جنون الأسعار..
كورونا أرحم.. والأزهر يرحب بتخليد ذكرى مروة الشربيني في ألمانيا

"أرشيفية"
من المثير للدهشة أن يكون أبناء النيل أشد حرصا على أن تضع الحرب التي تشغل اهتمام العالم أوزارها، من بعض المشاركين فيها، إذ بات المصريون على قناعة بأنهم يدفعون فاتورة تلك الحرب، إذ تهاوت قيمة عملتهم الوطنية نتيجة الغلاء الطاغي الذي بات يؤثر في نمطهم المعيشي، للحد الذي جعل الحياة بالنسبة لمعظمهم رحلة عذاب لا يعينهم عليها أحد، فالحكومة باتت في موقف لا تحسد عليه
رغم استنفارها أجهزتها كافة للتصدي للجنون الذي أصاب أسعارالسلع كافة. السؤال الكبير الذي فرض نفسه على صحف أمس الأربعاء 16 مارس/آذار وبات يلاحق الحكومة وينطلق صداه في مدن مصر وقراها، من يحمي المستهلكين من انفلات الأسعار في الأسواق؟ أسعار الخبز والدقيق والزيوت والحديد تسجل ارتفاعات تقترب من الضعف، فيما يبدو موقف الحكومة أشد حرجا بسبب ضيق الموارد وتعاظم الدين العام، وارتفاع نسبة التضخم، وفي سبيل مواجهة الغضب الشعبي، واصلت وزراة التموين إطلاق وعودها بالتصدي للتجار الجشعين والسعي نحو توفير السلع الغذائية بأسعار في متناول المواطنين، كما أكد الدكتور علي المصيلحي وزير التموين والتجارة الداخلية، أنه تم طرح كراتين رمضان في المجمعات الاستهلاكية بقيم مالية (52 – 95 – 123) جنيها للكرتونة، وأن كل فئة مالية من هذه الكرتونة تحتوي في داخلها على السلع الأساسية من ” زيت ـ سكر ـ أرز ـ مكرونة ـ شاي ـ صلصة”. وبدوره وافق مجلس الوزراء على صرف حافز استثنائي للفلاحين بهدف إقناعهم بتوريد القمح بقيمة 65 جنيها، عن كل إردب ليضاف إلى أسعار التوريد المحددة سلفا، كما وافق مجلس الوزراء على تفويض وزارة التموين والتجارة الداخلية في اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع آلية لتسعير الخبز الحر، على أن يتم تطبيقها لمدة ثلاثة أشهر.
ومن الأخبار العامة: أضاءت وزارة الخارجية مبناها بالرقم 100، بمناسبة الاحتفال بذكرى مئوية وزارة الخارجية ويوم الدبلوماسي. ومن أخبار المؤسسة الدينية: أكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن إطلاق اسم مروة الشربيني في ألمانيا خطوة مهمة للتذكير بخطورة أفكار اليمين المتطرف.. وقد أزاح عمدة مدينة درسدن الألمانية ديرك هيلبرت، الستار عن لافتة حملت اسم “حديقة مروة الشربيني” أمام المحكمة الإقليمية للمدينة، تخليدا لذكرى المصرية مروة الشربيني التي قتلت عام 2009 على يد أحد العنصريين اليمينيين داخل محكمة درسدن.
ومن أبرز التقارير التي أثارت ضيق المواطنين استمرار حظر إقامة موائد الرحمن خلال شهر رمضان المقبل، حيث تلقي مجلس النواب ردا على أسئلة أكثر من 150 نائبا ونائبة، تأكيدات وزارة الصحة بفرض حظر شامل في القاهرة وجميع المحافظات على إقامة موائد الرحمن في شهر رمضان المبارك، إذ قالت الوزارة أن المسموح به هو إمكان استبدال موائد الرحمن بتوزيع الوجبات الجاهزة على الأسر الأكثر احتياجا، ومن يتطلب عملهم العمل خارج المنزل وقت الإفطار مع ضرورة اتباع جميع الإجراءات الوقائية ضد فيروس كورونا.
