اليمن..

الحوثيون يدقون مسمارًا جديدًا في نعش القدرة الشرائية لليمنيين

"أرشيفية"

كيوبوست

تشهد صنعاء بداية موجة غضب شعبي بعد قيام سلطات المتمردين الحوثيين، مؤخراً، برفع أسعار الوقود في مناطق سيطرتهم بنسبة تبلغ تقريباً 43%. وحسب ما تناقلته وسائل الإعلام ومواطنون، فقد ارتفع سعر جالون البنزين سعة 20 لتراً في المحطات التجارية إلى 16000 ريـال (نحو 26.5 دولار) من 11200 ريـال (12 دولاراً). وتتسبب هذه الزيادة في أزمة خانقة تؤثر على أسعار الكثير من السلع والخدمات؛ أهمها النقل والمواد الغذائية.

وعلى الرغم من أن أزمة الوقود الأخيرة هذه تأتي مع الارتفاع العالمي في أسعار النفط بسبب أزمة الحرب الأوكرانية؛ حيث وصلت إلى أعلى مستويات منذ 7 سنوات؛ فإن الأزمة في اليمن مستمرة ومتفاقمة منذ سنوات بسبب الصراع الدائر في البلاد، واقتصاد الحرب والفساد؛ وهي أزمة لم تنحصر في مناطق سيطرة الحوثيين فقط، بل أيضاً في المناطق المحررة الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية.

ينظر بعض الناشطين إلى أزمة الوقود الحالية كبداية النهاية لما سموه بـ”السنوات السبع العجاف”، ومن العجيب أن أزمة مشابهة اتخذها المتمردون ذريعة لإسقاط الحكومة الشرعية في عام 2014، ولم يؤدِّ تمردهم إلا إلى المزيد من الأزمات والتكاليف الباهظة التي دفعها المواطنون، بينما اغتنى المتمردون وأمراء الحرب.

أسباب ارتفاع الوقود

ارتفاع أسعار الوقود العالمية هو أحد أبرز الأسباب لارتفاعه في السوق المحلية؛ لكن هناك عدة أسباب أخرى تزيد الطين بلة، من بينها اعتماد الحوثيين على استيراد الوقود من المناطق المحررة، والطلب المرتفع على الوقود في مناطق سيطرة الحوثيين مقارنةً بالمناطق المحررة نتيجة الكثافة السكانية وقطاع الزراعة الذي تعتمد عليه مناطقهم بشكل أساسي، وأخيراً استقرار أسعار الصرف في مناطق الحوثيين وتدهورها في المناطق المحررة.

أدت الأسباب آنفة الذكر إلى ازدهار السوق السوداء وتجارة الوقود في مناطق الحوثيين؛ حيث بات التجار وأمراء الحرب يفضلون بيع المشتقات النفطية أو تهريبها إلى مناطق الحوثيين للحصول على عوائد أكبر مقارنة ببيعها في مناطق الشرعية. استغلال التجّار أدى إلى تنافسهم وإثارة سخط القبائل والمواطنين العاديين الذين عبروا عن غضبهم من خلال اعتراض سير صهاريج نقل الوقود وتوقيفها أو عرقلة عمل التجار.. وهكذا، تؤدي سلسلة المشكلات تلك إلى ارتفاع الأسعار والاضطرابات في المنطقتَين.  

يفضل مستغلو الأزمات إبقاء الأمور على حالها، ينشئون علاقات متينة مع زعماء المتمردين وتجارهم من جهة، ومع أصحاب النفوذ في مناطق الحكومة الشرعية من جهة أخرى؛ بمَن فيهم المسؤولون الحكوميون. تداخل المصالح هذا يؤدي إلى التأثير السلبي على اتخاذ القرارات وتعطيل أية قدرة على الحسم.

إطالة أمد الحرب

وفي حين أن الفساد في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية يؤدي إلى إثراء أصحاب النفوذ والتجار، فإنه في مناطق سيطرة الحوثيين يؤدي إلى زيادة قوة الحوثيين وإطالة الصراع؛ حيث يستغل الحوثيون العائدات الضخمة التي يحصلون عليها في تمويل المجهود الحربي، وقتل الأبرياء، وضرب الدول المجاورة، وقمع أية فرصة للسلام.

