حزب حماة الوطن يوسع أنشطته تدريجيا على حساب حليفه مستقبل وطن

الحكومة المصرية تعيد ترتيب ظهيرها السياسي

المساعدات الاجتماعية قاعدة لكسب الأصوات

القاهرة

اصطحبت الاستعدادات الكثيفة لبدء العام الدراسي الجديد، السبت، في المدارس الحكومية المصرية مظاهر نشاط اجتماعي لافت لحزب حماة الوطن، عكس العام الماضي الذي شهد نشاطا كبيرا لحليفه حزب مستقبل وطن، ما زاد من التوقعات بأن الأول بدأ يكتسب المزيد من الأرض السياسية على حساب الثاني.

وتبذل غالبية الأحزاب السياسية التي تدور في فلك النظام المصري جهودا في المجالات الاجتماعية، انطلاقا من قناعتها بأن المساعدات التي تقدمها للطلبة وذويهم تمنحهم قاعدة شعبية تمكنهم من التأثير على المواطنين في الانتخابات ومواقفهم السياسية عموما.

ويلاحظ المتابعون للمشهد العام في مصر أن حزب حماة الوطن الملقب بحزب الجيش في مصر، لكثافة القيادات العسكرية السابقة التي يضمها بين صفوفه، يزداد نشاطه في الشارع وزاد ظهور كوادره في وسائل الإعلام، مقابل تراجع نشاط حزب مستقبل وطن صاحب الأغلبية في البرلمان، والذي أطلق عليه سابقا الظهير السياسي للحكومة.

ويتزامن الرواج الذي يشهده حماة الوطن تحت رئاسة الفريق جلال هريدي، مع تقارير أشارت إلى إحباط الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من النتائج التي حققها مستقبل وطن تحت قيادة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، رئيس مجلس الشيوخ ورئيس المحكمة الدستورية الأسبق، ولم يعرف عنه الانخراط من قبل في أي نشاط سياسي.

وربط المتابعون بين رواج حماة الوطن وخمول مستقبل وطن وبين ما تردد من معلومات حول قيام جهات رقابية برصد مظاهر فساد واستغلال نفوذ من جانب قيادات وكوادر في مستقبل وطن، تسيء إلى سمعة النظام المصري الذي كان يعتبر ضمنيا هذا الحزب ذراعه السياسية التي تعبر عن تصوراته الرسمية، وهو ما جعل جهات حكومية وشعبية تتعامل معه على هذا الأساس وتوفر له مجالا كبيرا للحركة.

ووجدت “العرب” من متابعة مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لحزب حماة الوطن نهجا قريبا مما قام به مستقبل وطن في مسألتي الحرص على تقديم المساعدات لشرائح مجتمعية فقيرة، والحديث عن تعظيم المكاسب التي يحصدها المصريون من وراء دعم كل تصورات النظام الحاكم، في محاولة لتكرار المنهج نفسه الذي كان يتبعه مستقبل وطن من دون تغيير في الوسائل والأدوات والأهداف.

ويحاول الحزب الالتصاق بأجندة الدولة تماما في النواحي الاجتماعية والاقتصادية بلا مضمون يحوي رؤية مغايرة، ووصل التماهي حجم التناغم في التناول الإعلامي التقليدي، حيث تقوم صفحات حزب حماة الوطن برصد الشائعات المتداولة في الشارع المصري والرد عليها بالمعلومات المتوافرة لدى القائمين عليها.

كان الرئيس السيسي طالب الشهر الماضي وسائل الإعلام المصرية بذكر الشائعات ووضع الحقيقة أمامها، في محاولة لدحض ما يتردد من أكاذيب على ألسنة جماعة الإخوان حول نظام الحكم في مصر.

يكاد يكون النشاط السياسي لحزب حماة الوطن غائبا في الشارع أو محصورا في أنشطة هامشية تصب في اتجاه دعم أجندة النظام المصري وبرامجه العينية للحماية الاجتماعية، وتفتقر للاجتهادات التي يمكن أن تمثل رصيدا إيجابيا له، فالنظام لا يحتاج إلى أبواق جديدة تقوم بالدعاية له، لكنه يحتاج إلى رؤى تساعد على تصحيح الأخطاء، بما يتواءم مع المسار العام للأجواء التي خلقها مشهد الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس السيسي بين الحكومة والمعارضة.

وقالت أوساط سياسية في مصر إن الخارطة الحزبية التي يقبع على رأسها مستقبل وطن وكان ينافسه عليها حماة الوطن يمكن أن تشهد خلافات بينهما، حيث يتبع الأول إشراف جهاز الأمن الوطني، بينما يتبع الثاني المخابرات العامة، حيث يضم كتيبة كبيرة من القيادات العسكرية السابقة.

ويشير مشهد الهبوط والصعود الناعم بين الحزبين إلى أنه ينطوي على لعبة خاصة بتوزيع أدوار بين جهازين أمنيين مهمين في مصر لهما كلمة حاسمة، وقد تخرج اللعبة عن مسارها الإيجابي وتنحرف إلى آخر سلبي إذا أدى صعود حماة الوطن إلى تفريغ مستقبل وطن من كوادره، التي تريد أن تكون قريبة ممن بيدهم الأمر والنهي.

ويحد الانضباط الذي تخضع له الأحزاب التي تدور في فلك النظام المصري من إمكانية تسرب عناصر من هنا إلى هناك، كي لا يفقد من يتحكمون في إدارة المشهد العام مصداقيتهم، ولذلك قد يحتفظ كل حزب بخصوصيته السياسية وتبقى القيادة في مستقبل وطن قابضة على أغلبيتها المدنية، ويحافظ حماة الوطن على نخبته العسكرية.

ولا يزال حزب مستقبل وطن يحظى بالأغلبية في البرلمان بغرفتيه، مجلسي النواب والشيوخ، بينما يحل حماة الوطن رابعا في الأول ونسبته غير معلومة في الثاني، ما يعني أن تأثير مستقبل وطن سوف يظل مستمرا في الدورة البرلمانية الجديدة التي ستبدأ بعد أيام قليلة.

وإذا تم النظر إلى حجم التأثير في مصر فإنه من الملاحظ أنه لا يقاس بعدد النواب والتكتلات الحزبية داخل البرلمان، كما هو الحال في النظم الديمقراطية، لكن يقاس بمستوى الانسجام مع النظام المصري الذي يختار أي الأحزاب قريبة منه وتعبر عن توجهاته السياسية، ما يرجح فرص حماة الوطن، حيث من المعروف أن الرئيس السيسي يثق تماما في القيادات العسكرية ويرتاح للعمل معها.

تعزز هذه النقطة فرص صعود حماة الوطن الذي اكتسب خبرة ميدانية الفترة الماضية ويسعى للاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها حليفه مستقبل وطن، وعدم قدرته على تنفيذ الطموحات السياسية التي علّقت عليه داخل البرلمان وخارجه، حيث بدأت تنسيقية شباب الأحزاب تعيد ترتيب أوراقها كبوتقة ينصهر فيها عدد كبير من الأحزاب المصرية، بينها مستقبل وطن وحماة الوطن، وطابور من الأحزاب الأخرى.

ومن المتوقع أن تتغير قواعد اللعبة إذا تمخض الحوار الوطني الشامل عن إصلاحات تقود إلى فتح المجال العام أمام جميع الأحزاب السياسية، وتدخل قوى يسارية ويمينية معارضة عانت من التضييق الفترة الماضية الذي صب في صالح مستقبل وطن، وهو ما يجعل معركة حماة الوطن في الشارع والبرلمان الفترة المقبلة أشد صعوبة.