كورونا أرحم
ليس خافيا على كثيرين كما يرى عماد الدين حسين في “الشروق” أن تداعيات الأزمة الأوكرانية أسوأ بكثير من تداعيات أزمة كورونا، على العديد من الدول، الذي سيدفع الثمن الأكبر لهذه الأزمة من الدول حتى الآن، هم أولئك الذين يستوردون معظم غذائهم ومياههم ووقودهم ومعداتهم ودوائهم وسلاحهم من الخارج، مثلنا في مصر، خصوصا إذا طالت هذه الأزمة وتوسعت. ولأن الأزمة مرشحة للاستمرار، فمن المفترض أن يكون هناك استعداد مختلف للتعامل معها. الحكومة طمأنت المواطنين أكثر من مرة وقالت إن لديها مخزونا كافيا من السلع الاستراتيجية المختلفة، خصوصا القمح حتى نهاية هذا العام. وكل وزارة خصوصا التموين أكدت جاهزيتها خصوصا مع اقتراب شهر رمضان الكريم، لكن بجانب كل ذلك طالب الكاتب بخطة طوارئ اقتصادية، وأعنى بها أنه إضافة إلى توفير السلع الأساسية وإتاحتها، أن تنشط أجهزة الأمن المختلفة لتطبيق أشد العقوبات على كل تاجر تسول له نفسه استغلال هذه الأزمة لتحقيق أرباح خيالية على حساب المستهلكين. فى سوق فيها أكثر من 100 مليون نسمة، لا يمكن الرهان كثيرا على الدعوات التي تعتمد على أخلاق وضمائر التجار ودعوتهم إلى مراعاة ظروف الناس الغلابة والمساكين. في مثل هذه الأسواق الكبيرة فإن الأساس الذي تقوم عليه الأمور هو القانون، وحينما تكون هناك ظروف غير طبيعية مثل تداعيات كورونا أو أوكرانيا، فإن سيف القانون البتار هو الذي يفترض أن يهذب أخلاق التجار المنفلتين أو الجشعين.
عيش حاف
لا يعقل في كل أزمة على حد رأي عماد الدين حسين، أن نطالب الناس بعدم الشراء ومقاطعة التجار الجشعين حتى «يتوبوا ويراعوا ضمائرهم». هناك سلع لا يمكن تطبيق هذه القاعدة عليها، مثلا ماذا لو اتفق غالبية منتجى الخبز غير المدعم على رفع سعره بصورة جنونية؟ هل نقول للناس لا تأكلوا الخبز، علما بأنه غذاؤهم الرئيسي في الوجبات الثلاثة تقريبا؟ إضافة إلى مطالبة الناس بمقاطعة سلعة معينة، يجب أن تكون لدى الحكومة ذراع اقتصادية مثلما فعلت في اللحوم والخضراوات والفاكهة، لكن حينما لا يتوازن العرض والطلب، فيجب عليها أن تطبق القانون بأقصى درجة شدة وقسوة ممكنة. سيقول البعض، ولكن قواعد السوق تقوم بالأساس على التوازن بين العرض والطلب، وأن التدخل الحكومي والأمني لن يحل المشكلة، بل سيزيد الطين بلة. هذا كلام صحيح جدا في الأوقات العادية، وليس في أزمنة الأزمات الكبرى، حيث نرى دولا عتيدة في الرأسمالية وتقديس قواعد السوق، تقوم مثلا بتغيير خطوط إنتاج مصانع قطاع خاص للمصلحة القومية، كما حدث مثلا في بدايات انتشار كورونا لإنتاج الكمامات والكحول الإيثيلي، وكما حدث في تخصيص كميات محددة من السلع لكل أسرة حينما يختل التوازن بين العرض والطلب. للأسف الشديد لدينا عدد كبير من التجار متخصصون في استغلال الأزمات، وأتمنى أن يكون تركيز أجهزة الرقابة على «الهوامير والحيتان الكبار» وليس فقط على «البساريا الصغيرة». في بداية تجربة النمو الصينية أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كان يتم إعدام التجار الجشعين في الميادين العامة حتى يكونوا عبرة لغيرهم. لا نريد الإعدام للناس، لكن على الأقل نريد أي طريقة تجعلهم يكفون أذاهم عن الناس. وهناك سؤال حيوي جدا في هذا الموضوع وهو: هل لدينا فعلا من يستطيع مراقبة ومعاقبة التجار الجشعين، أم أن بعض هؤلاء المراقبين يحتاجون من يراقبهم؟
مجرد أماني
