كورونا يعيد صياغة طرق عمل الصحافيين..
قوانين "الأخبار الكاذبة" ذريعة لتوسيع الانتهاكات بحق الصحافة
تقارير لجنة حماية الصحافيين تظهر تصاعدا في عدد الصحافيين المحتجزين على خلفية اتهامهم بنشر "أخبار كاذبة" في ظل سيطرة الحكومات على الرسائل المتعلقة بوباء كورونا.
يتبع الحكام المستبدون نهجا متشددا في ما يتعلق بالتدابير الخاصة بحالات الطوارئ التي تجرّم أو تقيّد أنشطة جمع الأخبار بحجة مواجهة جائحة كورونا، لتطول الكثير من أنشطة الصحافيين والتحقيقات الاستقصائية وتثير هذه الأوضاع المخاوف باستمرارها في فترة ما بعد كورونا.
منحت جائحة كورونا الحكومات ذريعة جديدة للجوء إلى استخدام القوانين التي تجرّم نشر “الأخبار الكاذبة” أو “التضليل” أو “المعلومات الزائفة” ووفرت لها كذلك سببا لتنفيذ قوانين جديدة للتضييق على وسائل الإعلام والصحافيين، وتكمن المخاوف في استمرار هذه الأوضاع على مدى طويل بعد انتهاء الوباء.
وقال كارلوس غايو، المسؤول القانوني الأول في مبادرة الدفاع القانوني عن الإعلام في لجنة حماية الصحافيين، “إن رقعة استخدام قوانين ‘الأخبار الكاذبة’ ستستمر في التوسع مع محاولة الحكومات السيطرة على الرسائل المتعلقة بالفايروس، الأمر الذي يؤثر على عمل الصحافيين ومتقصي الحقائق على حد سواء”.
وأضاف غايو “إن حظر مثل هذه المعلومات مسألة معقدة للغاية إضافة إلى أنها أمر خطير جدا”.
وأظهرت تقارير لجنة حماية الصحافيين تصاعدا في عدد الصحافيين المحتجزين خلال السنوات السبع الماضية على خلفية اتهامهم بنشر “أخبار كاذبة” أو “أخبار زائفة”.
وسددت جائحة كورونا ضربتها فأثارت الذعر لدى مسؤولي الصحة العامة وصدمت الاقتصاد العالمي وقذفت بالحكومات في شتى أنحاء الأرض في آتون الأزمات.
ومن جهة أخرى، تسببت الجائحة أيضا في إعادة صياغة الطريقة التي يعمل بها الصحافيون، حيث اتخذت السلطات في الكثير من البلدان المرض المعدي سببا لفرض إجراءات مشددة على وسائل الإعلام الإخبارية. وفق ما ذكرت كاثرين جاكوبسن، في تقرير للجنة حماية الصحافيين، الأربعاء.
وأضافت جاكوبسن، “ستخمد حدة بعض مخاطر الجائحة بمرور الوقت، فمن المفروض أن يوفر اكتشاف لقاح للفايروس في نهاية المطاف الحماية للناس، ومن ضمنهم الصحافيون، من انتشار الفايروس أو التقاط العدوى. غير أن بعض الإجراءات التي تم فرضها – بحيث قيدت حرية الصحافة، سواء أكان هذا مقصدها أم لا – قد يستمر العمل بها لمدة أطول في المستقبل طبقا لما يقوله بعض الخبراء”.
ومن المحتمل أيضا أن تعمل الاستجابات الرامية إلى مواجهة فايروس كورونا، وبطرق غير مرئية، على إحداث تحولات طويلة الأمد في منظومة القوانين المتعلقة بالصحافة، وذلك على غرار ما فعلته هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي أججت توسيع نطاق قوانين مكافحة الإرهاب على مستوى العالم، وتجلى بدوره في رواج ممارسة حبس الصحافيين التي يستمر العمل بها إلى أيامنا هذه.
