لا يفهم في الثقافة لكنّه خبير بمردودها المالي..
عصائب أهل الحق تواصل القبض على موارد وزارة الثقافة في حكومة مصطفى الكاظمي
ميليشيا عصائب أهل الحقّ لم تتوان في الضغوط لاستبعاد مرشّح لوزارة الثقافة يشكل وجوده على رأسها تهديدا لمصالحها المادية التي نسجتها داخل الوزارة.
أثبتت الملابسات التي حفّت بعملية استكمال التشكيلة الوزارية لحكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، مجدّدا، أنّ تخليص العمل الحكومي من سطوة الميليشيات لا يزال هدفا بعيد المنال، ولن يتحقّق في عهد الحكومة الحالية التي يحاول رئيسها أن يوازن بين طموحه للتغيير وبين الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المعقّد.
ولم تتوان ميليشيا عصائب أهل الحقّ التي يتزّعمها قيس الخزعلي وتستند إلى دعم إيراني كبير، في استخدام ما تمتلكه من أوراق ضغط لاستبعاد مرشّح لوزارة الثقافة كان وجوده على رأسها سيشكّل تهديدا لشبكة المصالح المادية المتشعّبة التي نسجتها الميليشيا داخل الوزارة على مدى سنوات، بينما سعت في المقابل لتثبيت المرشّح الذي رأت أنّه أقلّ خطرا على تلك المصالح.
وتمكّن رئيس الوزراء العراقي، السبت الماضي، بعد جهود كبيرة من استكمال الحقائب السبع التي كانت تنقص حكومته وتعذّر قبل ذلك ملء شغورها بفعل التنافس الحادّ بين الأحزاب على الدفع بمرشحيها للفوز بها، ومن ضمنها وزارة الثقافة. ولم يجد الكاظمي بدّا من المرونة والتسليم بمبدأ المحاصصة في استكمال حكومته التي تحتاج إلى بدء العمل بأقصى سرعة نظرا إلى الملفّات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الحارقة التي تنتظرها.
وكشف المرشح السابق لحقيبة الثقافة في الحكومة العراقية، فارس حرّام، تفاصيل تتعلق بضغوط كبيرة مارستها ميليشيا العصائب بهدف منع وصوله إلى مجلس الوزراء مطلقة حملة شرسة ضدّه تحت عنوان أنّه “ملحد”.
وفوجئت الأوساط الثقافية العراقية، الخميس الماضي، بظهور اسم حسن ناظم مرشّحا لحقيبة الثقافة في حكومة الكاظمي بدلا عن حرّام بعد إعلان شبه رسمي بأن الثاني هو المرشح الوحيد للمنصب.
فارس حرام المرشح السابق لمنصب وزير الثقافة
● شاعر من مدينة النجف
● لعب دورا في انتفاضة أكتوبر
● رفض الترشح ضمن تشكيلة توفيق علاوي
وحرّام هو شاعر من مدينة النجف، لعب دورا مركزيا في تنظيم انخراط مدينته التي يهيمن عليها رجال الدين في حركة الاحتجاج العراقية التي انطلقت مطلع أكتوبر 2019 واستمرت لشهور.
وعرف حرّام بالتنسيق الواسع مع أبرز النشطاء في ساحة التحرير ببغداد وساحات التظاهر في مختلف المحافظات لتنظيم فعاليات احتجاجية، كان لها الأثر الأبرز في زعزعة النظام السياسي، وتاليا الإطاحة بالحكومة السابقة التي ترأسها عادل عبدالمهدي. وكان حرّام من بين مرشحي المكلف الأسبق بتشكيل الحكومة محمد توفيق علاوي لكنه رفض المشاركة.
وأكد مقربون من رئيس الوزراء الحالي أنّ الأخير ألح كثيرا على حرّام كي يوافق على الترشح لحقيبة الثقافة، لكنه رفض مرتين، وأنّ المرشّح أبلغ الكاظمي “بالحرف الواحد إنني سأغامر برأسمالي الرمزي في الوسطين الثقافي والاحتجاجي في مرحلة انتقالية فيها تحديات كبيرة، وأريد أن أعرف مدى حريتي في العمل داخل الوزارة، لأنني أريد أن يدخلها الوسط الثقافي الرصين ويعمل فيها بشكل حقيقي، كما أن الوزارة مليئة بملفات فساد كبيرة وهذا يعني أن العمل فيها سيضايق الأجواء السياسية المتواجدة في الوزارة حاليا من الأحزاب المختلفة، فمن سيحمي قراراتي من النقض”، مؤكدا أنه وافق على الترشيح بعد أن قال له الكاظمي حرفيا “أنا حزبك وكتلتك ولك الحرية المطلقة مادمت مصلحا، وسأكون أنا المفاوض في ترشيحك”.
لكن هذا الترشيح لم يعجب ميليشيا عصائب أهل الحق التي تملك 15 مقعدا برلمانيا مكنتها من الحصول على حقيبة الثقافة في حكومة عبدالمهدي.
وعُرفت على نطاق واسع هيمنة العصائب على جميع أوجه الإنفاق في وزارة الثقافة وتحكمها في مواردها عبر ليث الخزعلي شقيق قيس الخزعلي زعيم الميليشيا.
وتوفر الثقافة عوائد مالية كبيرة لاسيما في قطاعات طباعة الكتب والسياحة وإجازة محال بيع المشروبات الكحولية التي تحولت إلى مصدر تمويل كبير لحركة العصائب.