توقع محمد أحمد طنطاوي في “اليوم السابع” أن تنخفض أسعار السلع والمنتجات الأساسية، مثل الحبوب والخضروات والفاكهة والدواجن واللحوم والحبوب، بنسب تزيد عن 20% خلال الأيام المقبلة، في ظل عمليات الرقابة الفعالة التي تقودها الدولة في الوقت الراهن، لمواجهة الاحتكار بكل أشكاله، ومحاولات البعض في تخزين السلع والمنتجات لرفع أسعارها والتلاعب في كمياتها، بصورة تخلق طلبا وهميا أو تساهم في غيابها أو ندرتها من الأسواق، لذلك يجب أن يهدأ المواطن في عمليات الشراء، ويستخدم ما يحتاج إليه فقط. بالتزامن مع ما تقوم به الدولة من عمليات ضبط قوية للأسعار، بدأت موجة الارتفاعات العالمية في الأسعار تنخفض بصورة ملحوظة، خاصة البترول، الذي تراجع بنسب كبيرة جدا على مدار أسبوع، نتيجة تبدد المخاوف من الحرب الروسية الأوكرانية، ونجاح الدول المصدرة للبترول في احتواء الأزمة، وتأمين احتياجات العالم من الطاقة، كما انخفضت أسعار الحبوب عالميا بنسب معقولة، على رأسها القمح مثلا، الذي شهدت أسعاره انخفاضات ملحوظة، بما يؤكد أن الأسعار العالمية تعود إلى نصابها مرة أخرى، بعد استيعاب نتائج الحرب الروسية الأوكرانية، وطرح الحلول والسيناريوهات البديلة. أهم ما نحتاج إليه خلال الأيام المقبلة هو سلاح الوعي، والتحرك الفاعل الإيجابي في الإبلاغ عن احتكارات السلع، بالإضافة إلى تقليل كميات الاستهلاك بنسب معقولة تناسب في تحقيق فائض معتبر من السلع، وعدم التكالب على التخزين أو شراء منتجات تزيد عن الحاجة، خاصة أن الأسعار سوف تشهد انخفاضات بنسب معقولة خلال الفترة المقبلة، نتيجة تدخل الدولة في زيادة المعروض وضرب الاحتكارات. لا نحتاج في الوقت الراهن إلى مصطلح “ترشيد الاستهلاك”، لكننا في حاجة إلى “تقليل الاستهلاك”، والتفريق بين ما نريد وما نحتاج، فتأجيل ما نريد بات ضروريا، والعمل فقط على تلبية ما نحتاج إليه بالفعل، فلو التزمنا بهذه المعادلة سوف تتزن آليات العرض والطلب، وتهدأ الأسعار، ويختفى جشع التجار، وسلاسل الوسطاء بين المنتج والمستهلك.
نعاني ويتمتعون
من بين الغاضبين من مافيا التجار محمد بركات في “الأخبار”: إذا ألقينا نظرة فاحصة على الأسواق في ظل الضجة القائمة طوال الأيام والأسابيع الأخيرة، نتيجة ما حدث وما طرأ من زيادة وارتفاع عشوائي في الأسعار بصفة عامة، لوجدنا الكثير والعديد من الأمثلة والوقائع الدالة على الاستياء العام والرفض الشامل، للسلوك المستهجن والفج من جانب التجار الجشعين. وإذا ما دققنا في أسعار السلع الموجودة في الأسواق في هذه الفترة، وما طرأ عليها من ارتفاعات جزافية، وخارجة عن نطاق السيطرة أو المنطق خلال الأسابيع الماضية، وقبل اضطرار الحكومة للتدخل لوقف حالة الانفلات العام، التي أصابت هذه الأسعار، لوجدنا المبرر الكافي، بل والضروري لتدخل الدولة لوضع حد لهذا الانفلات، وتلك الحالة من الطمع والجشع التي أصابت الكثير من التجار للأسف. واللافت للانتباه بشدة، أن هذا الانفلات في الأسعار لم يقتصر على فئة أو نوعية معينة من السلع، بل امتد ليشمل كل أنواع السلع الاستهلاكية والمعمرة وما بينهما، والأدهى والأمر من ذلك، أن ضربة البداية في هذا الارتفاع العشوائي كانت من نصيب السلع والمواد الغذائية، وهو ما أثر بالسلب في الجميع، وفي المقدمة بالطبع الفئات الشعبية، خاصة في ظل التهيؤ لاستقبال شهر رمضان الكريم. والأكثر لفتا للانتباه أن حالة الطمع والجشع لم تقتصر على فئة أو نوعية محدودة من التجار، بل امتدت لتشمل العديد منهم في كل الأماكن وكل الأسواق، وفى كل المدن والمحافظات، وكأننا أمام حالة عامة من السعار والجشع أصابت كل التجار، ما اضطر الحكومة بل الدولة بصفة عامة للتدخل العاجل لوضع حد لهذا الانفلات وذلك الجشع.
