أكثر من 35 في المئة من المياه تضيع في الشبكات المتهالكة
سوء الحوكمة يفاقم أزمة شحّ المياه في تونس

أزمة واضحة لا تراها الحكومة
تتواصل مشكلة شحّ المياه في تونس بالتوازي مع أزمة تعيشها شبكات التوزيع المتهالكة ما عمّق صعوبات الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه التي تغرق في الديون.
وأفاد الخبير في المياه وكاتب الدولة السابق للزراعة والموارد المائية عبدالله الرابحي الخميس أن "المخزونات من المياه الموجودة حاليا في تونس ستُمكِن من تجاوز الصيف ولو بصعوبة"، معبرا عن أمله في أن يكون الخريف القادم ممطرا. ودعا في تصريح لإذاعة محلية إلى ضرورة استكمال المشاريع المقررة وإحداث المواجل والفسقيات (منشآت لتخزين المياه).
وتعاني مناطق عدة في تونس، خصوصا في جنوبها، من ندرة المياه التي تفاقمت في السنوات الأخيرة بسبب قلة الأمطار، ما يتسبب في انقطاع المياه أحيانا عن السكان لفترات طويلة قد تتجاوز الشهر.
وفسّر مراقبون مسألة نقص المياه بتراجع تساقط الأمطار وتواصل سنوات الجفاف، فضلا عن ضعف شبكة توزيع الماء الصالح للشرب و”اهتراء” التجهيزات والمعدات التابعة للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (صوناد). وقال الخبير في البيئة والتنمية المستدامة عادل الهنتاتي "هناك نقص كبير في المياه، خصوصا مع شحّ الأمطار في السنوات الأخيرة حيث أصبح تدفّق المياه في الشبكات ضعيفا".
وأضاف لـ"العرب" أن “انقطاع المياه حسب أرقام وزارة الزراعة ارتفع من 14 ألف انقطاع في السنة إلى حدود 24 ألفا في السنوات الأخيرة، كما أن 62 في المئة من تجهيزات الشبكة متهالكة ولا يمكن ضخّ المياه في الأماكن المرتفعة (طوابق العمارات)".
وتابع الهنتاتي "يمكن حلّ هذه المشاكل إذا خصّصت شركة استغلال وتوزيع المياه (صوناد) برنامجا واضحا ودعما ماليا كافيا لذلك، وهي الآن تعاني من مديونية مرتفعة، لأن توفير الماء والتجهيزات أصبح عملية مكلفة جدّا، والشركة إما أن توفّر الماء الصالح للشرب للناس أو تجري إصلاحات في التجهيزات والوسائل، كما أن نسبة ضياع الماء في الشبكة بين الضخّ والوصول إلى المواطن تصل إلى 35 في المئة وأحيانا أكثر، وهذه مشكلة كبيرة لأن الماء موجود لكن الحوكمة منعدمة".
وتابع الخبير البيئي “ليس هناك شحّ لأن التونسيين يستغلّون في سنوات الجفاف بين 750 و800 مليون متر مكعّب في إطار الاستهلاك المنزلي، وشحّ المياه يأتي من سوء الحوكمة، والمواطن يواصل تبذير المياه، فضلا عن التراجع الكبير لجودة المياه التي توزعها الشركة في تونس".
وفي وقت سابق قال الرئيس المدير العام للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه مصباح الهلالي إن "ديون الشركة لدى زبائنها تقدر بـ200 مليون دينار (63.12 مليون دولار)". وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أنه "من بين هذه الديون 70 مليون دينار (22.09 مليون دولار) لدى المؤسسات والباقي بالنسبة إلى الاستعمال المنزلي".
والأسبوع الماضي أشرفت رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان بقصر الحكومة بالقصبة على مجلس وزاري خصص للنظر في وضعية الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه.
واستعرض المجلس إستراتيجية الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه لتعصير المؤسسة وتطوير مجالات تدخلها وطرح خارطة طريق للسنوات الخمس القادمة في الجانب التنظيمي والمالي والتقني، فضلا عن مزيد من العمل على تحسين الخدمات المسداة وترشيد استهلاك المياه.
وتطرق إلى أبرز المشاريع الكبرى في مجال تحلية المياه وتعبئة الموارد المائية التقليدية من خلال تدعيم مردودية المحطات الكبرى وإنجاز محطات معالجة جديدة وتركيز منشآت إستراتيجية لتخزين المياه خاصة في المناطق الكبرى.
وقال الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان في تصريح لـ"العرب" إن "مشكلة شحّ المياه سببها قلّة الأمطار والتساقطات، وكذلك عدم صيانة شبكة التوزيع، ويبدو أن ما يضيع في الشبكة أكثر مما يصل إلى المستهلكين"، لافتا إلى أنه “عند ضخّ 100 متر مكعّب لا يصل منها سوى 60 في المئة بينما تضيع 40 في المئة منها في الطريق". وأضاف "منذ سنة 2011 تقلّص دور الدولة في الاستثمار العمومي وصيانة الشبكة وتوسيعها، وإذا لم تتدارك الدولة ذلك فالمشكلة ستتفاقم في ظلّ ندرة المياه".
وفي وقت سابق دعا بيدرو أروخو أغودو مقرّر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي، الحكومة التونسيّة إلى ضرورة أن “تحسّن إدارة شبكة المياه وأن تضع حدّا للاستغلال المفرط للمياه الجوفيّة في البلاد، وهما مسألتان تتنامى أهميتهما في سياق التغيرات المناخيّة إلى جانب الحاجة إلى ضمان حصول الجميع على مياه نظيفة".
وقال أروخو أغودو في بيان أثناء زيارة أداها إلى تونس من الثامن عشر إلى التاسع والعشرين يوليو الماضي “لا يمكن لندرة المياه أن تبرّر عدم الامتثال لحقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي، ينبغي على الحكومة التونسيّة أن تمنح الأولويّة لمياه الشرب مع الاحتفاظ بأعلى جودة مياه متاحة للناس بغض النظر عن مدى الربح الذي قد تحقّقه استعمالات أخرى كالريّ الزراعي لأغراض التجارة أو استخراج الفوسفات".
كما شدد على "ضرورة أن تضع الحكومة حدّا للاستغلال المفرط للمياه الجوفيّة في خطوة نحو التأقلم مع التغيرات المناخيّة، إلى جانب مكافحة وغلق الآبار غير القانونيّة التي يتزايد عددها، والتحكّم في استخراج المياه من خلال فرض استخدام العدّادات".