حرب بدون سلاح..

حكومتا الدبيبة وباشاغا تعززان الانقسام الليبي والقلق الدولي

"أرشيفية"

فرنسا

في الوقت الذي تعيش ليبيا فيه حراكًا سياسيًّا كبيرًا على وقع التطورات المتسارعة التي تشهدها مؤخرًا، يبدو الوضع في الداخل الليبي شديد التعقيد ويلفه الغموض في ظل وجود حكومتين

 ففي الوقت الذي يواصل فيه وزراء حكومة فتحي باشاغا تأدية اليمين الدستورية أمام البرلمان بعد نيل الثقة، يتمسك رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة بمنصبه، ما يثير تساؤلات كبيرة حول مآلات الوضع الحالي، حيث تشير تقارير إعلامية بأن الانقسام تزايد بعد الحديث عن منع وزراء من حكومة باشاغا من السفر من قبل قوات تابعة لحكومة الوحدة واتهام الأخيرة مجلس النواب «بالتزوير» في أعقاب تصويت المجلس بمنح الثقة لحكومة فتحي باشاغا. 

أزمات متتالية 

تتواصل تحركات الحكومة الجديدة برئاسة فتحي باشاغا للبدء في مهامها، حيث أدى وزيرا الداخلية اللواء عصام محمد حسن بوزريبة والحكم المحلي سامي علي الفيتوري الضاوي، الثلاثاء 08 مارس 2022، اليمين الدستورية أمام رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في مدينة القبة، في إطار التحضير لتسلم مهامهما وفق ما أعلنه المركز الإعلامي لرئيس مجلس النواب.

وأدى فتحي باشاغا، اليمين الدستورية رئيسًا للحكومة الجديدة في ليبيا، خلال جلسة للبرلمان الليبي في مدينة طبرق شرقي البلاد. وجاء ذلك بعد يومين من حصول حكومته على ثقة مجلس النواب الليبي بأغلبية ساحقة، خلفًا لحكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة، فيما تعذر وصول عدد من الوزراء إلى طبرق لتأدية اليمين.

وتحدثت تقارير إعلامية عن منع وزراء من حكومة باشاغا من السفر من قبل قوات تابعة لحكومة الوحدة، كما قامت السلطات في طرابلس بإقفال المجال الجوي، فيما سارع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة باتهام مجلس النواب «بالتزوير» في أعقاب تصويت المجلس بمنح الثقة لحكومة فتحي باشاغا.

وخلال كلمة متلفزة قال الدبيبة: «التزوير والتدليس الذي تمارسه رئاسة المجلس ليس بالجديد، وأن منح الثقة للحكومة الجديدة مؤامرة أخيرة لمنع إجراء الانتخابات». وجدد الدبيبة تمسكه بعدم التسليم إلا لحكومة منتخبة، وأن حكومة الوحدة الوطنية مستمرة في عملها حتى تنفيذ انتخابات يونيو المقبل وإعادة الأمانة لأصحابها من المواطنين الليبيين، وفق تعبيره.

ورغم تمسك الدبيبة بالسلطة، أكد فتحي باشاغا رئيس الحكومة الليبية الجديدة أنه سوف يذهب إلى طرابلس، وستكون هناك ترتيبات لضمان انتقال عادي وسلس لللسلطة.

وقال باشاغا: «غلبنا مصلحة الوطن على المصالح الشخصية، وأثبتنا أن السلطة التشريعية الموقرة قادرة على التفرد بقراراته».

وأضاف: «سنباشر بدراسة كافة الخيارات والتدابير اللازمة لتسلم السلطة في العاصمة طرابلس بقوة القانون وليس بقانون القوة»، لافتًا إلى أن حكومته لن تكون موازية، وإنما تمثل البلاد شرقًا وغربًا وجنوبًا، وستستعين بخبرات ليبية من كل الأطراف، مضيفًا: «لا إقصاء لأي أحد».

