زواج القاصرات جريمة..

مصر تستعين بتجارب حية لزواج الأطفال لإقناع الأسر بمخاطره

أرشيفية

القاهرة

 عدّلت المؤسسات الحكومية في مصر من طريقة خطابها الموجه إلى العائلات بشأن سلبيات الزواج المبكر للفتيات، وبدأت تستعين في الندوات واللقاءات التوعوية بمن تحكي تجربتها القاسية لتدعيم وجهة نظر الخبراء والمختصين وتحقيق الغرض لتغيير قناعات الأسر، وتصبح التوعية المقدمة إلى الآباء والأمهات أكثر واقعية.

تستهدف الهيئات العاملة في مجال مواجهة الزواج المبكر أن تعايش الأسر المأساة التي تواجه الفتاة الصغيرة عندما تتحمل مسؤولية أسرة وهي في مرحلة عمرية مبكرة ولا تستطيع التعامل كزوجة وأم، ما ينعكس عليها من أزمات نفسية تتسبب مع مرور الوقت في أن تعيش حياة بائسة، وغالبا ما تصل علاقتها بالشريك إلى الطلاق.

وتقوم التوعية الواقعية على فكرة سرد أحداث عايشتها مجموعة من الفتيات، انتهت علاقاتهن الزوجية بالانفصال ليُدرك أرباب الأسر أن الحكومة عندما تحذر العائلات من مخاطر زواج القاصرات فهي ترغب في حمايتهن من المصير المجهول، وأن العادات والتقاليد المجتمعية التي تدعم الزواج المبكر لم تعد مناسبة للعصر.

وتعتقد الكثير من الأصوات الرافضة للزواج المبكر أن الاستعانة بالتجارب الحية التي فشلت في علاقاتها، وكانت الفتيات فيها ضحايا لضغوط أسرية حل مثالي لإقناع العائلات التي لا تزال ترفض الخطاب الرسمي وأي توعية تقدمها مؤسسات حقوقية معنية بالمرأة، ولم يعد هناك بديل عن تقديم أدلة على مخاطر هذا النوع من الزواج.


عبير سليمان: ستر الفتاة الصغيرة أصبح سدا منيعا أمام القضاء على الأمومة المبكرة

ويُؤمن المختصون في العلاقات الأسرية بأن الخطاب التوعوي من الحلول المهمة لمواجهة ظاهرة زواج القاصرات، طالما أن الترهيب الذي عمدت الحكومة إلى استخدامه لسنوات لم يعد ذا قيمة ولم يحل دون استمرار العادات والثقافات الأسرية، لأن تخويف الأسر بوقائع حية من شأنه تغيير قناعاتهم سريعا.

وصادقت الحكومة من قبل على استخدام سلاح الترهيب لوقف ظاهرة الأمومة المبكرة بسن قانون يقضي بمعاقبة كل من “ساعد وأسهم وسهّل ودعم زواج الفتاة القاصر بالحبس والغرامة المالية، سواء الأب أو المأذون أو ولي أمر الزوج نفسه طالما تجاوز سن الثامنة عشرة عاما”، لكن هذه العقوبات لم تكن كافية أمام تحايل الأهالي.

ولا ينكر الخبراء أن العقوبات مطلوبة كنوع من الترهيب، غير أن التعويل عليها وحدها لن يحقق المواجهة المكتملة قبل إعداد قاعدة بيانات بأكثر المناطق التي تتبنى عائلاتها زواج الأطفال للنزول إليها عبر استشاريين وحالات سبق لها الزواج وفشلت للاختلاط بالأهالي ومحاورتهم بشكل مباشر حول الأسباب والمخاطر.

وقالت عبير سليمان الباحثة المتخصصة في قضايا المرأة بالقاهرة إن واقعية الخطاب التوعوي مطلوبة لمواجهة الأمومة المبكرة، ويظل التحدي الأكبر في التحريض على زواج الفتيات وهن قاصرات من شيوخ ينشرون أفكارهم بين الناس ويحفزون الأهالي على تزويج الطفلة كسُترة بذريعة تحصينها من الفتنة.

وأضافت لـ”العرب” أنه مهما كانت هناك حملات توعوية تشارك فيها ضحايا الزواج المبكر للتحدث عن تجاربهن الحية، سيواجه الخطاب التثقيفي للأسر معضلة تكمن في أن الكثير من الأسر الفقيرة تصدق الأصوات الدينية التي تحرضها على ما يسمى بـ”ستر” الفتاة الصغيرة، حتى أصبح هناك سد منيع أمام القضاء على الأمومة المبكرة.

وتقترح بعض الأصوات أن تكون الحملات التوعوية ضد مخاطر الزواج المبكر موجهة إلى الفتاة نفسها وترهيبها من توابع القبول بقرار الأسرة، على أن يكون ذلك بالتوازي مع نشر وإذاعة قصص واقعية لفتيات واجهن حياة تعيسة ومصيرا مجهولا عندما وافقن على الزواج في سن صغيرة وانتهى بهن الحال إلى حمل لقب مطلقات.