الحل في الشعير
اقتراح طرحه الدكتور مصطفى الفقي في “المصري اليوم” للنجاة من شبح الجوع: اتصلت بى سيدة فاضلة مصرية مُسنة من أصول ليبية، تعيش في مركز الدلنجات في محافظة البحيرة، وقالت لي أرجوك أن توصل اقتراحي إلى من تعرف، سواء وزير التموين الدكتور علي مصيلحي، أو رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ويقضى الاقتراح بمثل ما هو حادث في الدولة الجارة ليبيا باستخدام الشعير بديلا للقمح، وهو متوافر وزراعته سهلة وتقوم على مياه الأمطار دون جهدٍ أو عناء، وأضافت أن خبز الشعير ذو طعم مقبول، بل ويساعد على الشفاء من بعض الأمراض، في مقدمتها مرض السكري، فضلا عن قيمته الغذائية، وهناك شعوب كثيرة جربته وعاشت عليه، ويمكن خلطه بكميات أقل من القمح إذا اضطررنا، وذلك يوقف نزيف العملة الصعبة بشراء القمح من الأسواق العالمية، في وقت ترشح فيه الأحداث ارتفاع سعره بسبب الأزمة المحتدمة بين بلدين ينتجان ذلك المحصول الاستراتيجي، وتستورد منهما مصر نسبة كبيرة من رصيدها السنوي. وقد راق لى اقتراح السيدة الليبية المهمومة بشؤون مصر وطنها الثاني الذي أصبح وطنها الأول بعد الإقامة فيه لعشرات السنين، إذ تقول إنها تذوقت خبز الشعير وإنه سوف يتوافق مع المزاج المصري، فضلا عن أن استخدامه يمثل فكرة خارج الصندوق في بلدٍ يحاول أن يطفو على السطح وأن يبني مصر الحديثة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا. الفقراء لا يستطيعون الاستغناء عن الخبز، وقد جبلوا جميعا على الرغيف البلدي منذ الطفولة، وكأنهم يرددون مع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش شطر بيته الشهير (أحن إلى خبز أمي)، لذلك فإن الاهتمام بالدراسات المستقبلية للقمح المستورد في بلادنا، يجب أن لا تقف فقط عند تحديد كمياته من الأسواق العالمية، ولكن لا بد أيضا من إعادة النظر في تحديد مسار الاستهلاك لتلك السلعة، التي تعتبر عصب المائدة في بلادنا وتلتقي مع طبق الفول طعاما أساسيا كل صباح للفقراء والأغنياء أيضا، ولا بد من الاجتهاد في التفكير في بدائل جزئية، مثل مسألة نبات الشعير الذي ينمو بكثرة في الصحراء الغربية التي كانت ذات يوم هي مزرعة القمح في الإمبراطورية الرومانية، قبل أن يبتليها الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بعشرات الآلاف من الألغام القاتلة التي زرعوها حينذاك. المواجهة المحتدمة بين روسيا الاتحادية وجمهورية أوكرانيا المدعومة من حلف الناتو، هي مناسبة ضاغطة تدعونا في مصر إلى مراجعة موضوع القمح زراعة واستيرادا واستهلاكا، والتفكير بجدية في محاصيل معاونة، في مقدمتها الشعير المخلوط بالقمح أو الذرة أو هو وحده، علما بأن التذوق الإنساني عادة متغيرة يمكن إيجادها مع مرور الوقت، لقد أن الأوان للمصريين – وهم في غمار نهضة كبرى- أن يراجعوا المسلمات في عاداتهم الاستهلاكية وأن يفكروا خارج الصندوق، على حد التعبير المتداول كثيرا في السنوات الأخيرة.
بينهما روسيا
كما كان يتوقع جلال عارف في “الأخبار” فشل اجتماع السبع ساعات بين مستشار الأمن القومى الأمريكي سوليفان وكبير مسؤولى السياسة الخارجية الصينى يانج جيتش في تحقيق أي نتائج إيجابية. الاجتماع الذي كان مخططا له منذ فترة لكي يناقش في الأساس تخفيف التوتر بين البلدين بسبب قضية تايوان، فاجأته أزمة أوكرانيا لتتصدر المشهد وسبقته تصريحات هجومية من واشنطن، تكيل الاتهامات للصين بأنها تساعد روسيا في الحرب، وردود قاسية من الصين تتهم أمريكا بالتضليل. الصين حددت موقفها من حرب أوكرانيا منذ البداية، أيدت روسيا في طلب الضمانات لأمنها، لكنها لم تؤيد الغزو، بل شددت على احترام استقلال أوكرانيا وطالبت بوقف الحرب وأبدت استعدادها للوساطة.. فما الذي جعل أمريكا تثير هذه الاتهامات الآن وهي تعرف من بداية الأزمة أن الصين «ودولا عديدة أخرى» ترتبط مع روسيا باتفاقيات تبادل تجاري بالعملات المحلية، وأنها ستمضي في هذه العلاقات الاقتصادية، رغم الأزمة الأوكرانية التي حددت موقفها منها، وعبرت عنه بوضوح حين امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن ولم تؤيد روسيا كما توقع الكثيرون؟ بنت الصين موقفها بناء على مصالحها في الأساس. لم تؤيد الغزو لأنها حريصة على علاقاتها الاقتصادية الواسعة مع أوروبا وأمريكا، لكنها أكدت ـ في الوقت نفسه ـ حرصها على علاقاتها الوثيقة مع روسيا. والآن تجد نفسها في مواجهة مع أمريكا التي تتهمها بتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية لروسيا وتطالبها بالامتناع عن ذلك أو تتحمل العواقب. بالتأكيد.. لا تحتاج روسيا لمساعدات عسكرية من الصين، لكن العلاقات الاقتصادية هي الرئة الأساسية التي يتنفس منها الاقتصاد الروسي في ظل الحصار الغربي، وما تطلبه أمريكا من الصين الآن يعطي دلالات خطيرة. قد يكون عند واشنطن ما يشير إلى أن قدرة روسيا على تحمل العقوبات قد تكون أكبر من قدرة دول الغرب على تحمل آثارها. وقد يكون الخوف من أن تغير باقي دول العالم مواقفها بعد أن تعاني من الآثار الوخيمة لارتفاع الأسعار وشبح المجاعة الذي يهدد الملايين في العالم.