وقالت كاري ديسيل، وهي محامية تعمل في “معهد نايت فيرست أمندمنت” بمدينة نيويورك، “ثمة قلق دائم من أن تنشأ عن أوضاع الطوارئ توقعات قائمة على خطوط مرجعية جديدة في ما يتعلق بنوع المراقبة الذي يجوز للحكومة ممارسته”.
وأضافت ديسيل “رأينا ذلك بكل تأكيد في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، وأعتقد أننا نواجه القضية نفسها الآن. ولن يكون للإجراءات التي يمكن تبريرها في هذا السياق بحد ذاته ما يبررها عندما يتكون لدى الحكومات الفهم الذي يمكّنها من التعامل مع هذه الجائحة وعندما تخف حدة الأزمة في المستقبل القريب”. ووثقت لجنة حماية الصحافيين الانتهاكات بحق حرية الصحافة في العالم في ما يتعلق بالجائحة، وأولها عبر قوانين مكافحة “الأخبار الكاذبة”.
وتمثل المعلومات المضللة مشكلة بالفعل، ولكن هذه الإجراءات القانونية تمنح الحكومات حرية تحديد ما الذي تعتبره الحكومات كاذبا، الأمر الذي يبعث برسالة مخيفة للصحافيين الناقدين لسياسات الحكومات. ففي الولايات المتحدة، يستخف الرئيس دونالد ترامب على نحو متكرر بالتغطية الإعلامية لتطورات أزمة فايروس كوفيد – 19 ويستخدم عبارة “أخبار زائفة” عندما لا يتفق مع تلك التغطية.
واعتبرت اللجنة أن استراتيجية ترامب فعالة في النيل من مكانة الإعلام وإضعاف ثقة الجمهور فيها. وتعطي هذه الاستراتيجية الضوء الأخضر للمستبدين للاستخفاف بصحافة بلادهم وملاحقتها قضائيا.
ويُستخدم حبس الصحافيين كأسلوب تلجأ إليه الحكومات المستبدة بهدف إسكات التقارير الناقدة للحكومة، إذ احتُجز ما لا يقل عن 250 صحافيا حول العالم بحسب آخر تعداد سنوي أجرته لجنة حماية الصحافيين في ديسمبر الماضي.
وقد يفتك هذا الحبس بحياة الصحافيين خصوصا في ظل تفشي فايروس كوفيد – 19، إذ يُحتجز الصحافيون في ظروف تفتقر لشروط النظافة الصحية ويُجبرون على التجاور القريب مع آخرين ربما يكونوا مصابين بالفايروس.
وكانت لجنة حماية الصحافيين وأكثر من 190 منظمة شريكة لها قد دعت السلطات في شتى أنحاء العالم إلى الإفراج عن جميع الصحافيين المحتجزين بسبب عملهم. ولكن على الرغم من ذلك، لا تزال الاعتقالات مستمرة بحق الصحافيين.
وتم أيضا تعليق حرية التعبير، حيث صادرت بعض التدابير الحكومية الطارئة الحق في حرية التعبير أو علقته طيلة فترة حالة الطوارئ. وعمدت الهيئات الناظمة للإعلام في عدة بلدان إلى حجب مواقع إلكترونية أو إزالة مقالات حوت تغطية ناقدة لأداء السلطات.
فخلال شهر أبريل، أمرت الهيئة الناظمة للإعلام في روسيا “روسكومنادزور”، إذاعة “إيخو موسكفي” بحذف مقابلة أجرتها مع خبير في الأمراض، كما أمرت الموقع الإخباري “غوفوريت ماغادان” بحذف مقالة تتناول الوفيات المحلية الناجمة عن التهاب الرئة.
وانتشرت التهديدات والمضايقات الإلكترونية وغير الإلكترونية للصحافيين، حيث رد مسؤولون حكوميون ومواطنون عاديون، على حد سواء، على التقارير الناقدة للاستجابة للجائحة بالعنف والتهديد. وفي الأماكن التي كانت فيها بيئة التغطية محفوفة أصلا بالمخاطر، بات الوضع أشد خطورة.
