اندلعت الحرب..

روسيا في المستنقع الأوكراني والعالم يراقب بقلق

"أرشيفية"

الرياض

دخلت الأزمة الروسية الأوكرانية، منعطفًا خطيرًا، بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شن الحرب وبدء عملية عسكرية خاصة لحماية المدنيين من نظام «كييف» ،على حد قوله. 

فـ«الناتو» لن يسمح مطلقا بتكرار سيناريو استيلاء موسكو على شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، واحتلال مناطق من دولة جورجيا عام 2008، كما أن بوتين لن يتراجع عن استكمال ما بدأه، للحيلولة دون انضمام أوكرانيا للناتو. 


اندلعت الحرب.. روسيا
موسكو تعلم جيدًا خطورة الموقف الحالي، فالخيارات المتاحة لها محفوفة بالمخاطر، فهي لن تستطيع السكوت عن انضمام أوكرانيا التي تعتبر حديقتها الخلفية وكانت في وقت سابق مستودعًا لأسلحتها النووية، مما يجعل أمنها القومي مهددًا، 

وقد قررت موسكو غزو كييف، صباح الخميس، 24 فبراير2022، وهي تدرك أنها تسقط في المستقع الأوكراني، إذ أرسل حلف الناتو قوات إلى أوروبا الشرقية، قبل تلك الحرب، فضلًا عن التهديد بحزمة من العقوبات الاقتصادية، في محاولة لردعها عن غزو أوكرانيا، وذلك كان ردًا على حشد أكثر من 100 ألف عسكري روسي، على حدود أوكرانيا، ففي الأشهر الأخيرة، أقنعت الدبلوماسية والتحركات العسكرية الروسية الكثيرين، بمن فيهم بيلاروسيا والعديد من المحللين الأمنيين بأن الرئيس فلاديمير بوتين اتخذ قرار الحرب، مما حدا بروسيا إلى اتهام الغرب بالمسؤولية عن الفوضى التي ضربت الأسواق المالية الغربية، إذ خسرت الأسهم القيادية في البورصة أكثر من 10% من قيمتها في يوم واحد، كما انخفضت قيمة الروبل أكثر من 6% منذ بداية يناير.

ومن أهم العقبات التي تضعها روسيا نصب عينها هي ظاهرة الراسبوتيتسا التي تشير إلى موسم طين الربيع، وتنتشر في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا، والتي تسمى بجنرال الوحل حيث تعتبر خط الدفاع التاريخي لحدود روسيا على مر العصور، ومنحها ميزة دفاعية في الحروب حتى الحروب الحديثة، وجعلت روسيا حصنًا منيعًا أمام غزو المغول في القرن الثالث عشر، وشكلت عائقًا أمام نابليون إبان الغزو الفرنسي لموسكو في عام 1812، وساعدت موسكو في الإفلات من الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية، لكنها أصبحت في الوقت الراهن بفعل التغيرات المناخية عائقًا رئيسيًّا لروسيا في حربها المحتملة ضد أوكرانيا.

لذا تبحث روسيا عن أسلوب جديد للحرب يجنبها الدخول في صدام مباشر مع قوات الناتو والإدارة الأمريكية، وذلك عبر الحرب الهجينة التي ترى أنها ستحقق لها العديد من أهدافها دون الحاجة إلى الصدام المباشر.

تبني الحرب الهجينة أو غير التقليدية، استراتيجيات حربية تعتمد بشكل أقل على العمليات الحربية التقليدية، في مقابل العمليات الحربية غير العسكرية، والتي من شأنها مجتمعة تحقيق الهدف المنشود، المتمثل في حمل العدو، على القيام بتقديم تنازلات لم يكن ليقوم بها طواعية.

اندلعت الحرب.. روسيا
وتحقق هذه الحروب الأهداف المنشودة باستخدام وسائل غير تقليدية، كالحرب النفسية، والبروباجاندا، وإنزال العقوبات الاقتصادية، وفرض الحظر الدولي، أو حتى تسهيل العمليات الإرهابية أو الإجرامية وغيرها من العمليات التخريبية التي من دورها زعزعة استقرار الدول. أما العمليات العسكرية فإنها تتخذ أشكالاً غير نمطية، وتتمّ بشكل سرّي، وتعتمد على أساليب مختلطة، وتنخرط فيها القوّات غير النظامية، ويتبع فيها تكتيكات حربية نمطية وتكتيكاتٍ أخرى مغايرة.

في ظل متابعة السياسات الروسية نكتشف أن موسكو نفذت العديد من الأنشطة على مدار السنوات، منذ استقلال أوكرانيا، التي دعمت من خلالها الاتجاهات المناهضة لأوكرانيا والغرب، والمؤيدة لروسيا لدى الرأي العام في القرم وسيفاستوبول، ما أدّى إلى تراجع إمكانية تأسيس جيش أوكراني موحد، إذ لعب جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، وعبر بعض الأنشطة الاستخباراتية، دورًا كبيرًا في ظهور عدة منظمات سياسية موالية لموسكو.

وأكبر دليل على ذلك عند فوز الرئيس الأوكراني السابق، فيكتور يانوكوفيتش، في انتخابات 2010، فتح المجال أمام مجموعة من السياسيين الموالين لموسكو للوجود في مختلف مفاصل الدولة، منهم من تولّى مناصب رفيعة وحسّاسة في الدولة، بما فيها أجهزة المخابرات الأوكرانية الوطنية؛ ومنهم: سلاماتين، ليبيديف، وياوينكو، الذين تولّوا مناصب مهمّة في وزارة الدفاع وجهاز المخابرات الوطنية في الفترة بين 2012 و 2013، وهم الآن في روسيا وخاضعون لحمايتها بعد هروبهم من بلادهم عشيّة وصول النظام الجديد الموالي للغرب.

وتهدف روسيا من حربها الهجينة طويلة المدى في أوكرانيا إلى إعاقة التمدد الغربي على حدود روسيا، أي تجنب اضطرار روسيا لمشاركة حدودها مع دولة موالية للغرب، فضلًا عن طموح روسيا ترسيخ مكانتها العالمية كقوة عظمى.

كما تشكلّ العمليات المعلوماتية الروسية مصدر قلق ليس فقط لأوكرانيا، ولكن للمجتمع الدولي بشكل عام، وهو ما تبين في تقديم الدول الأوروبية طلبًا للدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية لوضع تدابير صارمة ضد عمليات روسيا المعلوماتية.

الهدف الرئيس لروسيا من كل هذه الترتيبات هو إنشاء شبه دولة موالية لها على الأرض الأوكرانية، حيث نجحت في خلق تسع مناطق فيدرالية واقعة تحت نفوذها، وهي: كاركوف، دنيبرو، دونتسيك، لوهانسك، زاباروجيا، خيرسون، ميكولايف، أوديسا، وشبه جزيرة القرم.