الحكاية وما فيها
في سياق ثرثرة المؤامرة.. والإصرار على الرطانة التقليدية – حيال كل ما هو غير تقليدي – فالأمر وفقا لرأي الدكتور مصطفى حجازي في “المصري اليوم” قد يساق إنه الكوفيد.. إنه الوباء.. اختُرِعَ لكي نعيد ترتيب العالم. لا.. إنها حرب أمريكا والصين المحتملة.لا.. إنها حرب أوكرانيا وهي قمة جبل الجليد الروسي من أحلام التوسع والهيمنة وإعادة الإمبراطورية البائدة.. إنها البداية وسيلتهم «هتلر الكرملين» أوروبا الغربية قطعة قطعة. لا.. إنها روسيا في مصيدة الغرب الآن.. بوتين قد التقم الطعم ويسير لحتفه وحتف بلاده، فالحرب التي يحاربها حلف الناتو بترسانة من الميكروفونات والتصريحات والنداءات، لن يُستَنزَف فيها بقدر ما تُستَنزَف فيها الترسانة الروسية والخزانة الروسية وقدرة روسيا الاقتصادية المنهكة، بفعل الفساد والأوليغاركية في الأساس. سَلَّم بوتين رقبته ورقبة الأوليغاركية، وهي رغبته في تحييد خطر الناتو من أن يصل إلى حدوده وما يعتبرها أرضه بالأساس وهىيأوكرانيا.. بوتين الأخرق يشعل الحرب العالمية الثالثة.. والغرب والشرق سينزلق معه ليفنى العالم. هل أتخمتنا تلك القراءات التقليدية للحدث غير التقليدي؟ أم أن بحر الرطانة يحب الزيادة. أما بعيدا عن اللغو السائد.. فهناك حرب تجري بالفعل.. ليست حربا على مواطئ استراتيجية، وإن كانت المواطئ الاستراتيجية هي الخلفية الجغرافية لنطاق الحرب. إنها ليست حربا على مصادر الطاقة، فذاك موضوع قد حُسِم على نحو كبير بتحالفات وولاءات تكاد تكون غير قابلة للمساومة. وليست حربا لجباية عقوبات مادية – لتركيع روسيا أو مقابل ما سطت عليه الصين من ملكية فكرية لابتكارات أمريكية – وإن بقيت جباية العقوبات المادية أمراً مؤكداً.