فقد هدد رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف مراسلة بصحيفة “نوفايا غازيت” بعد أن كتبت في 12 أبريل أن أهالي الشيشان توقفوا عن التبليغ عن أعراض فايروس كورونا خوفا من وصمهم بأنهم “إرهابيون”.
وقيدت بعض السلطات قدرة الصحافيين على التنقل بحرية، وبالتالي قدرتهم على تغطية الأخبار أثناء فترات منع التجول أو الدخول إلى المستشفيات للحصول على روايات مباشرة حول الرعاية الصحية.
وتم في بعض الأحيان منح الصحافة إذنا خاصا بذلك لكن اشتُرط على الإعلاميين الحصول على تصاريح إعلامية صادرة عن الحكومة مما يسمح للقادة بتحديد من الذي سيتم اعتباره صحافيا من عدمه.
وأظهرت تحقيقات لجنة حماية الصحافيين أن ذلك يترك للسلطات الحكومية إمكانية استبعاد الصحافيين غير التابعين للمنافذ الإعلامية الرئيسية أو أولئك الذين توجه تغطياتهم النقد للسلطات.
وتم تعليق العمل بالقوانين المتعلقة بحرية الوصول إلى المعلومات التي تتيح للصحافيين طلب معلومات وبيانات من الحكومات. وتحولت الحكومات بالفعاليات التي كان يحضرها الصحافيون في العادة إلى النسق الإلكتروني مع وجود مستويات متفاوتة من السماح بدخول الصحافة.
استراتيجية ترامب فعالة في النيل من مكانة الإعلام وإضعاف ثقة الجمهور فيها وتعطي المستبدين فرصة للانتقام من الصحافيين
وأفاد كارلوس غايو بأنه من المرجح لمثل هذه النزعات أن تستمر، وقال إن “الحكومات ستصعِّب على المسؤولين عملية توفير المعلومات. وسوف يستغرق الوصول إلى المعلومات وقتا أطول، وسوف تجعل الحكومات من وصول الصحافيين إلى المجالات العامة أكثر تعقيدا بسبب مخاطر العدوى”.
وفي سبيل التحكم بالسردية المتعلقة بكيفية استجابة الحكومة لأزمة كورونا، تكشف بعض الدول عن وجه غير مضياف تجاه الإعلام الأجنبي الذي تمتع في بعض الأماكن بقدر من الحرية أكبر مما تحصل عليه التغطية المحلية على صعيد توجيه النقد.
وتبادلت الصين والولايات المتحدة التعامل بأسلوب واحدة بواحدة في ما يتعلق بحضور الصحافيين منذ بدايات عام 2020.
وأوردت تقارير للأنباء أن الحكومات حول العالم تراقب بيانات الموقع في الهواتف المحمولة وتختبر، أو تشرع في تشغيل، تطبيقات تعقّب جديدة لمتابعة انتشار فايروس كوفيد – 19. وقد تؤدي هذه الإجراءات إلى تعريض سرية المصادر للخطر. فهذه الأنظمة مزودة بميزة الإشراف المحدود ويمكنها البقاء لفترة طويلة بعد زوال الجائحة.
ويرى ديفيد ماس، وهو باحث استقصائي في “مؤسسة إليكترونيك فرونتير” التي تتخذ من مدينة سان فرانسيسكو مقرا لها، أنه عند إعطاء جهات إنفاذ القانون تكنولوجيا جديدة يصبح من العسير استعادتها منها. وقال “لقد رأيناهم اليوم يستخدمونها لأغراض هذا الفايروس الخطير جدا، ولكننا لا نعلم ما الذي سيحدث بعد ذلك”.
وبوسع الحكام المستبدين اتّباع نهج انتهازي في ما يتعلق بالتدابير الخاصة بحالات الطوارئ التي تجرّم أو تقيّد أنشطة جمع الأخبار، وفقا لما وثقته لجنة حماية الصحافيين في السابق.