وزير الداخلية فتحي باشاغا يفرض على السراج تجميد عضوية معيتيق..
معركة سرت تعمق الانشقاقات داخل حكومة الوفاق
بعد خفوت نسبي للتوتر المخفي حينا، والصامت في أحيان كثيرة، الذي يعصف منذ مدة بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج، بسبب تنافر حسابات الميليشيات التي تُكبلها بأجنداتها الإقليمية المُتعددة، تفجرت وتيرة الخلافات من جديد بين أركانها حتى بلغت درجة لا يشي أفقها بانفراج قريب لها بقدر ما يُعمق التصدع والتنافر اللذين يحكمانها.
بعد خفوت نسبي للتوتر المخفي حينا، والصامت في أحيان كثيرة، الذي يعصف منذ مدة بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج، بسبب تنافر حسابات الميليشيات التي تُكبلها بأجنداتها الإقليمية المُتعددة، تفجرت وتيرة الخلافات من جديد بين أركانها حتى بلغت درجة لا يشي أفقها بانفراج قريب لها بقدر ما يُعمق التصدع والتنافر اللذين يحكمانها.
وساهمت تطورات المشهد الليبي بأبعاده العسكرية والسياسية، وما رافقها من اهتزاز حاد لموازين القوى الميدانية جعل ميليشيات مصراتة تصل إلى مشارف مدينة سرت، في الضغط بقوة على حكومة السراج التي تتخبط وسط ارتهان كامل لإرادة وزير الداخلية فتحي باشاغا الذي يُوصف بأنه رجل تركيا المُدلل في ليبيا، ويضعها على مشارف انفراطٍ لعقدها.
وكشفت مصادر ليبية لـ”العرب” أن السراج، وبضغط من باشاغا المحسوب على الإخوان المسلمين، عمد إلى تجميد عضوية نائبه الأول، أحمد معيتيق، وذلك في إجراء مُفاجئ عكس تطورا لافتا هو أشبه بـ“إعادة ترتيب تركيبة المجلس الرئاسي” في علاقة بموازين القوى التي أفرزتها قواعد الصراع الإقليمية.
وقالت إن السراج أصدر تعميما حمل توقيعه، وتضمن قرارا بـ”إيقاف كافة الإجراءات الإدارية والمالية، بما فيها القرارات والتعميمات الصادرة عن أحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وتُعتبر كافة توقيعاته وتأشيراته موقوفة اعتبارا من تاريخ الخميس (4 – 06 – 2020) لحين إشعاركم بما يستجد، وذلك حفاظا على ما تقتضيه مصلحة الوطن في هذه الظروف الراهنة”.
ووجه السراج هذا التعميم الخطير، الذي يؤكد استمرار الصراع المكتوم بين أركان هذه الحكومة ارتباطا بالأجندات السياسية التي تتداخل فيها الحسابات الداخلية وتتشابك مع العوامل الخارجية، إلى عدد من كبار مسؤولي حكومة الوفاق، منهم محافظ البنك المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس هيئة الرقابة والمتابعة، ووزير الخارجية، ووزير المالية.
وجاء هذا القرار، الذي يضع حكومة فايز السراج في وضع غير مسبوق من عدم اليقين، وسط تلازم حالة التوتر والارتباك في مشهد لا يهدأ عن التحرك في سياق إقليمي خطير، فيما ارتفعت وتيرة الاتهامات المُتبادلة بين أحمد معيتيق وفتحي باشاغا الذي كثّف ضغوطه على مختلف أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة السراج في مسعى لإخضاعهم لمشيئة الأطراف الداعمة له، أي تركيا.
وفي إشارة إلى هذا التصدع أكد اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي، وجود انقسام داخل حكومة ميليشيات السراج بين موافق على وقف إطلاق النار ورافض له، لافتا في تصريحات له إلى أن المحور الرافض يضم الجماعة الليبية المقاتلة والإخوان والميليشيات الإجرامية والأتراك، بينما المحور الثاني “ضعيف ولا يملك سلاحا”.
وبدأت الاتهامات بين المحورين التي تشي بصدام سياسي عنيف بين أعضاء المجلس الرئاسي، على خلفية اتّصال أحمد معيتيق بآمر غرفة عمليات “تحرير سرت والجفرة” التابعة لحكومة السراج، وإبلاغه رسالة من الروس توصيه بعدم مهاجمة سرت لأنها “خط أحمر”، وبالتالي يتعين الانسحاب إلى منطقة بويرات الحسون.
ولم يرق هذا الاتصال لوزير داخلية حكومة الوفاق، فتحي باشاغا الذي اقتربت ميليشياته المُنطلقة من مصراتة من تخوم مدينة سرت، حيث سارع إلى رفض ما وصفه بـ”إملاءات” أحمد معيتيق، قائلا “الخطوط الحمراء ترسمها دماء الشهداء، ولا تخضع للإملاءات إلا ثلة من الانتهازيين ضعاف النفوس والهمم”.
ولم يكتف بذلك، إنما توعد في تغريدات له بـ”السيطرة على مدينة سرت” رغم فشل ميليشياته في دخولها. وذلك في الوقت الذي شنت فيه شخصيات محسوبة على حكومة الوفاق ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي هجوما واسعا على معيتيق، بسبب طلبه من آمر غرفة “تحرير سرت الجفرة” وقف عمليات اقتحام سرت بناء على طلب الجانب الروسي الذي أكد له أن سرت خط أحمر.
وفي المقابل، أقر أحمد معيتيق بالاتصال قائلا “… ليبيا جزء من المنظومة الدولية، ووصلتنا رسالة واضحة، وكان يجب إبلاغ الرئيس بها، …وقد وضعنا القيادات العسكرية على تفاصيل الرسالة التي وصلتنا، ولم نوجه تعليمات لأي جهة بشكل فردي”.
وسعى مع ذلك إلى التقليل من هذه الخلافات من خلال القول إن “مبدأ القيادة السياسية للدولة والقيادة العسكرية مُترسخ لدينا، وهناك فصل بين القيادتين والعسكرية تتبع للسياسية”، لكنه تجاهل الرد على قرار تجميد عضويته في المجلس الرئاسي، الأمر الذي أدخل حكومة السراج في وضع مُرهق تتقاطع فيه الخلافات الداخلية بما يزيد من الشكوك بشأن إمكانية استمرار تماسك أركانها.