البحث عن أذكياء
هي ببساطة كما أوضح الدكتور مصطفى حجازي حرب على من يقود «العالم نحو المستقبل» ومِن ثَم من سيقود «عالم المستقبل». أما عن مسوغات قيادة العالم نحو مستقبله فتتلخص في أمر واحد هو «من يملك ناصية علم الذكاء الاصطناعي من حيث القاعدة البحثية والبنية التحتية». أما قيادة «عالم المستقبل» فستكون للقادر على وضع فلسفات وأفكار هذا العالم الجديد، الذي يتماهى فيه الإنسان والآلة حتى يكادا يكونان صنوانا لخلق جديد. “الذكاء الاصطناعي”.. الذي تدور حوله رحى حرب اليوم والمستقبل.. ليس ذلك المعنى البدائي المحدود لحواسب قادرة على تحليل البيانات- والمعروفة بالبيانات الكبرى – بل متجاوزا لذلك الأفق بآفاق أبعد.. هو في آلات قابلة للتعلم ولتطوير ذكائها بنفسها. ليس في ذلك أي شبهة خيال علمي، بل هي الحقيقة التي يعمل على تطويرها ثمانون ألف عالم أمريكي وينافسهم أربعون ألف عالم صيني على الضفة الأخرى. فلم يكد تطبيق قدرات تكنولوجيا الجيل الخامس أن يبدأ في نهايات عام 2019، حتى بزغ بالفعل سباق أبحاث تكنولوجيا «الجيل السادس» بين أمريكا والصين واليابان وتكتلات غربية، مع وعد للإنسانية في أن تصبح تلك «التكنولوجيا الحلم» متاحة للبشر بين عامي 2027 و2030، أي على مقربة خمس سنوات منا فقط. ذاك هو الصراع على نظام العالم الجديد.. فما جديد هذا العالم الجديد إذن؟ إن كانت تكنولوجيا الجيلين «الخامس والسادس» هي البنية التحتية لعالم المستقبل.. فإن نتاجهما هو شكل هذا العالم الجديد الذي ستأتي به على مستوى الفرد والمجتمع والدولة.. على مفهوم الاقتصاد والسياسة.. على حقيقة القوة والهيمنة والقيادة.. على جوهر التعلم.. والأهم على رقي القدرة العقلية للإنسان ذاته.. وعلى تصنيفات جديدة ستقاس عليها البشرية متجاوزة العِرق والدين والثقافة والجغرافيا..
لاعبون جدد
أكد خالد عكاشة في “الوطن” أن الأزمة الأوكرانية تنتقل سريعا إلى المرحلة المركّبة التي يصعب تفكيك مكوناتها، حيث يصعب تصور أن تُترك لتتصاعد بهذا الشكل المتنامي الأقرب لنمط كرة الثلج المندفعة إلى المنحدر بقوة كاسحة. على الأقل هذا ما يبدو في عشرين يوما من العمل العسكري الروسي، الذي حملها على نحو مفاجئ إلى خارج الأطر التي يمكن توقع إمكانية السيطرة عليها. في الاستعراض السابق لمواقع اللاعبين، تناولنا موقع القوات العسكرية الروسية باعتبارها أهم الفاعلين الذين سيتحكمون في مسارها، وعلى جانب مقابل رصدنا الموقع الذي بدأ منه المعسكر الغربي إدارته لهذا الصراع، وإلى أين سيمضي بعد هذه النقلة النوعية في طبيعته. اليوم، وبعد أسابيع مضت، يبدو أن هناك لاعبين جددا ظهروا سريعا على خط الأزمة، استدعتهم الأحداث ربما وهذا متوقع، أو تحمل الاستعانة بهم ودفعهم إلى خطوط المواجهة العديد مما فرضته تحديات ساحات المواجهة. هؤلاء هم «المقاتلون الأجانب» حيث بدا لافتا حديث الرئيس الروسي، وهو في اجتماع مذاع مع وزير دفاعه، يعطيه موافقته على استقدام من سمّاهم الأخير بـ«المتطوعين»، محددا عددهم بـ«16 ألفا» مقاتل من منطقة الشرق الأوسط. الذرائع الروسية لتلك الخطوة الاستثنائية ذكرت أنها جاءت ردا على إعلان أوكراني سبقه في دعوة المتطوعين للانضمام إلى «الفيلق الدولي»، وآخرون بعد أيام ذهبوا إلى أن تلك الخطوة أتت بغرض الاستعداد لحرب المدن، في إشارة إلى أن الجيش الروسي لا يريد أن يتحمل كلفة المواجهة المباشرة مع المدنيين الأوكرانيين. لكن التفسيرات الروسية ربما لم تقف عند تحديد الرئيس بوتين لجبهة «الدونباس»، التي ذكرها بالاسم كساحة مختارة سيجري الدفع بهم إليها، بل قرن في الحديث نفسه وعده بأن ذات الجبهة سيجري تزويدها بالسلاح الغربي الذي استولى عليه الجيش الروسي كغنائم أثناء العمليات على الأراضي الأوكرانية.