ولا يقتصر الأمر على الفساد في قطاع المشتقات النفطية فقط؛ بل إن الأزمة الدائرة تفيد أمراء الحرب من أكثر من جهة، من السوق السوداء للوقود والعملة، ومروراً بتهريب الأسلحة والمخدرات والآثار، ووصولاً إلى سرقة المساعدات الإنسانية. غالباً ما يتورط في هذا الفساد أصحاب النفوذ في طول البلاد وعرضها بغض النظر عن الأيديولوجيا أو التوجه السياسي؛ الحوثيون في مناطق سيطرتهم، والإخوان المسلمون في مناطق سيطرة الشرعية، إلى جانب المسؤولين الفاسدين من مختلف الأحزاب والتوجهات أو البرغماتيين.

الفساد في المساعدات الإنسانية هو الأكثر إثارة للجدل؛ حيث تنحرف المساعدات التي تشتد الحاجة إليها عن مسارها، وتذهب إلى الموالين للحوثيين، أو الموالين للإخوان. وحسب ما أفاد شهود عيان وناشطون لـ”كيوبوست” -شرط عدم الكشف عن هويتهم لأسباب تتعلق بسلامتهم- تشهد محافظات مثل تعز فساداً وتلاعباً كبيراً في المساعدات الإغاثية؛ بسبب سيطرة الجمعيات والمنظمات الموالية لحزب الإصلاح، ذراع الإخوان في اليمن، على هذا النشاط، بالتواطؤ مع المسؤولين والمنظمات العالمية.

عواقب وخيمة

المزيد من الفساد والسماح به يؤدي إلى المزيد من القوة في يد المتنفذين الذين يؤثرون على صناعة القرار وسير المعارك. ربما يكون الغضب الشعبي إحدى أكثر الأدوات قوةً لمقاومة الفساد؛ لكنه يفتقد التنظيم والقيادة في مناطق سيطرة الحوثيين، ناهيك بالقمع الشديد والقبضة الحديدية التي يقبض بها الحوثيون على المجتمع، ومع ذلك ينبغي عدم التقليل من شأن الغضب الشعبي.

يستخدم الحوثيون عائدات المشتقات النفطية لتمويل المجهود الحربي، كما يستغلون المساعدات لتموين الجبهات والموالين لهم، تاركين أعداداً هائلة من السكان عرضة لسوء التغذية والمرض. يمارس الإخوان الفساد ذاته لحشد الدعم وزيادة الولاء لهم؛ ففي تصريح لـ”كيوبوست” يقول أحد سكان تعز: “تذهب كل المساعدات إلى الموالين للإصلاح، وحتى الوظائف في بعض المنظمات الإنسانية يحصلون عليها من خلال السماسرة”، ويضيف: “لدينا في الحارة العديد من المصابين بالأمراض، والذين لا يقدرون على دفع تكاليف العلاج، وعلى الرغم من أن بعض المنظمات تخصص علاجات مجانية للمستحقين؛ فإننا نجد هذه العلاجات تُباع في الصيدليات بدلاً من أن تصل مجاناً إلى المحتاجين”.

يقول موظف سابق في إحدى المنظمات الإغاثية أيضاً: “نحن ليس لنا أي توجه، وقد عملنا في المنظمة بفضل كفاءتنا وليس نتيجة أي وساطة أو محسوبية؛ لكننا للأسف تحت إدارة إخوانية فاسدة تسعى لتحقيق أهداف خاصة بذريعة المساعدات”. جميع الذين تحدثوا إلينا يرفضون الكشف عن هويتهم؛ خوفاً من الانتقام والتعرض إلى المزيد من التهميش والقمع في بلد يفتقد قوة القانون؛ الأمر الذي يجعل ما يصل إلى وسائل الإعلام لا يمثل الحقيقة الكاملة على الإطلاق.

الفساد والقمع هما آفة اليمن وسبب استمرار الصراع؛ والأسوأ من ذلك هو تعرض الملايين من السكان إلى مخاطر الفقر والمرض وحتى التطرف. يجب منح المناطق المحررة قدرات أكبر لممارسة الحكم الرشيد وفرض القانون وتنظيم علاقاتها بالمناطق المحررة؛ بحيث لا تؤثر الحرب على حياة المواطنين الذين تفرض الإنسانية والأعراف الدولية حمايتهم.