بداية جديدة..

واشنطن تعرض على بغداد تنمية شاملة مقابل تحجيم الموالين لإيران

التصعيد العسكري والسياسي من الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران يعكس مخاوف طهران من نتائج التواصل بين بغداد وواشنطن.

واشنطن

كشفت مصادر سياسية مطلعة في بغداد عن تلقي حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خلال الجولة الأولى من الحوار الإستراتيجي الذي بدأ الخميس بين العراق والولايات المتحدة، إشارة إلى استعداد أميركي لدعم حملة تنمية شاملة في العراق، لقاء التعاون على تحجيم دور الميليشيات الموالية لإيران.

ولم تستبعد المصادر أن تلجأ واشنطن إلى استغلال حاجة العراق الشديدة حاليا إلى إسناد خارجي عاجل لتجاوز أزمة الرواتب التي تهدد بانفجار الأوضاع الاجتماعية، من خلال التلويح بحزمة مساعدات مالية لقاء تحركات ضد شخصيات عراقية على صلة بإيران، وتمتلك سجلا حافلا من تهم الفساد وارتكاب جرائم إرهابية وغيرها.

وقالت إن الولايات المتحدة تبحث في توسيع آفاق الدعم الموجه للعراق، لكنها ستكون حذرة جدا لمنع وصول هذا الدعم إلى الأيادي الخاطئة، وسط مؤشرات عديدة تؤكد أن وجود الكاظمي على رأس السلطة في العراق يشكل أرضية جيدة لبدء حوار صريح بين بغداد وواشنطن.

ورغم مسحة التفاؤل الواضحة، التي تطبع الأجواء الحكومية بالتزامن مع بدء الحوار مع الولايات المتحدة، إلا أن مراقبين يحذرون من أن واشنطن ربما تتخذ مسار العقوبات مع بغداد في حال أيقنت أن تشجيعها على فك الارتباط بطهران لم يعد مفيدا.

وقال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إن الحوار مع واشنطن سيعتمد على رأي المرجعية الدينية والبرلمان وحاجة الدولة، مؤكدا أنه يجري وفق مصالح مشتركة وسيغطي قضايا عديدة من ضمنها ملف الأمن والثقافة والاقتصاد والتبادل التجاري.

في غضون ذلك صعّدت الجماعات العراقية السياسية والمسلحة، الموالية لإيران، لهجتها وحراكها ضد الحوار العراقي الأميركي لرسم أطر العلاقة بين البلدين، قبل موعد انطلاقه بساعات، بهدف التشويش على نتائجه، أو توجيهه نحو أهداف تخدم مصالح طهران في المنطقة.

وكان هشام داود، المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، قال إن الحوار العراقي الأميركي المتعلق بمستقبل علاقات البلدين بدأ ويستمر لمدة يومين، موضحا أن بلاده ستحاور الولايات المتحدة على أساس مصالحها واحتياجاتها.

ويرى داود أن “من الخطأ التفكير في الولايات المتحدة على أنها مصدر للسلاح فحسب”، مشيرا إلى أن “الحوار سيناقش آفاق التعاون في مجالات الاقتصاد والثقافة والزراعة، فضلا عن الملفين الأمني والعسكري”.

ولم يكد داود ينهي كلماته حتى بدأت صافرات الإنذار تدوي فجر الأربعاء في المنطقة الخضراء وسط بغداد، معلنة استهداف محيط السفارة الأميركية بصاروخ قصير المدى.

وذكر داود أن “العراق سيتعامل في الشق العسكري من الحوار انطلاقا من سيادته، وسيحاول استثمار علاقاته المميزة بالولايات المتحدة في جميع المجالات”، مؤكدا أن “ما يحدث اليوم، هو بداية للحوار، ستتطور في المراحل القادمة حتى تصل إلى مستويات أعلى”.

وأكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مؤتمر صحافي منفصل على بدأ “الحوار الإستراتيجي” بين الولايات المتحدة والعراق.

وكشف بومبيو أن مساعده للشؤون السياسية ديفيد هيل سيرأس الوفد الأميركي الذي سيضم ممثلين لوزارات الدفاع والطاقة والخزانة وعدّة وكالات.

وقال إنه “بوجود مخاطر جديدة تلوح في الأفق، لاسيما جائحة كورونا، وتدهور أسعار النفط والعجز الكبير في الموازنة، من الضروري أن تلتقي الولايات المتحدة والعراق كشريكين إستراتيجيين لإعداد خطة للمضي قدما تلحظ المصلحة المشتركة لكل من بلدينا”.

وتقول مصادر سياسية في بغداد إن التصعيد العسكري والسياسي من قبل الأحزاب والميليشيات التي تدين بالولاء لإيران يعكس مخاوف طهران الكبيرة من نتائج هذا التواصل بين بغداد وواشنطن، في ظل وجود حكومة عراقية تدرك القيمة الإستراتيجية للعلاقات مع الولايات المتحدة.

وتخشى طهران أن يكون الحوار مع واشنطن هو بوابة بغداد نحو تعزيز استقلالية قرارها السياسي، بالرغم من التحديات الهائلة التي يفرضها وجود الميليشيات الموالية لإيران في العراق.

وقالت القيادة العسكرية العراقية إن المنطقة الخضراء، حيث تقع سفارات الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، فضلا عن المجمع الرئيسي لرئاسة الحكومة العراقية ومكاتب مجلس النواب، تعرضت لهجوم صاروخي، فجر الأربعاء، لم يسفر عن سقوط ضحايا.

