ثمانية أعوام لم تكف لتجاوز الإبادة الجماعية للإيزيديين

الإيزيديون عرضة للدمار بصورة دائمة

واشنطن

 قبل ثمانية أعوام، كان الإيزيديون، وهم أقلية عراقية تتحدث اللغة الكردية، ضحية للاضطهاد من قبل تنظيم الدولة الإسلامية الذي ارتكب في حقهم مجزرة كبيرة قتل خلالها الآلاف من الرجال، بينما تعرضت النساء والأطفال للاستعباد والاغتصاب.

وعندما أعلن التحالف العالمي لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وقوات سوريا الديمقراطية عن هزيمة داعش على الأرض عام 2019، تنفس العالم الصعداء. فقد انتهت الجماعة الإرهابية التي كانت تسيطر على مساحات كبيرة من العراق وسوريا تقدر بمساحة بريطانيا العظمى، ونفذت هجمات متطورة في الخارج، وارتكبت فظائع لا توصف ضد شعوب المنطقة.

لكن ثماني سنوات لا يبدو أنها كافية لإصلاح ما أفسده داعش وما خلفه في المدن والعائلات الإيزيدية.

ويقول باري إبراهيم الرئيس، المؤسس والمدير التنفيذي لمنظمة “الحرية للإيزيديين”، والصحافية الأميركية ميجان بوديت، مديرة الأبحاث في معهد السلام الكردي، في تقرير نشرته مجلة ناشونال أنتريست الأميركية إن تلك الهزيمة كان ينبغي أن توفر للإيزيديين، الذين سعى داعش للقضاء عليهم في حملة إبادة جماعية بدأت في الثالث من أغسطس عام 2014، فرصة للتعافي وإعادة البناء.

وكان الإيزيديون يأملون في إعادة النساء والأطفال الذين تم خطفهم إلى عائلاتهم، وأن تتم إعادة بناء سنجار، وعودة النازحين إلى ديارهم، ومثول أفراد داعش أمام العدالة لمحاكمتهم على الجرائم التي اقترفوها، وأن يخطوا نحو مستقبل لا يمكن أن يشهد مطلقا حدوث مثل هذه الوحشية مرة أخرى.

ومع ذلك، بعد قرابة عقد من بدء المذبحة الجماعية وأكثر من ثلاثة أعوام من فقدان داعش لما يسمى بخلافته، لم تتحقق تلك الأهداف الأساسية. والمسؤول عن ذلك جزئيا نفس الحكومات التي قالت إنها لن تعترف “مطلقا مرة أخرى” بأن جرائم داعش مذبحة جماعية، والتي تطلق تصريحات منمقة دعما للإيزيديين.

ويقول إبراهيم وبوديت إن الرد العسكري الدولى الذي أدى إلى هزيمة داعش جدير بالإشادة. ولو لم تقم الولايات المتحدة وحلفاؤها بإجراء لوقف داعش في العراق وسوريا عام 2014، لكان الإيزيديون عرضة للدمار بصورة دائمة.

ومع ذلك، فشلت الجهود السياسية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم اعترافها بالعوامل الهيكلية والأسباب الرئيسية وراء فظائع داعش، أو معالجتها.

ويوضح التاريخ مرارا وتكرارا أن الإبادة الجماعية لا تبدأ مطلقا بالقتل الجماعي، فمثل هذا العنف هو دائما عملية يسبقها تهميش واضطهاد وتجريد من الإنسانية.

ويرى إبراهيم وبوديت أن التهميش والاضطهاد والتجريد من الإنسانية بالنسبة للإيزيديين في أوطان أجدادهم في الشرق الأوسط، بدأت قبل عام 2014 بوقت طويل. فهم لم يعاملوا مطلقا كمواطنين على قدم المساواة مع الآخرين في الدول التي يعيشون فيها، ولم يتم الاعتراف بالهوية الإيزيدية. وكان جيرانهم يعاملونهم بمشاعر تنم عن الشكوك والازدراء. وحتى اليوم، يرفض الكثيرون شراء أي مواد غذائية من الإيزيديين، اعتقادا منهم بأنها غير نظيفة.

