو زاهر من المساحة المحيطة بالشقة مكاناً أنشأ فيه كشكاً لبيع بعض المواد الغذائية وبيع القهوة المرة للزبائن من أبناء المخيم، وبدت على وجهه ملامح الراحة والاستقرار.

وقال: «أعيش وأسرتي منذ نحو 4 أشهر حياة مستقرة، وفيها شيء من الخصوصية ضمن شقة واحدة، رغم صغر مساحتها الداخلية، إلا أنها بنظرنا بمثابة قصر مقارنة بالخيمة وسط مخيم فيه كل شيء عشوائي وغير منظم.

وهنا في هذا التجمع هناك سهولة في التحرك والتنقل عبر طرق تم رصفها بالبلاط الإسمنتي، وهناك فسح متوافرة بين المساكن، وأتاح ذلك لي فرصة لبناء كشك صغير إلى جانب منزلي وبيع بعض المواد الغذائية كالسمنة والسكر والدخان، لأكسب ما يساعد على متطلبات حياة أسرتي المعيشية والغذائية».

ويضيف متحدثاً عن معاناته وأسرته سابقاً: «كنا نتمنى الموت في كثير من الأوقات على الإقامة في ذلك المخيم العشوائي (في إشارة إلى مخيم سرمدا)، أمام المعاناة الدائمة التي كنا نعاني منها، تارة أمطار الشتاء التي تتسبب بغرق خيامنا، وتارة أخرى انهدام الخيمة نتيجة العواصف الهوائية والرياح الشديدة التي تقتلع خيامنها وتعرض ما نملك من أشياء للتلف والتخريب، فضلاً عن انسداد مجاري الصرف الصحي في الحمامات المشتركة، فيتحول المخيم إلى مستنقع وسخ.

كذلك كنا نعاني من صعوبة بالغة في تأمين مياه الشرب عن طريق صهاريح النقل، وغالباً ما تضطر العائلات إلى نقل المياه بالأوعية الصغيرة من الخزانات الرئيسية المنتشرة على أطراف المخيم».

وأوضح: «ربما يعيش من حصل على منزل جيد حياة آمنة ومستقرة، إلا أن ذلك ليس حلاً أبدياً بالنسبة لنا، فالعودة إلى ديارنا في مناطقنا تبقى هي الشغل الشاغل، وحلمنا والوحيد، فعيش الإنسان في مسقط رأسه أفضل بكثير من العيش في منطقة أخرى لا يملك فيها شيئاً سوى مكان إقامته الصغير والمؤقت».

وكانت «هيئة الإغاثة الإنسانية التركية» (IHH)، وهي منظمة إغاثية غير حكومية، أعلنت أنها دعمت بناء أكثر من 18 ألف وحدة سكنية منذ عام 2019، في مناطق واقعة تحت سيطرة الفصائل الموالية لأنقرة في شمال حلب ومناطق أخرى في شمال إدلب، شمال غربي سوريا.

ويوضح أحد المسؤولين في الهيئة أن «أكثر من 50 ألف شخص استقروا في المنازل التي بنيناها حتى الآن»، مشيراً إلى أنه سيتم إيواء ضعف هذا العدد في إجمالي 24325 منزلاً من المفترض أن يكتمل تجهيزها بحلول أبريل (نيسان).

ودعمت «منظمة إدارة الكوارث والطوارئ التركية» (آفاد) بناء المجمع السكني في منطقة بزاعة، الذي يتألف من 300 وحدة سكنية، بحسب مسؤول في المجلس المحلي لمدينة بزاعة، وتتألف كل وحدة من طابق يضم غرفتين ومطبخاً وحماماً، وهي مجهّزة بأبواب معدنية كبيرة ونوافذ جانبية صغيرة، وخزّان مياه، وخصصت هذه الوحدات لاستقبال ساكني مخيمات النزوح في المنطقة ذاتها، الذين تم نقلهم على دفعات إلى مساكنهم الجديدة ضمن تجمعات تحوي مساجد ومدارس، فضلاً عن توفر مراكز طبية بعضها جرى الانتهاء من تجهيزها، وأخرى لا تزال قيد الإنشاء.

ونشرت «وكالة الصحافة الفرنسية» تقريراً مفصلاً عن المشاريع السكنية التي يبنيها الأتراك للنازحين في شمال غربي سوريا.

وقال مسؤول المجلس المحلي في مدينة الباب وجرابلس إن منظمات سورية ساهمت إلى جانب المنظمات الإنسانية التركية في بناء عدد آخر من التجمعات السكنية في مناطق ريف حلب الشمالي، حيث بلغ مجموع الوحدات السكنية التي نفذتها جمعية عطاء نحو 2168 وحدة، آخرها تجمع عطاء السكني الثالث في مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي، الذي يتألف من 800 وحدة بتكلفة ثلاثة ملايين دولار أميركي، فيما المخطط أن يصل العدد خلال العام 2021 إلى 3500 وحدة سكنية، بينما عمل «فريق ملهم التطوعي» على تنفيذ عدة مشاريع سكنية للنازحين، منها مشروع 1000 وحدة سكنية إسمنتية في قرية طورلاها بمنطقة حارم التابعة لمحافظة إدلب، و«كل وحدة سكنية منها عبارة عن غرفتين ومرافقها الصحية».

وتكلفة بناء شقة سكنية بمساحة 50 متراً مربعاً، مع إكسائها بشكل كامل، تبلغ نحو 4800 دولار أميركي. وجرى إسكان العائلات المستفيدة من التسجيل وفق المعايير الموضوعة لذلك من حيث الأحقية (كالأرامل والأيتام والفقراء والعجزة). وبنى الفريق ذاته 472 شقة في منطقة أعزاز بريف حلب الشمالي، واستفاد منه سكان أربعة مخيمات كانوا يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة في مخيمات النزوح.

وتمثل أزمة النزوح أحد أهم التحديات التي تواجه المنظمات الإنسانية العاملة في شمال غربي سوريا. فإضافة إلى حجم الأزمة، بوجود نحو 2.7 مليون نازح، بحسب الأمم المتحدة، تبرز مجموعة معوقات تحول دون إمكانية تأمين حلول إيواء مستدامة لهؤلاء النازحين من الظروف والعوامل الجوية التي تزيد من معاناة النازحين في فصلي الشتاء والصيف.