كما حذر باشاغا من خطر الانزلاق إلى الحرب، قائلًا: «"إن لديه خلفية عسكرية"، ويعلم ما هي الحرب»، موجهًا النصيحة إلى الجميع أن لا يتمنوا الحرب ولا يُشعلوا نار الفتنة، فالحرب سهل إشعالها لكن ليس من السهل إطفاؤها، بحسب قوله.

مخاوف محتملة

وتأتي هذه التحذيرات وسط مخاوف من انزلاق البلاد إلى مربع المواجهات العسكرية، خاصة في ظل مؤشرات تبدو مقلقة على غرار التحركات العسكرية التي تشهدها العاصمة طرابلس مؤخرًا، حيث أعلنت كتيبة النواصي، مساء السبت الماضي، حالة الطوارئ، على خلفية أنباء عن قدوم رئيس الحكومة فتحي باشاغا إلى مدينة طرابلس، وقد أنتشرت آليات عسكرية تابعة للكتيبة أمام مقرها.

وكانت أنباء تردّدت قبل ذلك، حول عقد قيادات عسكرية واجتماعية اجتماعًا في طرابلس، تم خلاله الاتفاق على توجيه تحذير لرئيس الحكومة فتحي باشاغا ومنعه وأعضاء حكومته من دخول المدينة، في المقابل جرت اجتماعات في مصراتة بين قيادات سياسية وعسكرية لتوفير الحماية لباشاغا، لكنها انتهت برفض كتائب وقيادات بسبب «خروجه عن المبادئ والثوابت».

واجتمع الدبيبة، مع رئيس الأركان العامة الفريق محمد الحداد، ومدير إدارة الاستخبارات العسكرية آمر المنطقة العسكرية الغربية اللواء أسامة الجويلي. ونشر المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية صورة من الاجتماع الثلاثي من دون أن يقدم أي تفاصيل حول نتائجه وطبيعته وسط مخاوف من تحشيد مرتقب.

وأمام ضبابية المشهد الليبي وتطوراته المقلقة، تزداد تحركات البعثة الأممية التي ما زالت تحاول فرض رؤيتها وهو ما بدا جليًا من خلال المبادرة الجديدة التي اقترحتها المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون ليبيا ستيفاني وليامز، الجمعة الماضي، والتي نصت على تشكيل لجنة مشتركة بين مجلسي النواب والدولة تتكون من 12 عضوًا، بواقع ستة من كل مجلس، على أن تجتمع في 15 مارس الجاري، في مكان يجري التوافق عليه، للعمل لمدة أسبوعين على وضع قاعدة دستورية توافقية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

مبادرة أحدثت خلافًا جديدًا بين الفرقاء الليبيين، حيث صوت المجلس الأعلى للدولة الاستشاري، لصالح الموافقة على مقترح ويليامز، فيما كشفت مذكرة لـ93 عضوًا بمجلس النواب موجهة للمستشارة الأممية ستيفاني وليامز رفض مبادرتها، واعتبر النواب في المذكرة، أن «هذه الخطوة غير مبررة وأتت بشكل مفاجئ وتعتبر مسارًا موازيًا خصوصًا بعد ما تم التوصل إليه من اتفاق ليبي ليبي».

من جانبه، وصف عضو مجلس النواب، علي التكبالي، مبادرة ستيفاني ويليامز، حول ليبيا، بـ «المشبوهة»، مشيرًا إلى أنه «كلما تفاهم الليبيون مع بعضهم خرجت ويليامز لتضع العراقيل أمامهم». وقال التكبالي في تصريحات صحفية: «إن مجلس النواب أصدر بيانًا لرفض مبادرة ويليامز، فهي تضع العصا في العجلة بعد أن شكل البرلمان بأغلبية أعضائه حكومة جديدة، فمبادرتها لا تتماشى مع المسار الدستوري الذي توافق عليه مجلسا النواب والدولة».