وتلك المواقف أسفرت عن عنف جماعي قبل 2014 أيضا. ففي المثال الذي يعد صارخا، قتلت القوات العثمانية حوالي 300 ألف من الإيزيديين، إلى جانب 1.5 مليون من الأرمن في أثناء الإبادة الجماعية للأرمن. وقبل سبع سنوات من مهاجمة داعش لسنجار، أسفرت تفجيرات المتطرفين من السنة في المنطقة عن قتل حوالي 800 شخص وإصابة أكثر من 1500.

وفي أي عالم مثالي، كان ينبغي النظر إلى الإبادة الجماعية للإيزيديين في ضوء هذا التاريخ والسعي لتصحيح تلك الأخطاء. وبدلا من ذلك، أطال العالم دون قصد أمد عدم المساواة الخطيرة.

وأشار إبراهيم وبوديت إلى أن اتفاق سنجار يعد دليلا على هذا النهج الخاطئ. فالهدف المعلن للاتفاق وهو تعزيز السلام والاستقرار في سنجار ما بعد داعش أمر جدير بالثناء، كما أن بعض جوانب الاتفاق مفيدة.

ومع ذلك، فإن الاتفاق بعد عامين تقريبا على عقده، يبدو أنه زاد عدم الاستقرار ولم يقلصه. وهذه نتيجة مباشرة لحقيقة أن الاتفاق يعطي الأولوية لمصالح الحكومتين في بغداد وأربيل، واستبعد المجتمع المدني الإيزيدي من مفاوضات الاتفاق.

وقال الكاتبان إن ثمانية أعوام من الفشل السياسي تعد أيضا سنوات كثيرة بالنسبة للناجين من الإبادة الجماعية، الذين لديهم أمل في إعادة البناء والتحرك إلى الأمام. ويتعين على المجتمع الدولي الالتزام بتمكين الإيزيديين، ابتداء بالمجتمع المدني الإيزيدي، لبناء مستقبل آمن ومستدام لما بعد داعش بنفس القوة التي تم استخدامها لهزيمة داعش.

وبادئ ذي بدء، يتعين أن يكون هناك جهد دولي مركز لإنهاء كل الهجمات الداخلية والخارجية على سنجار. ويمكن أن تكون إحدى الخطوات المهمة لذلك غلق المجال الجوي للمنطقة أمام الطيران الأجنبي، مع استثناءات خاصة لمهام محاربة داعش. وهناك سوابق ناجحة لمثل هذه السياسة.

كما تتعيّن إعادة التفاوض بشأن اتفاق سنجار في ظل وساطة دولية محايدة وبمشاركة الإيزيديين من كافة الأطياف السياسية. وينبغي ألاّ يخدم الاتفاق الجديد أجندات سياسية خارجية، ويجب ألا يشمل أو يتغاضى عن أي عمل عسكري مخطط ضد الإيزيديين أو طرد أي إيزيديين عراقيين.

واختتم إبراهيم وبوديت تقريرهما بأنه يتعين أن يكون هناك جهد مركز في كل من بغداد وأربيل لتعزيز المشاركة السياسية المتساوية والعادلة بالنسبة للأقليات.

ويتعيّن أن يكون الإيزيديون قادرين على المشاركة في الحكومتين كممثلين لمصالح الإيزيديين، وليسوا كرموز للأحزاب السياسية.

ويجب أن تعتمد جهود تقديم المساعدات الإنسانية وتعزيز إعادة البناء على أساس احتياجات المجتمع المدني، وأن تسهل التمكين الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الحقيقي، بدلا من خلق الاتكالية والتصرف تجاه الأزمات فقط عند وقوعها.