زحف مقدس
بدا محمود زاهر في “الوفد” اشد توجسا بالنسبة لمستقبل العالم: ما يحدث حاليا في الحرب المستعرة – التي لن تنتهي قريبا – بين المعسكرين الشرقي والغربي على الملعب الأوكراني، تُنذر بعواقب وخيمة على جميع دول العالم.. وإن بدرجات متفاوتة، ومهما تكن نتيجة الحرب، فإن تداعياتها قاسية وأليمة، خصوصا على أوروبا، التي أريد لها أن تكون مسرحا للصراع، ومَوَاطِن لجوءٍ جديدة، إضافة إلى الكُلفة الاقتصادية المترتبة على العقوبات المستهدِفة خَنْق روسيا. ربما يكون الشاهد الأبرز، أن الأخلاقيات السياسية والإنسانية ليست سوى أكذوبة ليبرالية تم تفصيلها على مقاس الدول الغربية وحدها، وهي غير قابلة للاستعمال لمصلحة الشعوب الأخرى.. ولنا في بلداننا العربية والإسلامية أفضل مثالٍ على ذلك لقد فتح الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، الباب على مصراعيه للمقاتلين الأجانب و«المجاهدين» بالانضمام إلى ساحات المواجهة.. في إعادة تدوير سيناريو ما حصل في أفغانستان إبان الاحتلال السوفييتي نهاية 1979. اللافت أن المعسكرين الشرقي والغربي سارعا على الفور إلى دعوة مناصريهما من المقاتلين المتطوعين للتوجه إلى ساحة المعركة في أوكرانيا.. والنتيجة استجابة فورية لأفواج من طلائع المسلحين، بدأت مشاركتها الفعلية في الحرب، خطوة خطيرة، أعادت إحياء مشروع ما يُعرف بظاهرة المقاتلين الأجانب، التي نَصَّ مجلس الأمن على مكافحتها، لأنها تشكل خَرْقا للقانون الدولي والإنساني، باعتبار هؤلاء «المتطوعين» ليسوا سوى حفنة من المرتزقة. الأمر يبدو معقدا بشكل لا يمكن تحمل تبعاته المستقبلية، خصوصا إذا وضعنا بعين الاعتبار ما أسفرت عنه نتيجة الاجتياح الروسي، من إعادة تكرار مشاهد «المجاهدين العرب»، و«متطوعي الزحف المقدس» إلى أوكرانيا، المؤسف أنه منذ بدء الحرب، تعالت أصوات متطرفة بائسة، للزجِّ بالعرب في أتون المعركة الدائرة في شبه جزيرة القرم، بإعلان «النَّفير العام» للدفاع عن مسلمي أوكرانيا.. في دعوة تحريض صريحة، ودوافع شيطانية خبيثة، أُلبست ثوبا دينيا.
الفناء ينتظرها
وضع خبراء المستقبليات عدة سيناريوهات محتملة لنهاية الولايات المتحدة الأمريكية من بينها، كما اوضح عماد فؤاد في “الوطن”، اندلاع ثورة السود في كل الولايات وما قد يصاحبها من أعمال شغب وانهيار أمني وفوضى وانفصال، وهذه النقطة الأخيرة – الانفصال- تحولت الآن إلى كابوس مزعج للإدارات الأمريكية المتعاقبة، بعد تنامي رغبة ولاية كاليفورنيا في الانفصال عن الولايات المتحدة، وبعد أن أصبح العديد من سكانها يعتقدون أن الحكومة الفيدرالية لم تعد تمثل مصالحهم الاقتصادية، ويقول الخبراء: إذا انفصلت كاليفورنيا تفككت الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يتسبب ذلك في حرب أهلية، ولو نجح الانفصاليون في كاليفورنيا في استقلالهم عن الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ذلك سيكون كارثة على الخزينة الأمريكية لما تمثله الولاية من ثقل اقتصادي مهم باعتبارها أغنى ولاية أمريكية على الإطلاق. ويشير الخبراء أيضا إلى تزايد حدة الاستقطاب السياسي والفكري في الولايات المتحدة الأمريكية ما قد يعجل بتفككها وانقسامها، وقد بدا ذلك واضحا في الانقسام في الكونغرس الأمريكي عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة الذي لم تشهد أمريكا مثله منذ 100 عام، وهل هي الأكثر عدلا في التاريخ الأمريكي؟ أم الأكثر تزويرا بما نتج عنها من رئاسة غير شرعية حسب قناعات بعض الدوائر السياسية في الداخل؟ ولفت الخبراء إلى أن علاقات بلادهم مع بقية دول العالم الآن في أسوأ حالاتها، فسياساتها الدولية متهورة، وكثيرة الأخطاء من ابتزاز لدول الخليج والتحيز لإسرائيل، وتصعيد المواجهة الاقتصادية مع الصين، وإلغاء معاهدة الأسلحة النووية، الذي سيضر بالاقتصاد الأمريكي بسبب السباق على التسلح.