الأصوات الرافضة للزواج المبكر تعتقد أن الاستعانة بالتجارب الحية التي فشلت في علاقاتها حل مثالي لإقناع العائلات

ومن الصعب التصدي لتزويج الصغيرات بعيدا عن توعيتهن بكيفية التصرف حال تعرضهن لضغوط أسرية لإجبارهن على الزواج، وتعريف كل فتاة بأن جسدها ملكها وعليها مقاومة العائلة للحفاظ عليه وعدم المتاجرة به أو انتهاكه، لأن هذه الثقافة غير موجودة، وإن وُجدت فهي ضعيفة أمام الموروثات التي تقدس الأمومة المبكرة.

وتنتشر الأمومة المبكرة في قرى ونجوع بريف مصر إلى درجة أن هناك مناطق بعينها معروف عنها تزويج الطفلة بمجرد وصولها عمر ثلاثة عشر عاما، وقد يكون العريس مراهقا لم يبلغ السن القانونية (18 عاما) أو رجلا كبيرا، لكن دون توثيق الزواج في سجلات الحكومة، وقد يكون ذلك بموافقة الطفلة أو بإجبارها على ذلك.

وتشمل إجراءات التحايل على التشريعات الخاصة بحظر الزواج المبكر قيام العريس وولي أمره بالتوقيع على شيك بنكي بمبلغ مالي يسلم إلى والد الفتاة القاصر كضمانة لعدم هروب الزوج وتنصله من العلاقة مستقبلا، أو عدم اعترافه وأسرته بالأبناء الناجمين عنه لأن الزواج في النهاية عرفي وليس رسميا وموثقا.

وإذا لم يحدث الطلاق قبل بلوغ الطفلة السن القانونية يتم توثيق الزواج من خلال مأذون شرعي، قام بإتمام الزيجة من البداية دون تسجيلها رسميا، مع تحديد موعد إبرام العقد ليبدو حديثا، حيث يتعمد المأذون عند تزويج الطفلة وهي صغيرة أن يترك مكان التاريخ فارغا ليدونه عندما تصل إلى سن البلوغ.

الكثير من الأسر تبرر قبولها بالأمومة المبكرة للتخلص من أعباء الفتاة على وقع الظروف المعيشية الصعبة

ويرى مؤيدوالخطوة الاستعانة بضحايا الزواج المبكر للمشاركة في حملات التوعية، أن هناك الكثير من الوقائع الكفيلة بتغيير وجهات نظر الأسر إذا كانت من تحكيها ضحية حقيقية وعانت من أزمات الزواج في سن صغيرة، فهناك من تتفجر في وجهها مشكلات معقدة عندما تنجب قبل بلوغها السن القانونية وعدم توثيق عقد الزواج.

وتكمن المشكلة الأكبر في أن تسجيل المولود يحتاج إلى وثيقة رسمية بالزواج، وقد يحدث الانفصال قبل بلوغ الفتاة السن القانونية وهنا تواجه أزمة لإقناع المحكمة بأنها كانت متزوجة، وثمة وقائع أخرى لآباء تبرأوا من أولادهم انتقاما من الفتاة وأسرتها، ولا يكون أمامها سوى اللجوء إلى القضاء لإثبات العلاقة الزوجية.

وتبرر الكثير من الأسر قبولها بالأمومة المبكرة للتخلص من أعباء الفتاة على وقع الظروف المعيشية الصعبة والاعتقاد بأن زواجها يخفف من الضغوط على العائلة، حتى أصبح تزويج الصغيرات أفضل بكثير من مواصلة دراستهن، إضافة إلى أن زواجها، من وجهة نظر بعض العائلات، السبيل لحماية سمعتها وتجنيبها العنوسة.

وأكدت سليمان لـ”العرب” أنه لم “يعد هناك بديل عن تضمين المناهج الدراسية بخطاب توعوي للأسر والفتيات لضرب الموروثات الثقافية تجاه الأمومة المبكرة، على الأقل لتتعلم الصغيرات أن هذه العادة بالية ولا علاقة لها بالسترة لتصبح كل فتاة مؤهلة تربويا للدفاع عن حقوقها وتحصين جسدها من الانتهاك بالزواج المبكر”.

وطالب خبراء بالتوازي مع هذه الخطوة بتقديم المزيد من الأعمال الفنية التي تناقش مساوئ الزواج المبكر بشكل عميق، لأن التعويل على التشريعات وحدها لن يفضي إلى نتائج ملموسة، في غياب إستراتيجية متكاملة للمواجهة تقوم على توجيه خطاب توعي للأسر، وآخر للفتيات، وثالث للمجتمع، حتى تقتنع كل الأطراف المتورطة في الأمومة المبكرة بحتمية تغيير قناعاتها.