توترات ما قبل الحرب بدأت تظهر بين الحكومة المركزية والقادة المحليين

خلافات السياسة تعود إلى أوكرانيا مع استمرار الحرب

أموال التعافي تثير الخلافات بين زيلينسكي ورؤساء البلديات

كييف

في بلد يعاني من الاقتتال السياسي والفساد والنفوذ الروسي منذ إعلان الاستقلال عام 1991، وضع السياسيون خلافاتهم القديمة جانبا وشكلوا جبهة موحدة ضد روسيا عقب الغزو.

ولكن مع اشتداد الحرب وتدفق مليارات الدولارات من المساعدات الدولية، بدأت تصدعات وتوترات ما قبل الحرب تظهر بين الحكومة المركزية والقادة المحليين. وتؤكد الخلافات الأخيرة بين رئيس البلاد، فولوديمير زيلينسكي، ورؤساء البلديات الأوكرانيين الذين يحاولون الدفاع عن مدنهم وبلداتهم المدمرة أو إعادة بنائها، التحديات الداخلية المتزايدة لأوكرانيا مع اقتراب دخول الحرب شهرها السادس.

وقال محللون "يبدو أن حكومة زيلينسكي تحاول تهميش القادة المحليين للحفاظ على السيطرة على مساعدات التعافي وإضعاف أي منافسين سياسيين في المستقبل”. وعلى نطاق أوسع قال العديد من رؤساء البلديات إن “هناك قلقًا متزايدًا من أنه في خضم الحرب تتراجع إدارة زيلينسكي عن الوعود والخطط لإزالة بقايا العهد السوفييتي من خلال تطبيق اللامركزية على السلطة ومنح الحكومات الإقليمية والمحليةِ المزيدَ من السلطة".

وقال بوريس فيلاتوف، رئيس بلدية دنيبرو جنوب شرق أوكرانيا (وهي مدينة أصبحت قناة وصل رئيسية للأسلحة والمساعدات المقدمة إلى الجبهة الشرقية المحاصرة في البلاد)، "بدأت الاتجاهات الاستبدادية تتطور في أوكرانيا خلال الحرب. إنهم يحاولون الهيمنة على المجال السياسي.. لكننا لسنا خصوما". وأضاف فيلاتوف أن "رؤساء البلديات كانوا في الخطوط الأمامية للدفاع عن المدن ويريدون المزيد من السيطرة على كيفية إعادة بناء مجتمعاتهم".

وانتقد حكومة زيلينسكي، محذرا من أنه “بغض النظر عن الانقسامات الداخلية فإن العدو الأكبر هو روسيا، ويجب على الغرب أن يواصل دعم دفاع أوكرانيا عن سيادتها”. وتأتي هذه الخلافات مع السياسيين المحليين في الوقت الذي أجرى فيه زيلينسكي تغييرات مثيرة للجدل داخل حكومته؛ إذ أقال الشهر الماضي رئيس أجهزة الأمن الأوكرانية والمدعية العامة، وأعلن أيضا عن تحقيق واسع النطاق في “أنشطة الخيانة والتعاون (مع العدو)".

وقالت الزميلة في برنامج روسيا وأوراسيا التابع لمركز الأبحاث تشاتام هاوس ومقره لندن، أوريسيا لوتسفيتش، “إنه منحدر خطير". وأضافت "لكي تفوز أوكرانيا في هذه الحرب يجب أن تأخذ بعين الاعتبار فكرة أن رؤساء البلديات ليسوا منافسين وإنما يُنظر إليهم على أنهم جزء من الفريق".

وقالت لوتسفيتش إن رؤساء البلديات الأوكرانيين تحالفوا تقليديا مع الحزب الوطني الحاكم للوصول إلى الحزب. ودعم العديد من رؤساء البلديات كلاً من الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، حليف موسكو الذي أطيح به في ثورة أوكرانيا 2013 – 2014، وخليفته الإصلاحي بيترو بوروشنكو.

وفي السنوات الأخيرة اختار بعض رؤساء البلديات إنشاء أحزاب وتحالفات سياسية شخصية. وبينما يندفع العالم لمساعدة أوكرانيا تظل الحكومة المركزيةُ حلقةَ الوصل الرئيسية لعشرات المليارات من الدولارات المتأتية من المساعدات التي تعهدت بها الدول والوكالات لإعادة بناء المدن الأوكرانية المحطمة.

كما أنشأت الحكومة المركزية إدارات عسكرية إقليمية غالبًا ما تحل سلطتها محل سلطة الحكومات المحلية المدنية والتي تمولها كييف مباشرة. وأدى ذلك إلى شعور بالإحباط ساد بين رؤساء البلديات المحلية، الذين يجادلون بأن القادة الإقليميين في وضع أفضل من مسؤولي الحكومة المركزية لتلقي الأموال وتوجيهها ومعرفة ما يحتاجه ناخبوهم.

ويحاول رؤساء البلديات إقامة شراكات دولية خاصة بهم مع البلدان أو المدن الراغبة في تمويل برامج إعادة الإعمار المحددة. وكان فلاديسلاف أتروشينكو، رئيس بلدية تشيرنيهيف، من أكثر القادة المحليين انتقادا لزيلينسكي بعد تضرر المدينة الحدودية مع بيلاروس بسبب قصف القوات الروسية.

وأمضى أتروشينكو (55 عامًا) الأسابيع الأولى من الحرب مع ناخبيه تحت القصف المستمر بينما كان يحشد الدعم العالمي لأوكرانيا. لكن في يوليو الماضي انتقد زيلينسكي بشكل مباشر واتهم "معاوني" الرئيس بمحاولة عزله من السلطة.

وقال في مقطع فيديو نُشر في الثامن من يوليو على صفحته في فيسبوك "اليوم، بدلا من مقاومة هجمات العدو، تضطر المدينة إلى تحمل هجمات مرؤوسيك. السلطات المركزية والمحلية يجب أن تعمل معا ضد العدو، وليس ضد بعضها البعض".

وقبل ستة أيام من نشر أتروشينكو للفيديو منعه أحد حراس الحدود الأوكرانيين من مغادرة البلاد لحضور مؤتمر في سويسرا حول تعافي أوكرانيا. وقال أتروشينكو إن هذه هي المرة الثانية في الأسابيع الأخيرة التي منعه فيها عملاء الحكومة المركزية من السفر لحضور حدث متعلق بالمساعدات.

ومنعت أوكرانيا جميع الرجال في سن التجنيد من مغادرة البلاد منذ الغزو الروسي الشامل في الرابع والعشرين من فبراير الماضي. وقال أتروشينكو إنه يحتاج إلى السفر لجمع الأموال من أجل تشيرنيهيف، مضيفا أن نظام التدفئة المتضرر بشدة يحتاج إلى الإصلاح قبل حلول الشتاء.