ستزول في النهاية
نبقى بصحبة عماد فؤاد والتوقعات بزوال امريكا: في أغسطس/آب الماضي كتب السياسى والدبلوماسى الروسى نيكولاي ليزونوف عضو مجلس الدوما السابق – يبلغ عمره حاليا 94 عاما- مقالا حول دلائل نهاية عصر الهيمنة الأمريكية في العالم، ومن بينها أن الولايات المتحدة لم تستطع أن تُبقي يدها فوق كل يد في العمليات العسكرية واسعة النطاق وطويلة الأمد في أفغانستان والعراق، كما تنازلت واشنطن عن المبادرة، لموسكو وطهران، في تسوية النزاعات في الشرق الأوسط، كما يحدث في سوريا واليمن وليبيا، وفشلت الولايات المتحدة في منع الصين من تعزيز قوتها، وتأكيد هيمنتها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، وتوسيع نفوذها من خلال مبادرة الحزام والطريق الاقتصادية، ويرى ليزونوف أن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والانسحاب المخطط له من العراق في نهاية عام 2021 علامات على أن العالم أحادي القطب بقيادة أمريكا (إذا كان موجودا) يقترب من نهايته. ما يشهده العالم حاليا يشير إلى أننا على أعتاب نظام عالمي جديد، ولكن لا يوجد إجماع بين الخبراء حول الشكل الذي سيكون عليه ذلك النظام العالمي في المستقبل. فيرى البعض أن الصين يمكن أن تصبح القوة المهيمنة التالية، والبعض الآخر مقتنع بأن العالم سوف يصبح ثنائي القطبية مرة أخرى بمركزين في بكين وواشنطن، ولكن، في هذه الحالة قد تكون هناك قوة ثالثة قادرة على تحقيق التوازن بين القطبين وهي بالطبع روسيا، وقد يتحول العالم إلى حالة طبيعية من تعدد الأقطاب مع اكتساب الصين وروسيا والهند وأوروبا ومراكز أخرى في العالم مزيدا من القوى والنفوذ. ما يمكن قوله في النهاية إن أي حضارة تزول وتنتهي حين يدمرها أصحابها، فالولايات المتحدة الأمريكية أكثر الدول المروجة للديمقراطية والقيم الإنسانية والحرية والرحمة، لكنها أكثر الدول عنفا وإراقة للدماء واعتداء على بقية الدول في العالم.
النازي ليس افريقياً
نبقى مع الحرب وتداعياتها بصحبة فاروق جويدة في “الأهرام”: أكثر من مسؤول في مواقع أوروبية مسؤولة أطلق تصريحات غريبة حول الحرب بين روسيا وأوكرانيا تعرض فيها لشعوب افريقيا وآسيا.. الدم والقتل في هذه الدول وليس في أوروبا، ونسي هؤلاء أن الحروب الكبرى كانت في أوروبا وبين شعوبها.. وأن النازي لم يكن من افريقيا وآسيا، وأن أول من استخدم السلاح النووي كانت أمريكا في اليابان، وأن جيوش أوروبا هي التي احتلت دول افريقيا ونهبت خيراتها.. وأن تجارة الرقيق كانت تجارة أوروبية، وأن الاحتلال الأوروبي اجتاح معظم دول افريقيا فقد احتلت فرنسا كل دول غرب افريقيا، واحتلت إنكلترا مصر والهند ومعظم دول شرق افريقيا.. وقبل ذلك كله فإن البترول أكبر ثروات العصر نهبته شركات أوروبية وأمريكية.. وكانت تصريحات الأمير وليام دوق كامبريدج حول جرائم القتل في آسيا وافريقيا.. وأن الدم في شعوب هذه البلاد وليس في أوروبا، قد أثارت جدلا كبيرا في الصحافة العالمية، لأنه اتهام باطل وموقف عنصري لا يتناسب مع ثوابت الأسرة الملكية الحاكمة في إنكلترا.. هناك حقيقة لم تتغير أن الغرب يرى أن شعوب الدول النامية مواطنون من الدرجة الثالثة.. ونسي هؤلاء سنوات الاحتلال الغربي ونهب ثروات الشعوب والاعتداء على مقدساتها. الغرب هو الذي صنع السلاح ومارس القتل واحتل الأراضي، وأكبر جرائمه كانت في إنشاء كيان مغتصب في فلسطين وإقامة دولة إسرائيل.. تصريحات غريبة صدرت هذه الأيام تبرئ أوروبا وأمريكا من جرائم القتل والإرهاب، رغم أنهما أول من مارس ذلك في شعوب مسالمة.. ما حدث بين روسيا وأوكرانيا جريمة أوروبية غربية ويجب أن تنسب لأصحابها، أما شعوب افريقيا وآسيا فيكفي ما أصابها.. أول من علم الناس القتل كان الغرب وكانت أفلام السينما وصناعة السلاح واحتلال الشعوب أكبر جرائمه، وكانت مدارس العنف والإرهاب وعصور القراصنة تجارب غربية خالصة.. وقبل ذلك كله فإن إلقاء التهم على شعوب العالم بالباطل، لا يتناسب مع دول تتغنى بالحريات وحقوق الإنسان.