وكشف حرّام أن حركة العصائب، دون تسميتها، حاولت التواصل معه عبر وسيطين اثنين عندما ترشح لحقيبة الثقافة في حكومة الكاظمي. وقال “وصلني اتصال من صديق ذكر لي أن لديه رسالة من كتلة سياسية تقول إنني لن أمرّ ما لم أجلس معهم وأرتّب الموضوع”، مؤكدا “هكذا كان بالحرف الواحد. ثم جاءني اتصال آخر من صديق آخر يحمل الرسالة نفسها من الكتلة نفسها، وكان ردّي على الرسالتين أنني ليس لدي موقف شخصي من هذه الجهة بالذات، وتمنيت لو أن الدعوة جاءت في سياق استفهام برلماني عن مشروعي المأمول في الوزارة كي تحصل القناعة عند نواب هذه الكتلة للتصويت أو عدمه، لكن الواضح أنها تعني حرفيا تقديم تنازلات لتمريري تحت سقف التحكم بقراري”.
ويشرح حرام قائلا إنّه أسهم “مع شباب التظاهرات طوال عشر سنوات في التصدّي للمحاصصة والفشل الإداري والفساد المالي الناتج عنها، ومن غير المعقول أن أناقض موقفي المبدئي هذا وأفرط بتاريخي من أجل منصب وزير”، ويضيف “قال لي نَاقِلاَ الرسالتين إنني سأخسر إذن هذه الوزارة، وقلت لهما ليكن”، وهو ما حدث بالفعل. وظل حرّام على قائمة المرشحين للحقائب الوزارية الشاغرة حتى قبيل تسليمها لمجلس النواب بساعات لكن الكاظمي اضطر إلى استبداله في اللّحظات الأخيرة.
وقالت مصادر مطلعة إنّ ميليشيا العصائب حركت الأجواء الشيعية الدينية ضد الكاظمي متهمة إياه بترشيح “ملحد” لحقيبة وزارية في حكومته.
وقال حرّام، إنه تلقى خلال مرحلة ترشيحه “اتصالات من أجواء المفاوضات البرلمانية تنقل لي رفض تلك الكتلة (العصائب) ترشيحي رفضا قاطعا”، موضحا أن “الادعاء الوحيد لديهم أنني ملحد. ولم يتكلموا عن أي سبب آخر، لا ضعف كفاءة ولا قلة نزاهة ولاعدم اختصاص. كما أنهم كانوا يحرصون على ألّا يتطرقوا إلى السبب الحقيقيّ وهو أنني متظاهر أو أنني شخص رفضت الجلوس والتنازلات تحت سقف المحاصصة”.
عرف فارس حرّام بالتنسيق الواسع مع أبرز النشطاء في ساحة التحرير ببغداد وساحات التظاهر في مختلف المحافظات لتنظيم فعاليات احتجاجية، كان لها الأثر الأبرز في زعزعة النظام السياسي
ولاحقا سمحت العصائب بمرور مرشّح آخر دون معلومات مؤكّدة عن قبوله بشروطها. ويتعلّق الأمر بحسن ناظم، وهو أستاذ جامعي من مدينة النجف أيضا، تم إعدام شقيق له في زمن النظام السابق بتهمة العمل السياسي ضمن حزب الدعوة الإسلامي.
ويعد ناظم من الأسماء المؤثرة في الوسط الثقافي والأكاديمي، وقدم إسهامات في مجال حوار الأديان وشغل كرسي منظمة اليونسكو في جامعة الكوفة، ضمن محافظة النجف.
وعمل ناظم في التدريس الجامعي في ليبيا وطلب اللجوء السياسي بعدها في أستراليا وحصل على جنسيتها وانتقل للعيش في الولايات المتحدة، وعاد إلى العراق بعد الاحتلال عام 2003، وكان وثيق الصلة بالمرجعيات الدينية.
وتقول مصادر إن أبرز شروط العصائب على أي وزير للثقافة تتمثل في عدم المساس بإحالة عدد من العقود الحكومية إلى شركات من القطاع الخاص، والإبقاء على عدد من المسؤولين داخل الوزارة في مواقعهم. وتوضح المصادر ذاتها أن طهران طلبت مؤخرا من الميليشيات الخاضعة لها في العراق البحث عن مصادر تمويل، بسبب شحّ المال الناجم عن العقوبات الأميركية ضد الاقتصاد الإيراني.
وتؤكد المصادر أن وزارتي الثقافة والعمل في حكومة عبدالمهدي كانتا تمولان جميع أنشطة ميليشيا العصائب، سياسيا وعسكريا، وهو أمر لا يبدو أنه سيتغير في حكومة الكاظمي.
ويرى حرّام في عملية إقصائه من قبل ميليشيا متورطة بدماء العراقيين ومتهمة بسرقة أموال ومعدات حكومية، دليلا على أن “البنية العميقة للمحاصصة لا تزال تشل العمل الحكومي وتفرض شبكتها الصارمة على كل مفاصله”، مشيرا إلى أن العراق بحاجة إلى “شوط كبير من عمل الحكومة وبعض الشخصيات والفعاليات السياسية بالاتجاه الصحيح لنتأكد من أننا فعلا في مرحلة انتقالية سياسيا وإداريا، يتشارك فيها الجميع من موالين للسلطات ومن معارضين ومحتجين من أجل إنقاذ العراق من الضياع بشرط توافر النيات الصادقة”.