عبدالمجيد تبون يسعى لتحويل المشروع إلى عقيدة دبلوماسية تحل الأزمات الإقليمية

الجزائر تصدر مشروع "لم الشمل" للخارج قبل نضوجه داخليا

بات مشروع لم الشمل المعلن عنه في الجزائر أحد أعمدة الخطاب الرسمي إلى درجة تسويقه إقليميا، وهو ما أوحى له الرئيس عبدالمجيد تبون عندما أكد أن القمة العربية القادمة ستكون قمة لم الشمل، وأن اللقاء الذي جرى بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وزعيم حركة حماس إسماعيل هنية في الجزائر هو لقاء لم الشمل، لكن اللافت أن لم الشمل نفسه لا يزال غامض المعالم في الجزائر.

لم الشمل الفلسطيني قبل الجزائري

الجزائر

يتجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى إعطاء مشروع لم الشمل المروج له داخليا لاحتواء فلول المعارضة، صبغة العقيدة السياسية والدبلوماسية لبلاده، بعدما أوحى في تصريحه الأخير مع الإعلام المحلي بأن لم الشمل هو مقاربة لحلحلة الخلافات والصراعات في مختلف بؤر التوتر.

ويبدو أن تبون يريد من خلال الاستحقاقات الإقليمية المنتظرة في الجزائر أن يلقي بالمشروع على القمة العربية المنتظرة في بلاده مطلع شهر نوفمبر القادم، وذكر بأنها ستكون قمة للم الشمل العربي، رغم أن كل المؤشرات توحي إلى أنها ستكون كغيرها من القمم.

كما اعتبر في تصريحه بأن "اللقاء بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس حركة حماس إسماعيل هنية، بمناسبة ستينية الاستقلال الوطني، هو لقاء للم الشمل الفلسطيني"، وهو نفس الأمر الذي أسقطه على اتفاق السلام المبرم العام 2015 في الجزائر بين أطراف الصراع في دولة مالي، واعتبره وثيقة لم شمل لإنقاذ البلاد من الاقتتال والتمزق.

وأعطى الرئيس الجزائري في ظهوره الإعلامي الأخير انطباعا بأنه يريد من المشروع السياسي الذي لا يزال غامضا في بلاده، أن يتحول إلى عقيدة سياسية ودبلوماسية ليس لحلحلة الأزمة الداخلية فقط، بل لتفكيك الخلافات والصراعات الإقليمية خاصة في المحيط الإقليمي والجغرافي للجزائر.

غير أن تبون لم يوضح أكثر كيف سيوفق بين مشروع لم الشمل وبين خطاب الانحياز في كثير من الأزمات لطرف ما على حساب طرف أو أطراف أخرى، فقد كانت الجزائر تتحدث عن وقوفها على مسافة متساوية بين أطراف الصراع في الأزمة الليبية، ثم تحولت إلى داعم لرئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة على حساب رئيس الحكومة الموازية فتحي باشاغا، وبنفس المبرر وضعت كل أوراقها في سلة الرئيس التونسي قيس سعيد، بعدما كانت تعتبره جزءا من المشهد السياسي التونسي.

وإذا كانت الدبلوماسية الجزائرية تريد الظهور في ثوب القوة الجامعة بين أطراف الصراع والتخفيف من بؤر التوتر المحيطة بها، فإن ذلك يستدعي الاعتراف بين جميع الفاعلين في أي مشهد، كما هو الشأن في ليبيا ومالي، عكس الانحياز لصالح طرف منها، كما هو الشأن مع الدبيبة، بدعوى الامتثال إلى دواعي الشرعية الدولية.

ولا يزال مشروع لم الشمل الذي أطلق في الجزائر منذ عدة أشهر غامضا لدى الرأي العام والفواعل السياسية، حيث تضاربت التأويلات لحد الآن سواء في ما يتعلق بالجهة الرسمية التي تتبناه، أو الفئات المعنية به.

وإذا كان الأمر في البداية أشار إلى فلول المعارضة السياسية منذ العشرية الدموية إلى غاية سنوات الحراك الشعبي، فإن التصريح الذي أدلى به الرئيس تبون في ظهوره الإعلامي الأخير، حصر المسألة في بعض الوضعيات العالقة عن مشروعي الوئام المدني والمصالحة الوطنية (1999 و2005)، الأمر الذي يلغي ما تردد عن عفو يشمل أعدادا معتبرة من المعارضين السياسيين.

وكان القيادي في جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف قد صرح بعد لقائه بالرئيس تبون، في إطار المشاورات السياسية التي باشرتها السلطة مع الطبقة السياسية، بأن "العفو سيطال مساجين سياسيين قدماء ينسبون إلى جبهة الإنقاذ المنحلة، قضوا أكثر من زهاء 30 عاما في السجون بعد محاكمات خاصة في تسعينات القرن الماضي".

وأوحى حينها تصريح بن خلاف بأن الرئيس تبون ينوي طي ملف إسلاميي جبهة الإنقاذ، على اعتبار أنهم قضوا عقوبات مشددة، كما أن الأحكام الصادرة في حقهم كانت من طرف محاكم عسكرية أو محاكم خاصة، غير أن التصريح الأخير لتبون أعاد الغموض للفئات التي يشملها المشروع، والتساؤل عن جدواه إذا لم يحقق الاستقرار والطمأنينة لمختلف الفئات.

وجاء نفيه لوجود سجناء رأي في بلاده، وتعبيره عن الحالة بقوله "أكذوبة القرن"، ليقطع كل أمل في إطلاق سراح الناشطين المسجونين بسبب انتمائهم للحراك الشعبي، الأمر الذي بدد آمال العائلات في رؤية مشروع لم شمل حقيقي بين الجزائريين، ويبقي على الفجوة بين السلطة وبين هؤلاء على الأقل.

وكان الناشط السياسي والوزير والدبلوماسي السابق عبدالعزيز رحابي قد عبر عن استعداده للانخراط في مسعى السلطة للم الشمل، حتى وأنه استثنى البعض من المعتقلين من فئة سجناء الرأي واعتبرهم سجناء حق عام لأنهم ارتكبوا جرائم السب والشتم والمساس بمؤسسات الدولة، فإنه اعتبر المشروع خطوة في طريق إرساء الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.

وجاء التصنيف الأخير للمعنيين بالمشروع، ليقطع الطريق أمام التأويلات التي رجحت سجناء التسعينات لجبهة الإنقاذ ومعتقلي الحراك الشعبي، خاصة وأن دوائر عديدة تحدثت في الأسابيع الأخيرة عن وجود اتصالات بين مسؤولين رسميين وبعض الناشطين السياسيين المعارضين في المهجر.

ويحيل التضارب القائم حول طبيعة وهوية المشروع السياسي داخليا إلى إمكانيات استقامته مع ما بدأ يتم الترويج له على أنه عقيدة دبلوماسية وسياسية لحل الخلافات والصراعات الإقليمية والمحيطة بالبلاد.