تخبط عميق للمعارضة التونسية بعد إقرار الدستور

الشعب اختار طريقه
أظهرت تصريحات لعدد من المعارضين التونسيين أنهم لم يستوعبوا التغييرات التي جرت حولهم من خلال إجراء الاستفتاء وإقرار الدستور بمشاركة قرابة مليونين ونصف المليون ناخب، وهو عدد كبير قياسا بالمشاركين في انتخابات 2019.
وفي أول رد على نتائج الاستفتاء حرص بعض المعارضين ومن بينهم أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني، وعبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر، وحمة الهمامي رئيس حزب العمال، على القول إن الاستفتاء لم يكن شرعيا وإنه كشف تراجع شعبية قيس سعيد، في الوقت الذي يقول فيه محللون سياسيون إن النتائج أظهرت أن سعيد يحوز على ثقة واسعة من الناخبين التونسيين الباحثين عن التغيير.
واعتبر المحللون أن من الخطير ألا يستوعب سياسي محترف أن الوضع قد تغير بالمطلق خصوصا إذا كان من دعاة التغيير، متسائلين كيف يمكن لسياسي مثل الشابي أو الهمامي أو موسي الوقوف بوجه رغبة الناس في تغيير الأوضاع والخروج من حالة الفوضى التي عاشتها البلاد خلال السنوات العشر الماضية.
واستغرب هؤلاء المحللون كيف يمكن أن يكون الكلام مزايدات باسم الفعل الديمقراطي بدلا من العمل الإيجابي لصالح تونس في هذه المرحلة الحرجة.
وقال الشابي في تعليق أول له على النتائج التي أعلنت عنها هيئة الانتخابات إن “الأرقام (…) مضخمة ولا تتفق مع ما تمت ملاحظته في الجهات ومن قبل مراقبين… هذه الهيئة لا تتحلى بالنزاهة والحياد والأرقام مبنية على التزوير”.
وأضاف “المرجع الوحيد للشرعية في البلاد هو دستور 2014. قيس سعيد لم يبق له أيّ مكان. خاب انقلابه… يجب أن يفسح المجال لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية حتى يسود الاستقرار”.
ووفقا للشابي فإن أيّ التزام من جانب صندوق النقد الدولي مع السلطة الحالية، سيؤدي إلى المزيد من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.
ولاحظ مراقبون أن كلام الشابي يقف عند نقطة وحيدة هي عدم الاعتراف بقيس سعيد بقطع النظر عن أصوات الناس ومصلحة البلاد في التغيير، خاصة محاولاته لتحريض صندوق النقد الدولي حتى يوقف أيّ دعم لتونس ما بعد الاستفتاء، وهو كلام خطير يكشف عن أن رئيس جبهة الخلاص فقد هدوءه المعتاد وخرج عن شعارات قديمة تضع تونس فوق كل اعتبار.
وكان صندوق النقد الدولي أعلن أنّ بعثة من خبرائه اختتمت زيارة إلى تونس في إطار التفاوض على برنامج مساعدات، مشيراً إلى أنّ المحادثات بين الجانبين حقّقت “تقدماً جيّداً”.
وفي نفس المسار حوّلت عبير موسي الخلاف بشأن الاستفتاء إلى خلاف شخصي مع قيس سعيد، ولم تنظر إلى المغزى من الاستفتاء وما يطلبه التونسيون من تغيير سريع وحاسم لإخراج اقتصاد بلادهم من أزمته الخانقة وتحسين أوضاع الناس والتخفيف من شدة الغلاء وتوفير المواد الأساسية بكميات كافية في ظل مخاوف شديدة من آثار الأزمة الغذائية العالمية على تونس.
وقالت موسي إن المسار الذي اتخذه سعيد “فرض فرضا على التونسيين” عبر “الاعتداء على سيادتهم وتزوير إرادتهم.. نشكر التونسيين أنهم لم يشاركوا في هذا المسار”. وتابعت “قيس سعيد اختزل تونس في شخصه. وهو يعدّ لقانون انتخابي.. هذا الغرور والنرجسية وحب الذات والاحتقار غير مسبوق لشعب تونس”.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي في تصريح لـ”العرب” إن “عبير موسي قادت الحزب الدستوري الحر على أساس معاداة حركة النهضة والبرلمان في البداية، واليوم تعرف جيدا أن منظومة الإسلام السياسي انتهت، ولا بدّ لها أن تصنع خصما سياسيا جديدا”.
وتنظر المعارضة بشكل سوداوي لما يجري حواليها بقطع النظر عما يراه الشعب ويريده، وهو ما يفسر سبب القطيعة التي حصلت بين الطرفين، ويفسر الدعم الذي حصل عليه قيس سعيد للتخلص من منظومة سياسية وحزبية غير ذات فائدة، وهي تفكر في مصالحها قبل مصالح الناس.
وقال حزب العمال الذي يرأسه حمة الهمامي إن تونس “تدخل بعد الاستفتاء مرحلة جديدة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية”.
وأوضح الحزب اليساري في بيان له أنّ مرحلة ما بعد الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد “ستزيد من حدة الأزمة الاقتصادية والمالية التي ستدفع فاتورتها الطبقات والفئات الكادحة والشعبية والمفقّرة نتيجة تنفيذ إملاءات المؤسسات المالية الدولية”.
وأضاف “هذا الفشل المدوّي يفقد (الرئيس قيس) سعيد كل شرعية ولا يترك أمامه سوى باب وحيد هو الاستقالة وترك الشعب التونسي يحدد مصيره بنفسه”.
ويعتقد المراقبون أن حمة الهمامي بدوره ينظر إلى القضية على أنها خلاف مع قيس سعيد، وأن الأمر لا يخرج عن مسار الصراع على السلطة، معتبرين أن هذه النظرة قاصرة لأن السياسيين يفترض أن يقيسوا المواقف والأحداث بفائدتها على البلاد والعباد وليس بمقياس خسارتهم الحزبية والشخصية.