فرص ضئيلة تحيط بنجاح الوساطة الجزائرية بين حماس وفتح

وساطات استعراضية تحرج الدبلوماسية الجزائرية

السلطات الجزائرية رغم علاقاتها الجيدة مع عدد من الفصائل الفلسطينية مثل حركتي حماس وفتح، إلا أنها غير ممسكة تماما بالملفات الحساسة والعناوين الخلافية كونها ظلت لسنوات بعيدة عن تفاصيل القضية الفلسطينية.

مصالحة للدعاية بلا معنى

الجزائر

 تسعى الجزائر لاستغلال الملف الفلسطيني من أجل الدفع بنفوذها في المنطقة، خاصة وأنها تشهد في الفترة الأخيرة حالة من العزلة الإقليمية بسبب قطع العلاقات مع المغرب والتوتر مع إسبانيا.

ويبدو أن فرص الجزائر قليلة لنجاح وساطتها في الملف الفلسطيني، كما هو الحال مع فشل وساطاتها في ملفات عديدة على غرار ملف سد النهضة، وكذلك في ملف الأزمة التونسية من خلال استقبال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون للأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي.

فالجزائر رغم علاقاتها الجيدة مع عدد من الفصائل الفلسطينية مثل حركتي حماس وفتح، إلا أنها غير ممسكة تماما بالملفات الحساسة والعناوين الخلافية كونها ظلت لسنوات بعيدة عن تفاصيل القضية الفلسطينية.

ورغم جهود الجزائر لتحسين علاقاتها مع فرنسا والدفع بالعلاقات مع تونس من خلال قرار فتح الحدود التي كانت مغلقة بسبب جائحة كورونا، إلا أنها لا تزال مهتمة بالمسألة الفلسطينية حيث تعتقد أنها لا تزال ملفا للتأثير والضغط متجاهلة التغيرات في المنطقة خاصة جهود التطبيع شرقا وغربا.

وفي هذا الصدد جمع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبّون في الجزائر العاصمة الثلاثاء نظيره الفلسطيني محمود عبّاس برئيس حركة حماس إسماعيل هنيّة في “لقاء يراه المؤيدون للنظام الجزائري أنه تاريخي بعد فتور دام سنوات” بين الطرفين الفلسطينيين المتناحرين، بحسب ما أعلن التلفزيون الرسمي الجزائري.

وقال التلفزيون إنّ “اللقاء جمع أيضا ممثّلين عن السلطة الفلسطينية وحركة حماس”. والرئيس الفلسطيني ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس موجودان في الجزائر للمشاركة في احتفالات العيد الستين لاستقلال هذا البلد إضافة إلى مشاركة عدد من السياسيين وقادة الدول والحكومات.

وبحسب التلفزيون الجزائري، فقد وقّع تبّون وعبّاس وثيقة تنصّ على تسمية شارع في رام الله بالضفة الغربية المحتلة باسم الجزائر، وذلك في إطار الدعاية التي تمارسها الجزائر عبر استغلال الملف الفلسطيني.

ويتزعّم عبّاس حركة فتح التي بلغ الخلاف بينها وبين غريمتها حماس أوجه في 2007 حين دارت اشتباكات دموية بين الطرفين في غزة انتهت بسيطرة إسلاميي حماس على القطاع وطرد حركة فتح منه.

وباءت بالفشل كل محاولات المصالحة التي جرت مذّاك بين الجانبين. وفي ديسمبر الماضي أطلق تبّون مبادرة جديدة لتحقيق مصالحة بين فتح وحماس، لكنّ جهوده لم تفض إلى أيّ تقارب بين الحركتين المتناحرتين.

ويبدو أن الجزائر لم تقتنع بعد بأن الظروف الجيوسياسية قد تغيرت في المنطقة وأن الوضع في ستينات وسبعينات القرن الماضي عندما كانت شعارات المقاومة ومناهضة إسرائيل الغالبة قد تغيرت وأن العالم العربي يتجه نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل أو على الأقل إنهاء التوتر معها.

فدول مثل الإمارات والمغرب والبحرين أقامت علاقات قوية مع إسرائيل في مختلف المجالات وصلت إلى حد توقيع اتفاق للتجارة الحرة بين أبوظبي وتل أبيب أو إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين الرباط وتل أبيب. كما أن مصر عززت من علاقاتها مع إسرائيل من خلال عقد اتفاقية لتصدير الغاز إلى الاتحاد الأوروبي.

ويرى مراقبون أن العقيدة السياسية الكلاسيكية التي تحكم النظام الجزائري غير قادرة على استيعاب كل تلك المتغيرات وأن هدفها الوحيد من تحقيق الوساطة بين الفرقاء الفلسطينيين هو في الأساس التحرش بالمغرب. فالجزائر تريد أن تقول لجارتها الغربية إنها الحامي الوحيد الذي بقي للفلسطينيين في مواجهة التطبيع، متناسية أن شعارات المقاومة ومقاومة الصهيونية التي كانت تثير عواطف العرب في العقود الماضية لم تعد مستساغة اليوم.

والجزائر ليست الدولة الوحيدة التي استغلت الملف الفلسطيني للخروج من عزلتها فدول مثل تركيا وإيران استغلت المسألة الفلسطينية لدغدغة مشاعر بعض العرب لتكون النتيجة أن تضررت مصالح الفلسطينيين بينما تمكنت أنقرة وطهران من اختراق الساحة العربية، بل وتدمير العديد من الأوطان وما حصل في ليبيا وسوريا ولبنان خير دليل على ذلك.

وفي النهاية ستكتشف الجزائر أن اللعب على وتر القضية الفلسطينيية سيؤدي في النهاية إلى الإضرار بمصالح الفلسطينيين لأن الوساطة بين حماس وفتح تهدف في الأساس لتحقيق مصلحة جزائرية ضيقة وهي مصلحة نظام في حالة عزلة وليس إنهاء الانقسام الفلسطيني.

وتطرح الجزائر الملف الفلسطيني كواحد من المفاتيح الأساسية للقمة العربية المنتظرة على أراضيها في مطلع شهر نوفمبر القادم، من أجل إبراز دور لها في ما تسميه بـ”العمل العربي المشترك”، ليكون أحد المكاسب الدبلوماسية التي تبحث عنها السلطة الجديدة في البلاد، وتكرار الإنجاز التاريخي الذي حققته العام 1988، لما تم الإعلان عن قيام دولة فلسطين من الأراضي الجزائرية.

غير أن دخول الدبلوماسية الجزائرية على خط أزمة الانقسام الفلسطيني منذ عدة أشهر، خاصة مع احتضانها لحوار سياسي بين الفصائل والقوى الفلسطينية، اصطدم بإزعاج القيادة المصرية المالكة لحصرية الشأن الفلسطيني، وهو ما دفع وزير الخارجية رمطان لعمامرة إلى التصريح بالقول “الجهود الجزائرية لتوحيد الصف الفلسطيني هي مكملة للدور المصري، ولن تكون بديلا أو منافسا له”.

وتبقى الجزائر من بين الدول العربية القليلة الوفية لالتزاماتها المالية تجاه السلطة الفلسطينية، حيث تصب مساهمتها السنوية بانتظام لحد الآن، كما كان الرئيس تبون، قد أعلن خلال زيارة محمود عباس السابقة للجزائر، عن مساعدة مالية قدرت بمئة مليون دولار.