وقال شهود عيان إن النيران اندلعت عقب سقوط الصاروخ في مبنى قريب من السفارة الأميركية، دون معرفة حجم الخسائر التي سببها سقوط الصاروخ واندلاع الحريق.


وتزامن هذا الهجوم الصاروخي مع حملة منسقة تقودها جماعات سياسية من أجل الضغط على المفاوض العراقي، لحصر الحوار في ملف إخراج القوات الأميركية من البلاد، وهو المطلب الذي يتصدر أجندة إيران في المنطقة.

ويقول المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، الذي أسسه الإيرانيون في ثمانينات القرن الماضي من مقاتلين عراقيين لقتال الجيش العراقي، إن “خروج القوات الأجنبية من العراق واحترام سيادته الوطنية ومصالحه العليا يجب أن تتصدر ملفات الحوار الإستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة”.

وترى هذه المنظمة، التي اتهمت بالهيمنة على مكتب رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، وإدارة شؤون الدولة من خلاله، أن فرص نجاح الحوار بين العراق والولايات المتحدة “تعتمد على مدى التزام الوفد العراقي المفاوض بالثوابت الوطنية ومصالح العراق الإستراتيجية”، في إشارة واضحة إلى التشكيك في ولاء عدد من أعضاء الوفد.

وجاءت هذه الإشارة بعد هجمة قادها صحافيون عراقيون يتلقون الأموال والأوامر من اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية التابع للحرس الثوري الإيراني، ضد أعضاء في الوفد التفاوضي العراقي، متهمين إياهم بالتبعية للولايات المتحدة وإسرائيل.

ويرى المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، الذي يرأسه رجل الدين الشيعي همام حمودي، ويضم في عضويته بعض أبرز صقور التطرف الشيعي، مثل باقر جبر صولاغ وجلال الدين الصغير، أن “موضوع خروج القوات الأجنبية” يجب أن يكون “نقطة الارتكاز في المفاوضات” بين بغداد وواشنطن، رغم إعلان الحكومة العراقية مرارا أنها ستفاوض الولايات المتحدة في المجالات الاقتصادية والثقافية وغيرها.

وتحدث المجلس عن “أهمية إشراك شخصيات عسكرية وأمنية بالوفد العراقي مادام أن قضية خروج القوات الأجنبية تشكل محور المفاوضات”، مشيرا إلى أنه “في حال حصول أي إخفاق وفشل” فإن حكومة الكاظمي وأعضاء الوفد المفاوض “يتحملون مسؤولية ذلك أمام الشعب ومجلس النواب والسلطة التنفيذية”.

بالتزامن مع بيان المجلس، دعا هادي العامري، زعيم تحالف الفتح، وهو أكبر تجمع للممثلين السياسيين عن الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في البرلمان العراقي، أعضاء وفد بلاده التفاوضي إلى أن “يضعوا نصب أعينهم قرار مجلس النواب العراقي القاضي بخروج القوات الأجنبية من العراق وتحقيق السيادة الوطنية الكاملة”.

وحذر العامري من أن أي “تهاون أو تلكؤ أو إخفاق لا سمح الله سيسجل وصمة خيبة وانتكاسة في تاريخ الوفد المفاوض وتاريخ العراق تتحملون مسؤوليته عبر الزمن ولا نريده لكم”.

وقال مسؤول عراقي “ليس لدينا حتى الآن تفاصيل عن عدد الجنود، لكن الاقتراح الأميركي يذكر خفض عدد القوات”.

ورغم ذلك، يبدو أن التقليص الكبير أمر غير مرجح إلى حد كبير، إذ لا يزال التهديد الجهادي موجودا، كما ترى دول التحالف الأخرى التي ليست طرفا في الحوار الأميركي العراقي.

وتوقع الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، أن تطلب الحكومة العراقية إبقاء وجود عسكري أميركي في البلاد لمكافحة تنظيم داعش، عشية انطلاق المفاوضات الإستراتيجية بين الحكومتين.

وقال الجنرال ماكنزي في ندوة عبر الإنترنت نظّمها مركز دراسات في واشنطن “أعتقد أن حكومة العراق ستطلب إبقاء قوات أميركية وقوات تابعة للتحالف”.

وأضاف “كما تعلمون، من وجهة نظري، نحن في العراق لإنجاز مهمة هزم تنظيم داعش ولدعم العراق في إنجازه لتلك المهمة والتوصل إلى انتصار نهائي عليه”.

ومع تصاعد التوقعات بشأن نتائج الحوار المؤمل بين واشنطن وبغداد، اعتبر روبرت فورد من معهد الشرق الأوسط أنه “لن يعاد تعريف العلاقات الأميركية العراقية بأكملها بين عشية وضحاها”.

وأضاف فورد، وهو دبلوماسي أميركي سابق شارك في “الحوار الإستراتيجي” الأخير بين الطرفين في عام 2008، “للمرة الأولى هناك الأشخاص المناسبون في المكان المناسب وفي الوقت المناسب”.

وعلى الأمد الطويل، يمكن لـ”الحوار الإستراتيجي” تأمين العقود الأميركية في مجال البناء والطاقة والدفع باتجاه تحصيل مساعدات من الخليج أو البنك الدولي.

لكن فورد يؤكد أنه “لا يمكن لواشنطن أن تعطي المال، لكن يمكنها فقط أن تعرض عدم تطبيق عقوباتها” التي قد تحرم العراق من مورده الإيراني للطاقة، وذلك “لا يحل مشكلة الكاظمي الأولى”.